عادت النفايات لتتكدس من جديد على طرقات العاصمة الليبية طرابلس وفي أحيائها، على الرغم من الوعود الحكومية بحلها. وتلك النفايات تُلقى عشوائياً، فيما تُحرق أكوام منها ليلاً نتيجة عدم نقلها إلى المكبات الرئيسية في خارج المدينة. ويبرّر عضو لجنة الأزمة التابعة لبلدية طرابلس، ناصر الكريوي، ما هو حاصل بأنّه "من آثار هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فالمكبات الرئيسية التي تنقل اليها النفايات، سواء المنزلية أو غيرها تقع في داخل مناطق الاشتباكات".
ويقول الكريوي لـ"العربي الجديد"، إنّ "حكومة الوفاق الوطني في ليبيا المنشغلة في الدفاع عن العاصمة اتخذت إجراءات عاجلة من شأنها نقل تخصص معالجة أزمة النفايات إلى البلدية، لكنّ الأمر ينتظر التفعيل في سياق سلسلة طويلة من الإجراءات الروتينية". ويشدد الكريوي على "ضرورة فتح تحقيق ضدّ معرقلي حياة المواطن الذين يسبّبون له مشكلات مختلفة تتراكم وتجعله في حالة سخط تجاه الحكومة فيرضى بالتالي بأيّ حلّ يأتي من خارجها"، مؤكداً أنّ "العاصمة لم تكن تعاني أزمة نفايات قبل بدء الحرب على العاصمة وأنّ البلدية تسعى بشكل حثيث إلى حلّ المشكلة قريباً".
من جهتها، حذّرت بلدية أبو سليم في العاصمة من كارثة بيئية حقيقية في حال استمرار أزمة تكدّس النفايات بأنواعها، مشيرة إلى أنّ البلديات قدّمت الحلول المقترحة إلى حكومة الوفاق الوطني. وذكرت البلدية، في بيان على صفحتها الرسمية، أنّ الحكومة وعلى الرغم من المقترحات المتعددة في خلال السنوات الماضية وفي الآونة الأخيرة، تعمد إلى حلول مؤقّتة، ما تسبّب في تعقيد الأزمة.
في السياق، يشير باسط بن طاهر، وهو موظف في شركة الخدمات العامة في طرابلس، إلى أنّ "الحلول التي تمنح صلاحيات للبلديات حتى تتعاقد مع شركات خاصة تُعَدّ فاشلة، إذ إنّ تلك الشركات بمعظمها لم تعد راغبة في التعاقد مع البلديات والحكومة بسبب عدم صرف مستحقاتها وإحالتها على ديون الحكومة ووزاراتها". ويؤكد بن طاهر أنّ "الشركة تؤدّي واجبها على الرغم من كل الصعوبات التي تتضمّن بقاء المكبّات المؤقتة مثل مكبّ أبو سليم الذي ما زال على حاله من دون تطوير"، مضيفاً أنّه "في حال توقّف المكبّ عن العمل لأيّ ظرف طارئ فإنّ حركة نقل النفايات سوف تُعلَّق بنسبة كبيرة". ويحمّل بن طاهر مسؤولية للمواطن كذلك، قائلاً "نحن مقبلون على عيد الأضحى وإلقاء مخلّفات الأضاحي في الطرقات أمر معهود سنوياً، والمواطن لا يتجاوب في الغالب مع الشركة لجهة ضرورة وضع تلك المخلّفات في أكياس مُحكمة الأغلاق. بالتالي، فإنّ إلقاءها تحت أشعّة الشمس وسط درجات حرارة مرتفعة أمر يسرّع تحللها وينشر روائحها الكريهة".
والأزمة الحالية دفعت أخيراً إلى عقد مديرية أمن طرابلس اجتماعاً خاصاً ناقش أبعاد مشكلة تكدّس النفايات في الشوارع العامة ومدى معاناة المواطن في التصرّف بها في ظلّ عدم توفّر قنوات لتصريفها. وأشارت المديرية في بيان، إلى أنّ المجتمعين اقترحوا توفير مركبات آلية مصممة خصيصاً لجمع النفايات، إذ إنّ ممثلي شركة الخدمات العامة أكّدوا أنّ مركباتهم معطلة بمعظمها وتحتاج إلى صيانة. لكنّ بن طاهر يوضح أنّ "الشركة عقدت وكذلك مسؤولو العاصمة عشرات الاجتماعات مع الحكومة التي يتعذّر عليها حالياً مواصلة البحث في هذه المشكلة بسبب انشغالها في الدفاع عن العاصمة من هجوم حفتر".
في منتصف يوليو/ تموز المنصرم، تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي الليبية تسجيل فيديو يظهر وقوف أحد المواطنين في طابور سيارات طويل انتظاراً دوره لإلقاء نفاياته في أحد المكبّات العشوائية على أحد طرقات العاصمة. وفي السياق، يقول الحاج نوري صالح، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تكدّس النفايات صار مشهداً مألوفاً لدى الأهالي، وتأتي هذه الأزمة لتُضاف إلى أزماتنا المتعددة، من قبيل انقطاع الكهرباء والوقود والسيولة النقدية". ويعبّر صالح عن استياء شديد إزاء "غياب التحقيق في المخصصات المالية الكبيرة التي تصرفها الحكومة للجهات المعنية بنقل النفايات"، مضيفاً أنّه "يتوجّب على المسؤولين، من جانب إنساني على أقلّ تقدير، الانتباه إلى مخاطر تكدّس القمامة على أطفالنا". ويشير إلى أنّ "الأزمة مفتعلة كغيرها من الأزمات بهدف إشغال المواطن عن همومه اليومية".