يقترب شهر رمضان وسط استعدادات في فرنسا، كما في غيرها من البلدان، حيث يُسجَّل وجود مسلم. ويقيس الفرنسيون عادة تديّن المسلمين، من خلال شعيرة الصوم التي يمارسها عدد كبير منهم، على الرغم من أنهم لم يعتادوا على التردّد على المساجد.
قبل عشرين عاماً، راح الفرنسيون يحتفلون بعيد الجيران (لا فيت دي فوازين) ويحلّ هذا العام يوم الجمعة، 24 مايو/أيار. هذا العيد يُعَدّ فرصة للتعارف بين الجيران في الأحياء الفرنسية. وكما في هذا العيد، يحاول المسلمون في فرنسا الاستفادة من شهر رمضان لكسر الجليد بينهم وبين سواهم من مكوّنات المجتمع الفرنسي. فتدعو العائلات المسلمة جيرانها المسلمين وغير المسلمين، وتتشارك معهم أطباق رمضان، لا سيّما الحساء أو الحريرة، مثلما يسمّيها المغاربة، أو الشوربة مثلما يطلق عليها الجزائريون، وكذلك الحلويات المختلفة التي تحضّر في هذا الشهر حصراً، من دون أن ننسى القهوة أو الشاي بالنعناع.
المطاعم الشعبية العربية بدأت تتهيّأ لرمضان، لا سيّما أنّها تعمد، خلال هذا الشهر، إلى تعديل مواعيد فتح أبوابها وإغلاقها. وهي تتحوّل نهاراً إلى محلات لبيع الحلويات والفطائر والخبز والمعجنات والألبان، ومساءً تعود إلى طبيعتها. فتستقبل من لا يرغب في تحضير وجبات الإفطار في بيته، خصوصاً الأشخاص العازبين، وتستمرّ في خدمة زبائنها حتى موعد السحور. وفي سياق متصل، يعمد مسلمون إلى تحضير فطائر وخبز وحلويات ويعرضونها للبيع.
فاطمة المهري من أصول مغربية، كانت تعمل ممرضة في دار للعجزة في فرنسا لكنّها تقاعدت أخيراً. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "معاشي التقاعدي ليس كبيراً (650 يورو) لأنّني وصلت إلى فرنسا قبل أن أبلغ الأربعين بقليل. لكنّ شهر رمضان كريم بالنسبة إليّ. فقد نجحت، خلال الأعوام الأربعة الماضية، في جني ثلاثة آلاف يورو في كلّ عام من جرّاء تحضير بعض الأطعمة الخاصة برمضان من فطائر وخبز وحلويات".
ليست قليلات النساء اللواتي يشبهنَ فاطمة المهري ممن ينتظرنَ هذا الشهر بفارغ الصبر. سميرة العمري منهنّ، وهي أرملة جزائرية وأمّ لثلاثة أطفال، أكبرهم لم يبلغ العاشرة من عمره بعد. تتحدّث لـ"العربي الجديد" عن "ظروف العيش الصعبة. فأنا غير مؤهّلة دراسياً للعمل في مجالات مهمة. وقبل وفاة زوجي، كنت ربة منزل، لكنّ الأمر تطلّب الخروج للعمل بعد ذلك". تضيف: "عملت في الخدمة المنزلية، لكنّ ذلك لا يدرّ مالاً كثيراً، لذا أحاول الاستفادة من شهر رمضان". وتشرح أنّها صارت تفضّل "البقاء في فرنسا في خلاله، بدلاً من قضائه مع العائلة في البلاد. في هذا الشهر أتمكّن من ادخار المال من جرّاء تحضير بعض الأطعمة الخاصة. تأمين معيشة أبنائي مسؤولية كبيرة". يُذكر أنّ هذا ليس حكراً على النساء، ومن يقصد الأحياء الشعبية حيث يكثر العرب في هذا الشهر، فإنّه سوف يلاحظ في الطرقات عدداً كبيراً من بائعي الحلويات وفطائر رمضان إلى جانب التمور والألبان. والجميع يجزم بأنّه يحقّق أرباحاً جيّدة في هذا الشهر.
من جهتها، تتحضّر كذلك المتاجر الكبرى أو السوبرماركت لشهر رمضان. وليس غريباً أن ترى السلع المختلفة الخاصة بالصوم معروضة على رفوفها، من ألبان وتمور وحلويات ولحوم. ويمكن للزبائن أن يجدوا في منشوراتها الدعائية مواد خاصة برمضان مع أسعار تنافسية. ويخبر حميد الزروالي، من أصول مغربية، "العربي الجديد": "كنت أفضّل شراء سلع رمضان من البقالين العرب الذين أراهم يومياً، لكنّني لاحظت أنّ ثمن سلعهم مرتفع بالمقارنة مع المتاجر الكبرى. لذا، تحوّلت إلى السوبرماركت".
وبما أنّ تلك المتاجر الكبرى أدركت أهميّة سوق الحلال واستهلاك المسلمين للحوم خلال رمضان خصوصاً، فإنّها صارت تعرض اللحوم الحلال وبأثمان لا يستطيع بعض الجزّارين المسلمين منافستها. يقول عبد الجواد، وهو عامل يشتغل في أحد المتاجر الكبرى، لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة جناحاً في المتجر نطلق عليه اسم مدينة الحلال، تُعرض فيه طوال أيام السنة كلّ أنواع اللحوم الحلال، النيئة والمطبوخة على حدّ سواء. وفي خلال شهر رمضان، كلّ ما نعرضه تقريباً ينفد سريعاً". من جهته، يقول جيرار وهو بائع في أحد المتاجر الكبرى، إنّ "التجارة لا دين لها"، عارضاً منشوراً دعائياً خاصاً بشهر رمضان يتضمّن عروضاً لمنتجات من تونس وتركيا والمغرب، وتشمل التمور والفواكه المجففة والزيتون المهيّأ بالطريقة الشرقية والنقانق ومسحوق الشوربة أو الحريرة، في حين تتكرر كلمة "حلال" في كل صفحة في ذلك المنشور.