لا يُحسد أهالي غزة على ما يعيشونه في ظلّ الحصار الذي يفرضه الاحتلال عليهم، وقد يجد البعض مبرراً للذين يهربون إلى خارج الحدود عبر الارتماء في المجهول الإسرائيلي.
بوتيرة شبه يومية، يطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي قنابل ضوئية في سماء المناطق الحدودية مع قطاع غزة، بحثاً عن متسللين إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وإحباط عمليات تسللهم، الأمر الذي قد يؤدّي إلى سقوط جرحى وشهداء. وكان عدد المتسللين الفلسطينيين، خصوصاً من الشباب، إلى الحدود الشرقية قد تزايد، في ظلّ اشتداد الحصار الإسرائيلي الذي دخل عامه الثالث العشر بالإضافة إلى تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية واستمرار حالة الانقسام السياسي في القطاع.
وبعد تراجع في عمليات التسلل التي سُجّلت في خلال العام الماضي بفعل الحالة التي أنتجتها مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، لا يمرّ أسبوع منذ بداية العام الجاري إلا ويعلن الاحتلال الإسرائيلي عن اعتقاله متسللين اجتازوا الحدود بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948. يُذكر أنّ الأجهزة الأمنية موجودة على طول الشريط الحدودي، إلى جانب أفراد من المقاومة الفلسطينية، بهدف ضبط الحدود ومنع التسلل ورصد التحركات الإسرائيلية، غير أنّ ثمّة شبّاناً غزيين ينجحون في الوصول إلى الشريط الحدودي واجتيازه، علماً أنّ قوات الاحتلال لا تنجح دائماً باعتقالهم. بعد اعتقال هؤلاء الشبّان المتسللين، تعمد سلطات الاحتلال إلى تحويلهم إلى التحقيق، غير أنّه سرعان ما يُطلق سراح معظمهم. وهذا الأمر يجعلهم تحت مراقبة الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، خشية أن يكون جهاز "الشاباك" قد نجح في استقطاب هؤلاء. ويقول المتخصص في الشأن الأمني إسلام شهوان لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه الفئة معرّضة للابتزاز والمساومة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وقد يصير عدد منها متخابراً مع الاحتلال"، مضيفاً أنّ "عمليات التسلل إلى داخل الحدود تستنزف القدرات الأمنية في غزة، نظراً إلى ما يتطلبه الأمر من متابعة ومراقبة لسلوك المتسللين، خصوصاً بعد عودتهم من جديد إلى القطاع المحاصر. ربّما يكون بعضهم قد ارتبط بالاحتلال".
ويشير شهوان إلى أنّ "عمليات التسلل قبل عام 2014 كانت ترتبط ببعد اجتماعي وتربوي ثمّ اقتصادي. ومع اشتداد الحصار الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة، أضحى البعد الاقتصادي هو العامل الأبرز من وراء عمليات التسلل". لكنّ شهوان يؤكد أنّ "عمليات التسلل المرصودة في خلال العام الماضي أتت أقلّ عدداً من تلك التي سُجّلت في عامَي 2016 و2017، علماً أنّ العدد الأكبر كان في عام 2017. أمّا اليوم، فقد عادت العمليات لتتزايد". ويرجّح شهوان أن "تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الارتفاع في عمليات التسلل إلى داخل حدود الأراضي المحتلة عام 1948 في ضوء الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الغزيون والذي يحاولون الهرب منه، تحديداً الشباب. هؤلاء لا أفق أمامهم، وكثيرون منهم يبحثون عن فرص عمل".
منذ عام 2017، وُثّقت عشرات عمليات التسلل التي نفّذها شبان توجّهوا إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948، والسمة الأبرز فيها أنّ أعمار هؤلاء تراوحت بين 18 و30 عاماً، مع تسجيل تسلل عدد متواضع من الشابات للأهداف نفسها. يُذكر أنّه منذ إبريل/ نيسان من عام 2017، تدهورت الأوضاع الاقتصادية في غزة بطريقة مختلفة عمّا كانت في الأعوام السابقة، في أعقاب قيام السلطة الفلسطينية بتقليص الرواتب إلى جانب تحويل آلاف الموظفين إلى التقاعد المبكّر، الأمر الذي فاقم الأوضاع المعيشية.
في السياق، يقول المتخصص في الشأن الحقوقي صلاح عبد العاطي لـ"العربي الجديد" إنّ "ظروف الحصار الإسرائيلي المشدّد على قطاع غزة منذ 13 عاماً وحالة اليأس التي وصل إليها الشباب نتيجة انسداد الأفق أمامهم هي الدافع الرئيس وراء لجوئهم إلى التسلل". ويتحدّث عن "هروب الغزيين من الواقع المعيشي والاقتصادي ومحاولة البحث عن فرص عمل أو الهروب من المشكلات الاجتماعية"، من دون أن ينسى "ارتباط آخرين بالتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي". وإذ يؤكد عبد العاطي أنّ "لا إحصاءات دقيقة متوفّرة توثّق عمليات التسلل بصورة دقيقة"، يشير إلى أنّ "الأمر في تزايد ملحوظ منذ بداية العام الجاري، وهذا ما تبيّنه الحالات المعلن عنها"، شارحاً أنّ ذلك يأتي "في حالات فردية يتمّ رصدها أسبوعياً من قبل جهات مختلفة".
ويشدد عبد العاطي على أنّ "ثمّة ضرورة ملحّة لتمكين الشباب الفلسطينيين بقطاع غزة في مختلف المؤسسات العامة والخاصة، والعمل على تغيير الواقع الحالي أمامهم، في ضوء استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة وحالة الانقسام السياسي". ويحذّر من "خطورة التسلل وانعكاساته الاجتماعية، إلى جانب التأثير الأمني الذي يرتّبه على المجتمع الفلسطيني وكذلك على المقاومة الفلسطينية في القطاع المحاصر"، موضحاً أنّ الأمر "يتطلب تعاملاً خاصاً معه بهدف تقليص عدد المتسللين".
تجدر الإشارة إلى أنّ المقاومة الفلسطينية سبق أن أعلنت عن اعتقالها متخابرين مع الاحتلال الإسرائيلي كانوا يحاولون إمّا اجتياز الحدود أو كانوا موجودين على مقربة منها. وقد بدت الإجراءات الأمنية أكثر تشدّداً في أعقاب عملية التسلل الفاشلة التي نفّذتها قوة إسرائيلية خاصة إلى القطاع في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2018.