استنكرت منظمات حقوقية مصرية استمرار سلطات البلاد في تجديد حبس المتّهمين في القضية 488 لسنة 2019 واعتقال متّهمين جدد، وذلك في لائحة اتهامات واحدة تضمّ عدداً من أبرز الصحافيين والحقوقيين والسياسيين والمحامين في مصر، على الرغم من اختلاف مجالات عملهم وظروف وتوقيت القبض عليهم وملابسات التحقيق معهم.
وأصدرت تلك المنظمات، وهي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومنظمة "كوميتي فور جستس" ومركز النديم ومركز بلادي للحقوق والحريات، بياناً مشتركاً لها طالبت فيه بغلق القضية 488 والإفراج عن جميع المتهمين فيها، والتوّقف عن توظيف تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية - من دون تحديدها - ونشر أخبار كاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمعاقبة كلّ من يفكر في ممارسة حقّه الطبيعي في التعبير الحرّ عن الرأي أو مجرّد المشاركة بالنقد أو التحليل في الشأن العام من خلال خبراته أو في سياق عمله. كذلك طالبت بفتح تحقيقات جادة حول ما تعرّض له بعض المتّهمين في هذه القضية من انتهاكات جسيمة وتعذيب وإخفاء قسري قبيل وفي أثناء فترة احتجازهم.
وجاء في بيان المنظمات: "ما زالت نيابة أمن الدولة مستمرّة في تجاهل المطلب بالتحقيق في ما تعرّض له الباحث العمراني إبراهيم عز الدين بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات من تعذيب وإخفاء قسري لمدة 167 يوماً منذ القبض عليه في 12 يونيو/ حزيران 2019، وحتى مثوله للمرة الأولى متهماً أمام جهات التحقيق في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. وبالمثل تتجاهل النيابة التحقيق في واقعة تعذيب الصحافية والناشطة الحقوقية إسراء عبد الفتاح المحبوسة احتياطياً منذ 100 يوم في القضية نفسها، وذلك رغم إعلان إسراء أكثر من مرّة إضرابها عن الطعام -بما يعرّض حياتها للخطر- احتجاجاً على عدم التحقيق في وقائع تعذيبها أثناء وعقب القبض عليها. وكانت إسراء قد نُقلت في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2019 إلى مستشفى سجن القناطر، بعد تدهور حالتها الصحية نتيجة الإضراب الكلي عن الطعام لـ 10 أيام متواصلة".
وفي 22 يناير/ كانون الثاني الجاري، مثَل الصحافي حسام الصياد، الذي ألقي القبض عليه في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أمام نيابة أمن الدولة العليا في جلسة تحقيق جديدة على ذمّة القضية نفسها، ومعه المصوّر الصحافي إسلام مصدق الذي ألقي القبض عليه فجر 25 سبتمبر/ أيلول الماضي. وقد وجّهت النيابة إلى الصحافيَّين تهمة نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، معتمدة على تحريات الأمن الوطني. وحتى الآن، لم يتمكّن محاميهما من الاطلاع على محضر التحريات وكلّ أوراق القضية، فيما تتابع النيابة تجديد حبسهما. وبالمثل جدّدت النيابة في جلسة 21 يناير/ كانون الثاني الجاري حبس الصحافيّين محمد صلاح وسولافة مجدي وإسراء عبد الفتاح على ذمة القضية نفسها، التي تشمل كذلك الصحافي أحمد شاكر في جريدة "روز اليوسف" الذي ألقي القبض عليه من منزله فجر 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولم يظهر أمام النيابة إلا بعد يومَين، متّهَماً بالاتهامات نفسها. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ألقت السلطات القبض على شادي سرور الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي عقب وصوله إلى مطار القاهرة في إطار القضية نفسها، ووجهت إليه النيابة اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية أسّست على خلاف أحكام القانون، ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
ولفتت المنظات في بيانها نفسه إلى أنّ "قائمة الملاحقات في هذه القضية لم تقتصر على صحافيين وحقوقيين فحسب، إنّما ضمّت كذلك اثنَين من أبرز المحامين المعنيّين بالدفاع عن الحقوق والحريات هما ماهينور المصري وعمرو إمام. وقد تمّ القبض على ماهينور المصري من أمام نيابة أمن الدولة بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة في 22 سبتمبر/ أيلول 2019، بعدما أنهت مهمتها في الدفاع عن بعض المحتجزين بسبب ممارسة حقّهم في التظاهر السلمي. أمّا المحامي عمرو إمام فقد تمّ القبض عليه من منزله فجر 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2019".
وتابعت المنظمات أنّ "القضية نفسها تضمّ أيضاً عدداً من السياسيين البارزين وأعضاء الأحزاب السياسية. فقد كان باكورة المتّهمين فيها أساتذة العلوم السياسية حسن نافعة، والدكتور حازم حسني، ورئيس حزب الدستور السابق الصحافي خالد داوود، ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي عبد الناصر إسماعيل. وقد تمّ القبض على نافعة وحسني في 25 أكتوبر/ كانون الأول 2019 على خلفية اتهامهما بنشر أخبار كاذبة، فيما تمّ القبض على داوود في 24 سبتمبر/ أيلول 2019 بالتهمة ذاتها إضافة إلى التحريض على العنف. وفي 22 سبتمبر/ أيلول 2019 انضمّ إلى القضية عبد الناصر إسماعيل، فيما سبق ذلك كله اعتقال الناشط العمّالي كمال خليل في 16 سبتمبر/ أيلول 2019، وقد جدّدت النيابة حبسهم جميعاً في جلسات متفرّقة في الأيام الثلاثة الماضية".
وشدّدت المنظمات على أنّه "من المثير للريبة أنّ هؤلاء المحتجزين على ذمّة القضية نفسها في ظروف وملابسات وتوقيتات متباينة قد تمّ ضمّهم إلى هذه القضية وفق لائحة الاتهامات نفسها، علماً بأنّ القضية تعود إلى فبراير/ شباط 2019 – قبل القبض عليهم بأكثر من ثمانية أشهر - تزامناً مع حادثة قطار رمسيس التي أودت بحياة 25 شخصاً، ما تسبّب في غضب واسع النطاق، عبّر عنه البعض في تظاهرات عفوية محدودة وتغريدات إلكترونية. وفي أعقاب تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، فوجئ كثيرون بمثولهم كمتّهمين على ذمّة هذه القضية من ضمن حملة أوسع من الملاحقة والقبض العشوائي نالت من أكثر من أربعة آلاف شخص في شهر واحد، ما زال بعضهم رهن الحبس".
وأكّدت المنظمات أنّ هذه القضية "نموذج لحملة أوسع تستهدف مصادرة كافة أشكال الحقّ في التعبير الحر وإحكام السيطرة الأمنية على منابر الإعلام التقليدي المرئي والمكتوب، وحجب ومصادرة المواقع الإلكترونية والإخبارية، ومراقبة الحسابات الشخصية للصحافيين والحقوقيين، لضمان انفراد السلطة وتحكمها الكامل في المحتوى الإعلامي، والزجّ بأصحاب الآراء والروايات والرؤى المغايرة في السجون طالما حاولوا تبنّي خطاب يتعارض مع الخطاب الرسمي للدولة".