لليوم الثالث على التوالي، تشهد الأوساط السياسية والبرلمانية العراقية جدلاً حادّاً بشأن مشروع قانون، يستعدّ البرلمان للتصويت عليه الأسبوع المقبل، يتضمن فقرة يسمح فيها بتجنيس غير العراقيين من الأجانب الذين قضوا عاماً واحداً في العراق.
وتضم مسوّدة القانون تعديلات عديدة على القانون المعمول به في البلاد منذ ما يقارب ثمانين عاماً، بينها بنود وفقرات يقول نواب إنها ستجعل عملية التجنيس هي الأسهل في العالم، وقد تنطوي على عمليات تغيير ديموغرافي في البلاد.
ويضم مشروع القانون نصوصاً تسمح بتجنيس من أمضى عاماً واحداً في العراق أو من تزوّج عراقية، أو الذين يقدمون ما يثبت أنهم من أصول عراقية، لكنه استثنى من ذلك الفلسطينيين في كل فقراته.
ووفقاً لمصادر برلمانية عراقية، فإنّ بعض الكتل السياسية تضغط باتجاه التصويت خلال الجلسات المقبلة على مشروع قانون الجنسية الجديد، وقال مسؤول بالدائرة القانونية في البرلمان لـ"العربي الجديد"، إن القانون "يحمل ثغرات وفقرات غير مسبوقة ويسّهل اكتساب الجنسية العراقية أكثر من أي دولة من الدول المعروفة بالتجنيس في العالم"، مؤكداً أن القانون "قد لا يمرر بهذه الصيغة، وخاصة أنه قد يتعارض مع بنود دستورية تتعلق بالمواطنة".
لكن المسؤول أشار إلى وجود تأييد من بعض القوى السياسية المعروفة بقربها من إيران، كما يواجه رفضاً واسعاً من قوى عربية شيعية وسنّية ومدنية، أبرزها التيار الصدري والقائمة الوطنية والمشروع الوطني، مشيراً إلى أن "صيغة القانون على وضعها الحالي قد تتيح الجنسية لعشرات آلاف الإيرانيين المقيمين في العراق".
وقال عضو اللجنة القانونية في البرلمان سليم حمزة، إن "مشروع قانون الجنسية العراقية الجديد يحوي عدداً من الفقرات غير الجيدة، من بينها أن الشخص المتزوج من عراقية يمنح الجنسية، باستثناء الفلسطينيين".
ورفض عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان محمد الكربولي القانون، مؤكداً في تغريدة على "تويتر" أن "بعض الجهات تريد تمرير قانون يسمح للأجنبي بالحصول على الجنسية العراقية بعد مرور سنة، حتى وإن دخل العراق بطريقة غير شرعية. لن نتهاون في التصدي لمنع صدور هذا القانون".
وحذّر العضو السابق في مجلس النواب حسن العلوي، من قرب صدور القانون الذي يمنح زوّار المراقد الدينية الأجانب حق الحصول على الجنسية العراقية، وبيّن أن الجنسية ستمنح لهم وفقاً للقانون المقترح في حال إقامتهم في العراق عاماً واحداً فقط.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن العضو السابق بالبرلمان العراقي، قوله إن "هذا القانون وخلال سنتين سيضيف إلى سكان بغداد بين 3 و4 ملايين أجنبي يستخدمون كلمة (خودا) بدلاً من لفظ الجلالة" حسب قوله، في إشارة الى نية الحكومة تجنيس إيرانيين. وأضاف: "ما يحدث مشابه لما فعله الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حين منح الجنسية للعرب بهدف زيادة أعداد السنّة على حساب الشيعة. كل من أعدّ وساند ووافق على هذا القانون هو عميل ومرتشٍ" على حد تعبيره.
أما وزير التربية السابق النائب الحالي محمد إقبال، فوجه انتقادات شديدة لمشروع القانون الذي وصفه بأنه انتكاسة كبيرة في مسار القوانين العراقية، متوقعاً في بيان أن تنتج عنه عمليات تغيير ديموغرافي كبيرة. "بعض الفقرات سهلت الحصول على الجنسية بعيداً عن القوانين السابقة، وهناك فقرة بالقانون تمنح الجنسية لمن ولد في العراق، حتى وإن كان أحد الوالدين غير عراقي".
ولفت إلى منح القانون صلاحيات كبيرة لوزير الداخلية بمنح الجنسية، خلافاً للضوابط التي أقرّتها الأعراف العراقية، مؤكداً أن أغلب الدول لا تمنح الجنسية للمهاجرين إليها إلا بعد مرور سنوات كافية للحصول على المعلومات الخاصة به.
ودفعت ردود الفعل الرافضة لمشروع قانون الجنسية الجديد، مديرية الأحوال المدنية والجنسية العراقية لإصدار توضيح، قالت فيها إنه "في ما يخصّ مدة السنة إقامة الواردة ضمن مشروع التعديل الأول لقانون الجنسية العراقية الوارد ذكره، يشترط على الأجنبي الذي يرغب بالحصول على الجنسية العراقية بطريقة التجنيس، أن يقيم في العراق مدة عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب، وقد تم إضافة استثناء للمهجرين قسراً إبان النظام البائد، ولديهم معاملات في مديرية الجنسية لم تنجز حينها بسبب تسفيرهم".
وتابع التوضيح أن "عدداً كبيراً منهم كان مسجلاً ضمن سجلات عام 1957، وبعد عام 2003 صدر قرار مجلس الوزراء برفع إشارة التجميد عن قيودهم، وحصلوا على هويات الأحوال المدنية، ولم يتمكنوا من الحصول على شهادة الجنسية العراقية لعدم وجود إقامة حديثة لديهم لمدة عشر سنوات، وإنصاف هذه الشريحة يتطلب وضع الاستثناء".
يشار إلى أن قانون الجنسية العراقية المعمول به في العراق، وضع شروطاً عديدة لمنح الجنسية للأجانب أبرزها الإقامة لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وأن يكون الشخص دخل العراق بصورة شرعية، فضلاً عن كونه حسن السمعة والسلوك، وأن يكون قادراً على العيش، وسالماً من الأمراض الانتقالية، كما منع منح الجنسية لأغراض سياسية بهدف التوطين المخلّ بالتركيبة السكانية.
وأكد الحقوقي سعد البياتي لـ"العربي الجديد"، أن القوانين العراقية "تمنع منح الجنسية للأجانب لأسباب سياسية"، موضحاً أن شروط الحصول عليها واضحة ولا تقبل الشك أو التأويل. "إذا تم إقرار قانون للجنسية يمنح الزوار الأجانب الجنسية في حال إقامتهم عاماً واحداً، فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على التركيبة السكانية، ويخلق مشاكل. كيف لنا أن نتأكد من حسن سلوك الشخص الذي يرغب بالحصول على الجنسية في عام واحد؟ وكيف يمكن التأكد من سلامة موقفه في بلاده؟".
وتابع: "الحدود المفتوحة، وخصوصاً مع إيران، لا يمكن أن تضمن بقاء الأشخاص المعنيين داخل العراق خلال العام المطلوب منهم. هذه الأنباء إن صحّت، فإن القانون سيتسبب بكارثة مجتمعية وقضائية".