حلّ عيد الفطر في هذا العام بخلاف ما كان في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، جنوبي لبنان. حلّ حزيناً وقد غابت أبرز مظاهره وسط أزمة كورونا. عادة، في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، تشهد شوارع عين الحلوة زحمة غير مألوفة في الأيام العادية، وهو ما لم بحصل هذا العام، ولعلّ الأسباب الضائقة التي يعيشها أهالي المخيّم من جرّاء إجراءات الوقاية المفروضة للحدّ من تفشّي فيروس كورونا الجديد، ليس فقط في المخيّم إنّما في كلّ أنحاء لبنان وكذلك العالم أجمع.
أبو أحمد من سكان عين الحلوة، وهو ربّ أسرة يعمل في ورشة بناء في مدينة صيدا، لكنّه أُجبر على التوقّف عن العمل منذ ثلاثة أشهر بسبب التعبئة العامة المفروضة في لبنان. يقول لـ"العربي الجديد": "في الحقيقة، هذا العام مختلف عن الأعوام السابقة نتيجة تدهور الأحوال المعيشية التي يعيشها أهالي المخيم، ولا أظن أنّ شراء لحم العيد وحلوياته متاح"، مشيراً إلى أنّ "اللحم والحلويات هي ما نحضره إلى بيوتنا عشيّة العيد عادة. ففي اليوم الأوّل منه، وبعد الانتهاء من صلاة العيد، تنتشر روائح الشواء في شوارع المخيّم". يضيف أبو أحمد أنّ "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عمدت إلى تقديم مساعدة مالية قيمتها 112 ألف ليرة لبنانية (نحو 75 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف الرسمي ونحو 30 دولاراً في السوق السوداء) لكلّ فرد من أفراد العائلة في 18 مايو/ أيار الجاري. وقد شهد مكان تسليم المساعدات اكتظاظاً شديداً، مردّه إلى حاجة الناس إلى هذه المعونة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ "الناس لم يتمكّنوا من شراء الملابس الجديدة للأولاد ولا حلويات العيد واللحم كما اعتادوا. حتى العيديّة لم يتمكّنوا من تقديمها إلى الصغار، لأنّ المبالغ التي حصلوا عليها هي لتسديد ديون تراكمت من جرّاء الضائقة الأخيرة". ويتابع أبو أحمد أنّ "اللاجئين الفلسطينيين من سورية الذين يعيشون اليوم في المخيّمات الفلسطينية في لبنان، تأخّرت شهرين معونتهم المالية التي تقدّمها أونروا لهم، بالتالي تراكمت بدلات إيجار منازلهم".
أمّا جلال زعطوط وهو حلاق رجالي، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الإقبال على شراء حاجيات عيد الفطر المبارك تراجع إلى حدّ كبير، بسبب الأسعار التي ارتفعت بشكل جنوني. حتى أنا في مهنتي، الإقبال ضعيف جداً بسبب ضيق الحال، والزبائن الذين يقصدونني بمعظمهم يصفّفون شعرهم بالدين، ولا أستطيع رفض ذلك حتى لا أخسرهم". يضيف: "مشكورة هي وكالة أونروا لتقديمها معونة مالية، لكنّ ذلك لا يكفي حاجة الناس، لذلك يجب على منظمة التحرير الفلسطينية أن تبادر هي بدورها إلى تقديم مساعدات".
من جهته، تخصّص الشاب مهند حمد في مجال الفندقية لكنّه لم يوفَّق بعمل فيه، فراح يعمل في محلّ لبيع الملابس في المخيّم. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "حركة البيع عندنا كانت معدومة قبل العيد، كأنّما لا عيد نحتفل به، والسبب هو الوضع الاقتصادي الصعب. حتى التجّار لا يجرؤون على التزوّد ببضاعة جديدة لأنّ الأسعار تتغيّر في كلّ يوم نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني في السوق السوداء".
في السياق، تقول أمّ حسام المصلح وهي مديرة مركز البرامج النسائية في مخيّم عين الحلوة، لـ"العربي الجديد": "نحن جمعية لها ثمانية مراكز في لبنان، والمركز الرئيس هو في العاصمة بيروت. وأنا أعمل هنا منذ عام 2000، نحن معهد لتدريس اللغات ونقدّم خدمات اجتماعية. وأخيراً، وبسبب أزمة كورونا، صرنا نخيط شراشف وستائر للمستشفى الميداني الذي يجهّز في المخيّم تحسباً من تسجيل إصابات بكورونا. كذلك عملنا على مشروع طبخ في شهر رمضان المنصرم، وهو إطعام 300 عائلة يومياً. وقبل العيد عملنا على مشروع تأمين كسوة العيد للأطفال الذين هم في سنّ السادسة وما دون لنحو 25 طفلاً، لكنّ 500 عائلة تقريباً رغبت في الحصول على ملابس لأولادها، وهذا لم يكن في إمكانياتنا لأنّ المال الذي نشتري به ملابس هو من خلال التبرّعات التي نحصل عليها". وتؤكد المصلح أنّ الوضع صعب جداً، وثمّة رجال يأتون إلينا طالبين الطعام حتى لو استحصلوا على الأرزّ المطبوخ فقط".
تضيف المصلح أنّ "المبالغ المالية التي تقدّمها أونروا للعائلات لا تكفي، علماً أنّ التوزيع سيستمرّ لما بعد أيام العيد. ولأنّ المبالغ غير كافية، فالناس عجزوا عن تأمين كسوة العيد واللحم والحلويات، لأنّ الأولوية هي لسداد الديون المتراكمة عليهم". وتتابع أنّ "اللحوم تغيب عن موائد العيد الصباحية، بسبب ارتفاع سعر الكيلوغرام الذي تجاوز 30 ألف ليرة لبنانية (نحو 15 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي ونحو ثمانية دولارت في السوق السوداء) وبالتالي عجز الناس عن شرائه. وأنا واحدة منهم". وتشير المصلح إلى أنّ "كعك العيد غاب كذلك عن بيوت كثيرة، وحُرمت شوارع المخيّم وأزقته من رائحته، علماً أنّ الناس في مثل هذه الأيام تكون منشغلة بإعداده لكنّه صار مكلفاً جداً بعد ارتفاع أسعار السمن والزبدة والطحين وحتى التمر".