أصدرت ستّ منظمات حقوقية مصرية بيانًا مشتركًا، أعلنت فيه رفضها الكامل لما وصفته بـ"لإجراءات التعسفية التي بدأت السلطات المصرية في اتخاذها بهدف التنكيل بالنشطاء السياسيين، على خلفية رفضهم السلمي للتعديلات الدستورية، التي أقرت في استفتاء شعبي نهاية شهر إبريل/ نيسان الماضي، بنسبة موافقة بلغت 88.83 في المائة، بحسب الهيئة العليا للانتخابات".
وطالبت المؤسسات الموقعة أدناه السلطات في مصر بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الشباب المعتقلين، محملة قوات الأمن مسؤولية سلامة هؤلاء الأشخاص الجسدية في حال تعرضهم لأي انتهاكات رافقت عمليات القبض عليهم والتحقيق معهم.
وألقت السلطات المصرية القبض على الناشط السياسي أحمد بدوي، عضو حزب "مصر القوية"، في ثاني أيام الاستفتاء على التعديلات الدستورية يوم 21 إبريل الماضي، بعد إقدامه على رفع لافتة تدعو المواطنين لرفض التعديلات الدستورية. وفي اليوم نفسه ألقت قوات الشرطة القبض على أمير عيسى، أمين العمل الجماهيري بحزب "الدستور"، من أمام مدرسة في منطقة قليوب أثناء تصويره مخالفات تحدث أمام لجنة الاستفتاء.
كذلك تعرضت الناشطة عبير الصفتي للاعتقال في ثالث أيام الاستفتاء يوم 22 إبريل أثناء سفرها مستقلةً ميكروباص من القاهرة للإسكندرية، وكانت في طريقها لمركز كفر الدوار حيث تقيم وتنفذ التدابير الاحترازية المقررة عليها في القضية رقم 718 لسنة 2018 حصر أمن دولة (المعروفة بمعتقلي المترو). وأوقفت قوات الشرطة الميكروباص عند وصوله، ودعت ركابه للنزول والتصويت جبْرًا في إحدى اللجان الانتخابية، ما أدى لاحتجاج الركاب والقبض على أحدهم ثم القبض على عبير.
ظل أحمد بدوي رهين الإخفاء القسري 6 أيام قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة العليا، حيث أجري التحقيق معه على ذمة القضية رقم 674 لسنة 2019 أمن دولة عليا، ووجهت النيابة له اتهامات الانضمام لجماعة إرهابية، واستخدام حساب خاص على شبكة الإنترنت بقصد ارتكاب جرائم يعاقب عليها قانونًا، للإخلال بالأمن العام وتعريض سلامة المجتمع للخطر.
ولم يُواجَه بدوي بأي أحراز، مع العلم أن محاميه أثبتوا في محضر التحقيق، أنه اقتيد بعد القبض عليه إلى قسم أول التجمع الخامس، واحتجز بشكل غير قانوني بمقر الأمن الوطني المُلحق بقسم الشرطة، ولم يعرض على النيابة العامة بل خضع للاستجواب من قِبل ضباط الأمن الوطني لمدة أربع ساعات، مع منعه من الاتصال بالعالم الخارجي سواء محاميه أو أسرته، وظل مغمى العينين ومقيدًا بأصفاد حديدية، في مقعد كان يجلس عليه خلال أيام اختفائه القسري البالغة ستة أيام. في حين أنكر ضباط القسم المذكور خلال تلك المدة علمهم بالقبض عليه أو وجوده.
وقررت نيابة أمن الدولة العليا استكمال التحقيق مع بدوي في جلسة 9 مايو/ أيار الجاري. في حين ظهر أمير عيسى يوم 30 إبريل بنيابة أمن الدولة العليا على ذمة نفس القضية، مواجهًا نفس الاتهامات، بعد أن تعرَّض للإخفاء القسري لثمانية أيام، وقررت النيابة حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
وتعرضت عبير للإخفاء القسري أيضًا لمدة يومين، دون أن تتمكن أسرتها من الاتصال بها، ما دفعهم لتقديم بلاغات للجهات المعنية، حتى ظهرت يوم 28 إبريل في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة نفس القضية (رقم 674 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا)، ووُجِّهت لها اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، واستخدام حساب على شبكة المعلومات الدولية لارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا بهدف الإخلال بالنظام والأمن العام. وقررت النيابة حبسها خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيق.
والجدير بالذكر أن قوات الأمن ألقت القبض على أربعة أعضاء منتمين لحزب "الدستور"، من محافظات القاهرة والجيزة وأسوان، بعد إعلانهم رفض التعديلات الدستورية.
ففي 22 فبراير/ شباط 2019 قُبض على كل من أحمد الرسام، أمين الإعلام بالحزب، ورمضان أبو زيد، عضو الهيئة العليا للحزب بمحافظة المنيا، أثناء خروجهما من اجتماع الأمانة العامة بالحزب في الدقي. كذلك قُبض على هلال سمير من منزله بمحافظة القاهرة، ومن محافظة أسوان قُبض على جمال فاضل من منزله أيضًا.
وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسهم احتياطيًا على ذمة قضيتين مختلفتين، ووجَّهت لكل من أحمد الرسام، هلال سمير وجمال فاضل، اتهام الانضمام لجماعة إرهابية في القضية رقم 277 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، في حين حبس رمضان أبو زيد على ذمة القضية رقم 1739 لسنة 2018 لاتهامه بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، واستخدام حساب خاص على مواقع التواصل الاجتماعي، لنشر وبثّ أخبار وشائعات كاذبة غرضها الإضرار بالأمن القومي.
يُذكر أن اثنين منهم سجَّلا مقاطع فيديو، نُشرت على صفحة "الموقف المصري" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، للتعبير عن رفضهم للتعديلات الدستورية.
وأكدت المؤسسات الموقعة على البيان المشترك، رفضها التام للتنكيل بمعارضين سياسيين لمجرد تعبيرهم السلمي عن رأيهم في قضية التعديلات الدستورية، والزجّ بهم في السجن باتهامات واهية متكررة في أغلب القضايا التي تنظرها نيابات أمن الدولة، في ظل حالة الطوارئ التي تعيشها مصر لأكثر من عامين متتاليين منذ إعلانها للمرة الأولى في 2017.
كما أبدت المؤسسات تخوُّفها الشديد من اتساع نطاق عمليات الاعتقال، لتشمل معارضين آخرين عبَّروا عن رفضهم للتعديلات بشكل سلمي، عبر القنوات الشرعية المتاحة.
كما أكدت المنظمات أن سجن معارضي التعديلات الدستورية، وغيرها من الممارسات التي تزامنت مع عملية الاستفتاء من إجبار المواطنين على التوجه للجان التصويت، والرشاوى الانتخابية، ومنع الصحافيين من مراقبة عملية فرز الأصوات، مثّلت جميعها طعنًا واضحًا في نزاهة العملية برمّتها.
وشددت المنظمات على أن التعديلات الدستورية خالفت التزامات مصر الدولية، تجاه تعزيز وتوطيد الديمقراطية وفقًا لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 55/96 لعام 2001، وإشراك الأفراد إلى أقصى حد في عملية صنع القرارات، وعدم تقييد حرية التعبير أو إلقاء القبض على معارضي التعديلات وإخفائهم قسريًا، ثم إلقائهم في غياهب السجون لمجرد تعبيرهم عن آرائهم.
وأعادت المنظمات الموقعة التذكير بالتزامات مصر الدولية تجاه احترام وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وفقًا لنصّ المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.
المنظمات الموقعة هي: الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، ومركز عدالة للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير.