لم يعد رحيم البقّال، يعرض أفضل أنواع الفاكهة الطازجة التي تشتهر بزراعتها محافظة ديالى الواقعة شرقي العراق، حيث يعيش، ولا سيما فاكهة البرتقال. فقد نازعتها على مدرج العرض الأنيق فواكه مستوردة من دول مجاورة، لأسباب عدة، منها ما يرتبط ببساتين المحافظة نفسها التي تتناقص.
الحاج رحيم البقّال، الذي أخذ لقبه من مهنته التي يزاولها منذ أن كان شاباً في العشرين من العمر، قبل خمسين عاماً، يقول إنّ جميع البساتين التي كان يتزود منها بالفاكهة الطازجة لم تعد تنتج، إذ جرى تجريفها، مشيراً في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أنّ "بعض البساتين التي كان إنتاجها من البرتقال يحجزه التجار مسبقاً، ويباع بأسعار أعلى من غيره من الأنواع، لجودته، تحولت اليوم إلى أراضٍ جرداء أو مناطق سكنية أو أقيمت عليها مشاريع صناعية".
محافظة ديالى يسكن فيها أكثر من مليون ونصف مليون نسمة، واشتهرت بالزراعة لخصوبة أراضيها ووفرة مياهها، ولا سيما أنّ نهر ديالى، أحد روافد نهر دجلة، يمرّ فيها ويغذي أراضيها الزراعية. وتعتبر ديالى المصدر الأول لإنتاج فواكه الحمضيات ذات الجودة العالية، وعلى رأسها البرتقال، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الفاكهة مثل الرمان، واشتهرت في العراق باسم مدينة البرتقال.
مساحات شاسعة من البساتين المثمرة كانت تميز هذه المحافظة عن بقية المحافظات العراقية، حتى سنوات قريبة، لكنّ كثيراً منها اختفى في غضون عشرة أعوام تقريباً، بحسب ما يشير أحمد الكروي، وهو عضو المجلس المحلي في ديالى. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ السبب يعود إلى "الظروف غير الاعتيادية التي مرّ بها العراق"، قاصداً الحرب على تنظيم "داعش" خصوصاً، الذي احتل المحافظة عام 2014، وأخرج منها عام 2015، وما سبق هذه الحرب وما جاء بعدها.
يتابع: "أهالي المحافظة يعتزون ببساتينهم، وكثيرون منهم ورثوا هذه البساتين عن آبائهم وأجدادهم، ويعتبرون قيمتها العائلية والتاريخية أهم من إنتاجها، لذلك يحافظون عليها وعلى إنتاجها وجودة ما هو مزروع فيها. وهم أصحاب خبرات كبيرة في مجال الزراعة ورعاية الأشجار المثمرة وإدارة البساتين".
يضيف: "لكن من غير المعقول أن يستسلموا للخسائر المادية الكبيرة لفترة طويلة. وهو ما جعلهم يتخذون قرارات تعتبر مؤثرة عليهم وعلى البلاد عموماً، لكونهم يساهمون كثيراً في تزويد السوق المحلي بأصناف معينة وجيدة من الفاكهة، إذ جرفوا بساتينهم وحولوا صنفها إلى غير زراعي"، والسبب وفق قوله "تعرض البلد لشحّ في المياه، وفتحت الجهات الحكومية المجال أمام مختلف المنتجات الزراعية المستوردة من دون ضوابط وضرائب وبكميات كبيرة وبأسعار أقل بكثير من المنتج المحلي، ما جعل المنتجات الزراعية المحلية تكسد وتتلف".
من جانب آخر، يقول الكروي: "شنت القوات الأمنية العديد من الحملات لتعقب الإرهابيين الذين يتخذون من هذه البساتين مواقع يختبئون فيها، وعملت على تجريفها وإحراقها، ما كبّد المزارعين خسائر كبيرة". ويشير إلى أنّ "أكثر من 6 آلاف دونم زراعي جرى تجريفها كانت تعتبر ثروة اقتصادية وغطاءً بيئياً هاماً للبلاد". ويعادل الدونم الذي يعتبر وحدة قياس الأراضي الزراعية المعتمدة في العراق 2500 متر مربع.
يحتفظ رياض لطيف (61 عاماً) بأرشيف لعدد كبير من الصور يبلغ نحو 300 صورة، يعود أقدمها إلى عام 1952، لبستانه الذي ورثه عن والده، لكنّه اضطر إلى بيعه، فتحول اليوم إلى حيّ سكني. يقول لطيف لـ"العربي الجديد" إنّه لم يكن قادراً على تحمل مزيد من الخسائر بعد عام 2003: "لم تعد الدولة تحمي محاصيلنا الزراعية مثلما كانت الحال في السابق. الزراعة العراقية كانت تتلقى دعماً من المؤسسات الحكومية، من ناحية توفير الأسمدة والمبيدات والآلات المختلفة التي تباع للمزارعين بسعر مخفض، فضلاً عن المتابعة والاستشارات المجانية".
لكنّ ما مثل "صدمة للمزارعين"، بحسب ما يقول لطيف، "أن تفتح الحكومة المجال أمام المنتجات الزراعية المستوردة، من دون أن تفرض عليها ضريبة جمركية تحمي الإنتاج المحلي، وهكذا باتت الفاكهة المستوردة تباع بأسعار تصل أحياناً إلى نصف سعر الفاكهة المحلية". يضيف: "أهملت بستاني لمدة عامين منعاً لتكبد مزيد من الخسائر، ثم بعته، وقد تحول اليوم إلى حيّ سكني بعدما استثمره المالك الجديد في بناء المساكن".
بعيداً عن قصة لطيف التي تشبهها قصص كثيرة في هذه المحافظة، فإنّ جواد العلوان، فقد بستانه واضطر إلى بيعه بعدما كبّده خسائر كبيرة، وذلك لسبب مختلف، هو تجريفه من قبل القوات الأمنية. بستان العلوان يمتد على مساحة 150 دونماً، موقعه قريب من النهر، ما جعله من البساتين التي تمتاز بموقع مناسب زراعياً، وهو مزروع بأكثر من عشرة آلاف شجرة برتقال، فضلاً عن مائة وخمسين شجرة نخيل وألفي شجرة لأصناف متنوعة من الفاكهة.
يقول العلوان إنّ عمر بستانه يبلغ أكثر من مائتي عام، وهو أحد أملاك عائلته التي كانت تملك عدداً من البساتين المثمرة في ديالى. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ بستانه كان يمكن أن يستثمره في مشاريع زراعية مثل البستنة وزراعة الشتلات المختلفة، ولا سيما أنّه مهندس زراعي، وبإمكانه الإبقاء على البستان وعدم تغيير جنسه من خلال عدة أفكار استثمارية لمواجهة المزروعات المستوردة رخيصة الثمن التي سيطرت على الأسواق العراقية وأطاحت المزروعات المحلية، وفق قوله.
اقــرأ أيضاً
يستدرك: "لكنّ المشكلة التي واجهتني كانت أكبر من أن أحتمل، إذ جرى تجريف بستاني خارج إرادتي، وكانت خسارتي كبيرة جداً". يتابع: "بستاني وبساتين عديدة أخرى تعرضت للتجريف من قبل القوات الأمنية، بحجة وجود إرهابيين يختبئون فيها"، مؤكداً أنّ "هذا الكلام عارٍ من الصحة. لم يحدث أن اختبأ إرهابيون أو أيّ مسلحين في بستاني. وإن كان هذا صحيحاً، فمن غير المعقول تكبيدي خسائر كبيرة في سبيل البحث عن إرهابيين".
يتابع: "اضطررت إلى بيع بستاني لأنّي لم أعد أحتمل رؤية أشجاري التي كنت أعتني بها وهي محترقة وأخرى قلعت من أرضها. كنت أحاول أن أبدأ مشاريعي في تربية النحل والأسماك وزراعة الشتلات الصغيرة باستغلال بستاني مع الحفاظ على شكله. لكنّ ما جرى له من تجريف متعمد أجبرني على بيعه".
الحاج رحيم البقّال، الذي أخذ لقبه من مهنته التي يزاولها منذ أن كان شاباً في العشرين من العمر، قبل خمسين عاماً، يقول إنّ جميع البساتين التي كان يتزود منها بالفاكهة الطازجة لم تعد تنتج، إذ جرى تجريفها، مشيراً في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أنّ "بعض البساتين التي كان إنتاجها من البرتقال يحجزه التجار مسبقاً، ويباع بأسعار أعلى من غيره من الأنواع، لجودته، تحولت اليوم إلى أراضٍ جرداء أو مناطق سكنية أو أقيمت عليها مشاريع صناعية".
محافظة ديالى يسكن فيها أكثر من مليون ونصف مليون نسمة، واشتهرت بالزراعة لخصوبة أراضيها ووفرة مياهها، ولا سيما أنّ نهر ديالى، أحد روافد نهر دجلة، يمرّ فيها ويغذي أراضيها الزراعية. وتعتبر ديالى المصدر الأول لإنتاج فواكه الحمضيات ذات الجودة العالية، وعلى رأسها البرتقال، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الفاكهة مثل الرمان، واشتهرت في العراق باسم مدينة البرتقال.
مساحات شاسعة من البساتين المثمرة كانت تميز هذه المحافظة عن بقية المحافظات العراقية، حتى سنوات قريبة، لكنّ كثيراً منها اختفى في غضون عشرة أعوام تقريباً، بحسب ما يشير أحمد الكروي، وهو عضو المجلس المحلي في ديالى. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ السبب يعود إلى "الظروف غير الاعتيادية التي مرّ بها العراق"، قاصداً الحرب على تنظيم "داعش" خصوصاً، الذي احتل المحافظة عام 2014، وأخرج منها عام 2015، وما سبق هذه الحرب وما جاء بعدها.
يتابع: "أهالي المحافظة يعتزون ببساتينهم، وكثيرون منهم ورثوا هذه البساتين عن آبائهم وأجدادهم، ويعتبرون قيمتها العائلية والتاريخية أهم من إنتاجها، لذلك يحافظون عليها وعلى إنتاجها وجودة ما هو مزروع فيها. وهم أصحاب خبرات كبيرة في مجال الزراعة ورعاية الأشجار المثمرة وإدارة البساتين".
يضيف: "لكن من غير المعقول أن يستسلموا للخسائر المادية الكبيرة لفترة طويلة. وهو ما جعلهم يتخذون قرارات تعتبر مؤثرة عليهم وعلى البلاد عموماً، لكونهم يساهمون كثيراً في تزويد السوق المحلي بأصناف معينة وجيدة من الفاكهة، إذ جرفوا بساتينهم وحولوا صنفها إلى غير زراعي"، والسبب وفق قوله "تعرض البلد لشحّ في المياه، وفتحت الجهات الحكومية المجال أمام مختلف المنتجات الزراعية المستوردة من دون ضوابط وضرائب وبكميات كبيرة وبأسعار أقل بكثير من المنتج المحلي، ما جعل المنتجات الزراعية المحلية تكسد وتتلف".
من جانب آخر، يقول الكروي: "شنت القوات الأمنية العديد من الحملات لتعقب الإرهابيين الذين يتخذون من هذه البساتين مواقع يختبئون فيها، وعملت على تجريفها وإحراقها، ما كبّد المزارعين خسائر كبيرة". ويشير إلى أنّ "أكثر من 6 آلاف دونم زراعي جرى تجريفها كانت تعتبر ثروة اقتصادية وغطاءً بيئياً هاماً للبلاد". ويعادل الدونم الذي يعتبر وحدة قياس الأراضي الزراعية المعتمدة في العراق 2500 متر مربع.
يحتفظ رياض لطيف (61 عاماً) بأرشيف لعدد كبير من الصور يبلغ نحو 300 صورة، يعود أقدمها إلى عام 1952، لبستانه الذي ورثه عن والده، لكنّه اضطر إلى بيعه، فتحول اليوم إلى حيّ سكني. يقول لطيف لـ"العربي الجديد" إنّه لم يكن قادراً على تحمل مزيد من الخسائر بعد عام 2003: "لم تعد الدولة تحمي محاصيلنا الزراعية مثلما كانت الحال في السابق. الزراعة العراقية كانت تتلقى دعماً من المؤسسات الحكومية، من ناحية توفير الأسمدة والمبيدات والآلات المختلفة التي تباع للمزارعين بسعر مخفض، فضلاً عن المتابعة والاستشارات المجانية".
لكنّ ما مثل "صدمة للمزارعين"، بحسب ما يقول لطيف، "أن تفتح الحكومة المجال أمام المنتجات الزراعية المستوردة، من دون أن تفرض عليها ضريبة جمركية تحمي الإنتاج المحلي، وهكذا باتت الفاكهة المستوردة تباع بأسعار تصل أحياناً إلى نصف سعر الفاكهة المحلية". يضيف: "أهملت بستاني لمدة عامين منعاً لتكبد مزيد من الخسائر، ثم بعته، وقد تحول اليوم إلى حيّ سكني بعدما استثمره المالك الجديد في بناء المساكن".
بعيداً عن قصة لطيف التي تشبهها قصص كثيرة في هذه المحافظة، فإنّ جواد العلوان، فقد بستانه واضطر إلى بيعه بعدما كبّده خسائر كبيرة، وذلك لسبب مختلف، هو تجريفه من قبل القوات الأمنية. بستان العلوان يمتد على مساحة 150 دونماً، موقعه قريب من النهر، ما جعله من البساتين التي تمتاز بموقع مناسب زراعياً، وهو مزروع بأكثر من عشرة آلاف شجرة برتقال، فضلاً عن مائة وخمسين شجرة نخيل وألفي شجرة لأصناف متنوعة من الفاكهة.
يقول العلوان إنّ عمر بستانه يبلغ أكثر من مائتي عام، وهو أحد أملاك عائلته التي كانت تملك عدداً من البساتين المثمرة في ديالى. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ بستانه كان يمكن أن يستثمره في مشاريع زراعية مثل البستنة وزراعة الشتلات المختلفة، ولا سيما أنّه مهندس زراعي، وبإمكانه الإبقاء على البستان وعدم تغيير جنسه من خلال عدة أفكار استثمارية لمواجهة المزروعات المستوردة رخيصة الثمن التي سيطرت على الأسواق العراقية وأطاحت المزروعات المحلية، وفق قوله.
يستدرك: "لكنّ المشكلة التي واجهتني كانت أكبر من أن أحتمل، إذ جرى تجريف بستاني خارج إرادتي، وكانت خسارتي كبيرة جداً". يتابع: "بستاني وبساتين عديدة أخرى تعرضت للتجريف من قبل القوات الأمنية، بحجة وجود إرهابيين يختبئون فيها"، مؤكداً أنّ "هذا الكلام عارٍ من الصحة. لم يحدث أن اختبأ إرهابيون أو أيّ مسلحين في بستاني. وإن كان هذا صحيحاً، فمن غير المعقول تكبيدي خسائر كبيرة في سبيل البحث عن إرهابيين".
يتابع: "اضطررت إلى بيع بستاني لأنّي لم أعد أحتمل رؤية أشجاري التي كنت أعتني بها وهي محترقة وأخرى قلعت من أرضها. كنت أحاول أن أبدأ مشاريعي في تربية النحل والأسماك وزراعة الشتلات الصغيرة باستغلال بستاني مع الحفاظ على شكله. لكنّ ما جرى له من تجريف متعمد أجبرني على بيعه".