وإذ يشير الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون إلى أنّ اللامبالاة هي البيئة الطبيعية للضحك، تثير ظاهرة الإفراط بالهزل في هذه الفترة الحرجة عدّة أسئلة، لماذا يلجأ الناس للفكاهة في ظل الأزمات الإنسانية؟ ما أهمية الضحك في مواجهة "كورونا"؟ وهل يمكن أن تتحول السخرية لانفصال عن الواقع؟
توضح الأخصائية النفسية إيفانا ورد، أنّ البشر مهيؤون نفسيًا لعدة ردود أفعال دفاعية أحدها الهزل، لحماية أنفسهم من تدفق المعلومات المسببة للذعر أوقات الكوارث، وتقول: "يمتلك الناس أسبابًا كافية للقلق والخوف، سواء اقتصاديًا أو سياسيًا، لذا لن يسبب عامل آخر يهدد حياتهم سوى الهزل من الواقع، الذي يساعد نفسيًا على تفريغ الضغط والإحباط".
وتؤكد ورد لـ"العربي الجديد"، أنّ الخوف والذعر يزيدان إفراز هرمونات الشدة التي تؤثر سلبًا على المناعة، وتضيف: "الضد بالضد، نحن بحاجة للضحك في ظل الجائحة، لأنه يزيد إفراز هرمونات السعادة مثل الأندروفين والسيروتونين مما يحسن جهاز المناعة".
أما الأخصائية النفسية بيان حقي فتشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الهزل يساعد البشر على التأقلم مع التغييرات الكبرى التي تسببها الأزمات، بمنحهم الإحساس باشتراك الإنسانية أجمعها بالمعاناة، وبإعادة صياغة الواقع بمنظور مختلف، وتضيف: "تساهم الفكاهة وخاصة النوع الساخر منها، بالتنفيس عن مشاعر الغضب، وتمنح إحساسًا بالتحكم مجددًا بالظرف الطارئ الذي أخلّ بالاستقرار المعهود في حياتنا".
وإذ يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون في كتابه "الضحك": "إننا لا نتذوق الهزل إن كنا وحدنا، فالضحك يحتاج للصدى"، تؤكد ورد أنّ السخرية أيضًا تبني مجتمعات متضامنة في قضاياها، وتكسر الشعور بالوحدة في فترة العزل الصحي، محطمة عبر الإنترنت جدران "التباعد الاجتماعي" الذي كان عنوان هذه الفترة.
كما تلفت الأخصائية حقي: "إن قال أحدهم نكتة في مدينة ما، قد يضحك عليها شخص من مدينة ذات ثقافة ولغة مختلفة، وذلك لا يختلف عن التواصل وجهًا لوجه سوى بالرموز المستخدمة والمسافة والسياق"، وتتابع: "يُشعِر الضحك على ما هو مشترك، الفرد أنّ معاناته تشبه معاناة الآخرين، وأنه ينتمي إلى مجموعة أكبر تخفف إحساسه بالوحدة".
السخرية كوسيلة للإصلاح الاجتماعي
تزامن انتشار فيروس كورونا، مع اهتزاز ثقة الكثير من الشعوب بإعلامها المحلي، وعن هذا تشير الأخصائية ورد إلى المصطلح الاجتماعي الثقافي "راديو الرصيف"، الذي يعبر عن معلومات لها وظيفة اجتماعية وسياسية تُتناقل بصفة غير رسمية، وتنبع من الوعي الجمعي، ليعكس محتواها قضايا المصلحة العامة. وتقول: "تُترجم هذه المعلومات بشكل نميمة ونكت وفيديوهات مضحكة بهدف السخرية من المجتمع، أو التقليل من شأن الحكومات، وتعكس نوعًا من الضحك الشكّاك الذي يبوح بعدم الشعور بالأمان، وعدم الثقة بالأخبار التي تنقلها الحكومات".
كما توضح أنّ ظاهرة السخرية التي انتشرت مع بداية تفشي المرض، بتصوير الفيروس على أنه لا يصيب إلا الأغنياء ودول العالم الأول، عبرت عن إحباط الناس من عدم المساواة الاقتصادية، وحملت تشفيًا ضمنيًا من التسلسل الطبقي.
الوجه الأسود للسخرية
يشير برغسون في كتابه أيضًا، إلى أنّ الكوميديا أقرب إلى الواقع من الدراما، باعتبارها وسيلة للتوبيخ الاجتماعي، لا تنفصل عنه إلا في أنواعها الدنيا، وعن هذا تقول ورد: "قد تتحول السخرية إلى انفصال عن الواقع، إن أثرت على طريقة تعاطي الناس مع الجائحة، والتزامهم بالسلوكيات الصحية".
وتؤكد ورد أنّ الجانب السلبي للسخرية، يتجلى في تسخيف خطورة المرض، ونشر معلومات خاطئة أو غير دقيقة عن الفيروس، مما يؤدي إلى إثارة الشائعات ونظريات المؤامرة التي تتفشى بسهولة عبر الإنترنت، من خلال الكم الهائل من الفيديوهات المضحكة.
في حين تقول الأخصائية النفسية حقي: "تشكل الفكاهة خطرًا إن تحولت لسخرية تستهدف أعراقًا وثقافاتٍ محددة، مثل النكات التي سخرت من الشعوب الآسيوية والصينيين على وجه التحديد مع بداية انتشار الوباء، لأنها حملت محتوى عنصريًا يهين ثقافات وأعراقا كاملة، معتبرة إياها سبب تفشي كورونا، وموجهة الغضب والنقمة والخوف من الفيروس نحو هذه الشعوب". وتضيف: "قد يزول خطر الفيروس مع الوقت باتباع الإجراءات الوقائية وتقدم البحث العلمي، وما سيتبقى هو أثر العنصرية التي عُززت بعدّة طرق من بينها السخرية".