أدت التغيرات التي مرت بها المدينة لانعكاسات سلبية على السكان فيها. يقول الخمسيني سليمان إبراهيم لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل في زراعة القمح والقطن، قبل الثورة، وكنت أسكن في بيت ريفي مع عائلتي الصغيرة، لكنّ عدم دعم الزراعة وكثرة الفساد وغلاء الوقود وضرائب المصرف الزراعي والرسوم، أجبرتني على ترك الزراعة؛ فهي عمل يحتاج إلى جهد عضلي ولم يعد يوفر لأسرتي متطلبات الحياة، والآن أتنقل كلّ فترة بين عمل وآخر مياوماً، كوني لا أجيد إلا الأعمال الزراعية". يضيف: "لدينا أنا وزوجتي ثلاثة أطفال لم أعد قادراً على تأمين مصاريفهم ما اضطرني إلى إخراجهم من المدرسة. كل شيء مرتفع الثمن، وكلّ يوم تزداد الأسعار، وعندما يمرض أحد أفراد العائلة نتردد كثيراً قبل أخذه إلى عيادة أو مستشفى، فذلك يكلفنا كثيراً من المال غير المتوفر في الأساس".
تتحدث المهندسة الزراعية ربا حمزة، عن جوانب من معاناتها، فهي تجد صعوبات في تأمين حاجات الحياة اليومية في القامشلي، وتعتمد على المواد الأساسية فقط في تأمين غذاء أولادها. تقول لـ"العربي الجديد": "كثير من الأصناف غابت عن مائدتنا، فضلاً عن الفواكه والخضار بسبب أسعارها الغالية، وإذا وجد مريض في العائلة تكون الحالة الأصعب التي تواجهنا، خصوصاً إذا كان مرضاً خطيراً. المصيبة أكبر إذا مرض المعيل وهذه حالنا، فزوجي مريض سرطان لديه وصفة طبية شهرية من الأدوية التي يصعب تأمينها، وابني في الجامعة يضطر إلى ترك الدراسة فصلاً دراسياً كاملاً أحياناً للعمل، وهناك عائلات لديها أطفال صغار يحتاجون إلى حفاضات وحليب، وهو مصروف يفوق وحده راتب أيّ موظف هنا".
في العموم، ازدادت صعوبات المعيشة في المدينة خصوصاً بعد نزوح العديد من سكان مناطق الريف الغربي في محافظة الحسكة إليها بعد العملية العسكرية التركية. كذلك، يتخوف كثير من المطلوبين للنظام فيها من تمكن قبضته الأمنية، بعد الاتفاق الذي تمّ بين النظام وقوات سورية الديمقراطية "قسد".
يقول الأربعيني عثمان لـ"العربي الجديد": "أهلي يقيمون في دمشق، بينما أجبرت على تركهم منذ سنوات كوني مطلوباً للنظام، وأنا أعيش وحدي، وقد استأجرت منزلاً لأقيم فيه، كون أخي الأكبر يقيم في بيت العائلة. كنت قبل مدة أتحضر للزواج لكن في الوقت الحالي لم تعد الفكرة مناسبة، وأنا أخاف أن تعود قوات الأمن النظامية للسيطرة على المدينة وملاحقة المطلوبين واعتقالهم. وبالرغم من أنّ الفكرة قد تكون مستبعدة لكنّها تخيفني فعلياً. الحياة في القامشلي سابقاً كانت مريحة ومناسبة لي ولكثير ممن هم في حالتي، لكن في الوقت الراهن هناك مخاوف كثيرة خصوصاً بالنسبة للمطلوبين".
يتضح أن تأمين الأدوية و العلاج من أبرز المشاكل التي يعانيها سكان المدينة، وهذا ما يشير إليه سائق سيارة الأجرة الستيني، محمد أبو أكرم، فبالرغم من تقدمه في السن هو مجبر على العمل، ويقول: "أتعب طوال اليوم لتأمين المعيشة واحتياجات أولادي لكي لا ينقصهم شيء، وأنا أعتمد على سيارة الأجرة فقط، لكن بارتفاع الأسعار بتّ أعاني من تأمين معيشة عائلتي، ولا أتمكن إلا من توفير الحد الأدنى من المواد الأساسية الضرورية جداً". يتابع لـ"العربي الجديد": "أنا مريض أيضاً، وأحتاج دواء مسيلاً للدم، وقد ذهبت في مرات عدة إلى مؤسسات صحية، فقد قصدت الهلال الأحمر، لكن من دون فائدة، إذ لم يساعدني أحد. أقلص مصروف عائلتي لأتمكن من شراء ادويتي. أتمنى أن تكون هناك جهات توفر أدوية لمن يعانون من الأمراض المزمنة وتقدم لهم الخدمات الطبية مجاناً".
معاناة العائلات التي لديها أبناء يدرسون في الجامعات أو المدارس الثانوية، تكمن في التوفيق بين حاجات العائلة ومتطلبات الأبناء، كون الأعباء كبيرة، خصوصاً في فصل الشتاء وضرورة الحصول على مواد التدفئة. يشتكي ياسر أحمد، من الأحوال الصعبة التي وصل إليها مع أفراد عائلته. يقول لـ"العربي الجديد": "لدي ابنتان تدرسان في الثانوية أما ابني فهو في الصف التاسع الإعدادي، وكلّ ما لديّ بقالة صغيرة مدخولها لا يكاد يكفينا. هنا نحن مهمشون، فقلما تجد منظمات أو جهات تحاول مدّ يد العون لنا أو تسألنا عن أحوالنا. كلّ هذه السنوات من المعارك والخوف أتت على كلّ شيء نملكه، لقد أُنهكتنا واستنزفت طاقتنا بشكل كبير". يتابع: "أنا مريض من قرابة شهرين، وقد ذهبت إلى دمشق ودفعت مبلغاً كبيراً، فمن أين سأعيش، خصوصاً أنّ زوجتي مريضة أيضاً؟ الآن يطالبون بزيادة أسعار الأدوية 50 في المائة، وأنا آخذ عشرة أنواع من الأدوية. كيف سأعين عائلتي وأشتري الدواء وموردي من محل بقالة؟ حتى أرباحنا يأخذها التجار، إذ تدنت من 10 في المائة إلى 4 في المائة لا أكثر".