ضيق في التنفّس. واحد من الأعراض الثلاثة الرئيسيّة لفيروس كورونا الجديد. تخيّل نفسك مع عارض مماثل... تخيّل أنّه حاد. الشعور بالاختناق، لا بدّ من أنّه ثقيل. هو كذلك بالفعل. "اسأل مجرّب وما تسأل حكيم" تبدو في محلّها هنا. صدّقني، هو شعور لن ترغب في اختباره في أيّ ظرف كان. ربّما لا يكون العارض حاداً، مثلما هي الحال في معظم الإصابات بهذه العدوى، غير أنّ الأمر ليس تجربة ظريفة.
تخيّل أنّ مئات ملايين من البشر على كوكبنا يشعرون بضيق حاد في التنفّس. أمر محتمل مع هذا الوباء العالميّ أو هذه الجائحة. كثر يتجنّبون استخدام المصطلح الأخير. بعيداً عن المعنى الذي يحيل إلى التهلكة، يجدون اللفظ ثقيلاً. هكذا يبرّر بعضهم خيارهم. ضيق النفس أثقل من هذا المصطلح. صدّقني. ونعود إلى تخيّل مئات ملايين وهم يختنقون أو يكادون. المشهد أشبه بفيلم رعب. حتى هواة هذا النوع من الأفلام، لن يستسيغوا ذلك. والحلّ؟ إجراءات احترازيّة ليست الكمّامة من بينها ولا القفّازات إلا في حالات استثنائيّة محدودة. أمر حسمته منظمة الصحّة العالميّة كما جهات أخرى معنيّة، فيما يصرّ كثيرون على خلاف ذلك. بالنسبة إليهم الكمّامة مصدر أمان، رافضين التصديق أنّه خادع.
"خلّيك بالبيت". نصيحة تتردّد اليوم، كإجراء وقائيّ يضمن "التباعد الاجتماعيّ". لا بدّ من ذلك للحدّ من تفشّي الفيروس الجديد، لا سيّما مع تسليم شبه عام بعدم اللجوء إلى سياسة "مناعة القطيع". إذاً، فلنفعل ونقِ أنفسنا من ضيق في التنفّس قد يكون حاداً. فلنلازم بيوتنا ونسمح لكوكب الأرض بالتقاط أنفاسه. هو في حاجة ماسّة إلى ذلك. لن يتعافى من أمراض تنفسيّة تسبّبت فيها نشاطاتنا كبشر على سطحه، هذا أمر مؤكّد، غير أنّه قد يسترجع بعضاً من عافيته.
ما يُعدّه البشر اليوم نقمة لهم، لا شكّ في أنّه نعمة لأمّنا الأرض. بغضّ النظر عن التقارير التي تفيد بانحسار نسب التلوّث وانبعاثات غازات الدفيئة وما إليها على خلفيّة الحدّ من الحركة عموماً، فإنّ مَن يتسلّل ليلاً إلى خارج منزله سيدرك حقيقة الأمر. السكون الذي لا يخترقه سوى مواء قطة ووقع خطوات من البعيد، يصاحبه أريج أشجار ونباتات عشوائيّة تتوزّع هنا وهناك. إنّه فصل الربيع. منذ زمن بعيد، لم تَعد المدينة تستنشق مثل هذا الأريج. منذ زمن بعيد، لم يَعد غبار الطلع يتسبّب في ضيق أنفاسها، فالملوّثات صنيعة الإنسان غلبته... حتى في عزّ موسم الحساسيّة.
لطالما قطع غبار الطلع أنفاسي في مثل هذا الموسم كما في أخرى، غير أنّني سأتسلّل مساءً إلى الشارع وأستنشقه ملء رئتَي. هذه فرصة لن تتكرّر. ربّما هي الفرصة الوحيدة قبل أن نستعيد نحن البشر نشاطنا ونمعن من جديد في خنق أمّنا الأرض، وقد نسينا معنى أن تضيق أنفاسنا. هذه الليلة وغداً وبعدهما، سوف أخرج إلى الشارع وأستشنق الطبيعة... من دون كمّامة.