تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة التضييق على البلدات العربية وعلى الأراضي والمساكن. وبعد سن قانون "كامينتس" يقدر أن هناك أكثر من 50 ألف بيت عربي مهدد بالهدم في أراضي 48، وفقاً للمعطيات المتوفرة.
ويقطن فلسطينيو الداخل على الأغلب في البلدات والقرى العربية في بيوت بنيت على أراضيهم، بملكية خاصة أو ورثوها في الأغلب عن آبائهم وأجدادهم. في حين تضم منطقة وادي عارة في المثلث الشمالي 25 ألف بيت سجلت سلطات الاحتلال بحق أصحابها مخالفات وغرامات، من بينها ألف بيت لديها مخالفات في اللجان اللوائية، في حين أن هناك مائة بيت صدرت بحقها أحكام نهائية بالهدم.
ونشأت ظاهرة جديدة نتيجة الإخطارات بهدم البيوت بعد قانون "كامينتس"، والادعاء بأن الأبنية غير مرخصة، بالطلب من أصحاب البيوت هدم منازلهم بأيديهم، لتوفير دفع الغرامات الباهظة جداً.
وأوضح رئيس اللجنة الشعبية في وادي عارة أحمد ملحم، لـ"العربي الجديد"، أن "سن قانون كيمنيتس جاء لمنع العرب من ممارسة حياتهم الطبيعة بما يتعلق في البناء والحد من نفوذهم على مسطحات البلدات، ومن إعداد خرائط تفصيلية". وتضم وادي عارة سبع سلطات محلية ومدينتين هما أم الفحم وباقة الغربية. ويقطن فيها 170 ألف مواطن على مساحة 70 ألف دونم بمنطقة جغرافية مترابطة.
ومنذ عام 2007، ومع تكرار بلاغات الهدم التي طاولت مواقع عدة في المنطقة، يعمل ملحم في لجان التنظيم والبناء، ويقوم بزيارات تضامنية مع أهالي المنازل المهددة بالهدم. وهو مدير مدرسة سابقاً، ومتقاعد منذ عام 2000.
وأشار أحمد ملحم خلال لقائه في مكتبه بعرعرة إلى أن "التضييق الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية على العرب وارتفاع عدد البيوت المهددة بالهدم أرهقا جيوب المواطنين، لأنها تفرض عليهم غرامات بمبالغ ضخمة، إذ تصل مخالفة البيت بمساحة مائة متر مربع إلى مائة ألف شيكل (نحو 28 ألف دولار)، وهذه غرامة إدارية وليست قضائية يقرها الموظفون وليس المحكمة، وملزمة لصاحب البيت. أما المصالح التجارية فقد تتراوح الغرامات بحق أصحابها بين 600 ألف و1.2 مليون شيكل".
وأضاف ملحم "يستطيع القانون الجديد أن يغرم صاحب البيت الذي يبقى في بيته بعد قرار الهدم بمبلغ 750 شيكل عن كل 24 ساعة (نحو 213 دولاراً)، كما يستطيع أن يغرم صاحب المصلحة التجارية 1500 شيكل عن كل يوم (نحو 426 دولاراً)".
ويستمر الصراع على الأرض بين الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية، وهو صراع سياسي، بحسب ملحم الذي قال: "الأرض قضية بقاء وهو موضوع مفروغ منه، وإقامة دولة إسرائيل سواء عبر مشروع صهيوني أو يهودي أو تهويدي جاءت ليضع يده على ما يستطيع من الأرض فلسطينية. اليوم نحن نتحدث عن 3.5 بالمائة من الأرض التاريخية التي تبقت لنا، 2.5 في المائة منها موجود في مسطحات القرى العربية، وواحد بالمائة خارج القرى وهي قابلة للنهش والنبش. في حين كنا نملك 87 بالمائة من الأراضي في عام 1948".
ولفت ملحم إلى أن المجتمع العربي في الداخل يقوم ببناء بيوته على ما تبقى من الأرض، وهي مساحة بسيطة جداً، ولا تفي بالغرض، مشيراً إلى أن "قضم إسرائيل للأراضي يقوم على أساس مشروع مخطط له، في حين لم ندرك حاجتنا للمخططات لبيوتنا وأملاكنا، والتي كان من المفترض أن تكون بحوزة السلطات المحلية. وللأسف الشديد اليوم الحكومة تضع الخطط والخرائط الهيكلية لمجالس القرى العربية. ونحن لم نبادر حتى هذه اللحظة إلى إعداد خرائط تفصيلية وفق دراسات تلحظ احتياجاتنا".
ورأى أنه "على السلطة المحلية أن تسعى لحل الأزمة السكنية في نطاق سلطتها، وهي مؤسسة تمتلك جميع الأدوات والميزانيات الكافية لحل هذه المشاكل. ولكن الدولة للأسف الشديد تتعامل مع كل سلطة على انفراد. لذلك يجب إقامة هيئات وطواقم مهنية وغرفة طوارئ تدير السلطات المحلية، لحلحلة أزمة السكن من جهة واستعمال الذراع السياسي لتلك السلطات بوجه جميع الوزارات بدون استثناء حتى الحكومة".
وأشار أيضاً إلى دور القيادات والأحزاب وأعضاء الكنيست العرب، معتبراً أن "حمل الراية اليوم يجب أن يكون من داخل السلطات المحلية".
أما عن الحالة الجديدة المقلقة، وقيام أصحاب البيوت بهدم بيوتهم بأيديهم كما حدث في عارة وكفر قرع في الفترة الأخيرة، قال: "بمجرد أن يتلقى الشخص إنذاراً بهدم البيت عليه أن ينفذ، لأنه لا يملك خرائط ومخططات لا هو ولا السلطات المحلية التي تضمن حق المواطنين بمنازلهم وأراضيهم، والتي يحصل بموجبها على الترخيص، لذلك على كل سلطة محلية أن تغطي مساحة أراضيها بخرائط تفصيلية بدون تجزئة".
وبيّن ملحم أن المجتمع الفلسطيني سيدفع غرامات بعد سن قانون "كامينتس" تزيد عن الميزانية التي رصدتها الحكومة للسلطات المحلية وفق قرار 922، والتي تتراوح بين 10 إلى 15 مليار شيكل خلال السنوات الخمس المقبلة. وقال: "هذه ضربة موجهة للأفراد، ولا بد من تعاون جميع السطات المحلية والفاعلين في المجتمع لاحتواء هذه الأزمة".
وعن أزمة السكن الكبرى التي يواجهها جيل الشباب، قال: "نتيجة الأداء السيئ للسلطات المحلية ونتيجة الأداء التعسفي لدولة إسرائيلية، توجد شريحة من المجتمع لا تستطيع أن تحصل على قسيمة بناء، وتشير الدراسات إلى أن ما لا يقل عن 130 ألف شاب بحاجة لقسيمة بناء أو شقة سكنية، أي أن مقابلهم هناك 130 ألف فتاة أيضاً. ويعيش هؤلاء ضياعاً وإحباطاً وربما يأساً".
ولفت إلى أن "بعض الشباب الفلسطيني يرى الحل الوحيد في الهجرة، وهذا ما تريده إسرائيل، وحسب المعطيات الموجودة لدى مصالح المعابر نتحدث عن أربعة آلاف فلسطيني خرجوا من البلاد ولم يعودوا حتى هذه اللحظة. هذا العدد مرشح للزيادة، فربما لن يعودوا. فلا توجد سلطة محلية تستطيع أن تأخذ المبادرة وتقول إنها ستحل مشكلة الأزمة السكنية في البلد".