في وقت يرى كثيرون في القرار الذي اتخذته الخرطوم برفع رواتب موظفي الدولة أمراً إيجابياً، يعبّر آخرون عن تحفّظاتهم، إذ يرون في الأمر خطوة غير مكتملة.
يعلّق الموظفون العموميون في السودان آمالاً عراضاً على زيادة رواتبهم التي لجأت إليها الحكومة بدءاً من شهر مايو/ أيار المنصرم، إذ من شأن ذلك بالنسبة إليهم إزالة فروقات طبقية في المجتمع السوداني والتقليل من حدّة الفقر وتحسين الخدمات الاجتماعية وغيرها. وجاءت الزيادة من ضمن هيكل راتبي جديد أجازته الحكومة الانتقالية في البلاد شمل كلّ فئات العاملين في الدولة، من مدرّسين وأطباء وأساتذة جامعات وإداريين وسواهم، وقد بلغت نسبة الزيادة في الهيكل الجديد 569 في المائة. كذلك رفعت السياسة الجديدة الحدّ الأدني للأجور إلى ثلاثة آلاف جنيه سوداني (نحو 55 دولاراً أميركياً)، بدلاً من 425 جنيهاً (نحو ثمانية دولارات). وأكّدت الحكومة أنّ نحو سبعة ملايين موظف عمومي سيستفيدون من تلك القرارات التي لقيت ترحيباً واسعاً بين هؤلاء لأكثر من سبب.
عباس الأمين، مدرّس في المرحلة الثانوية، زاد راتبه الشهري في نهاية شهر مايو/ أيارالمنصرم نحو 20 ألف جنيه (نحو 360 دولاراً). بالنسبة إليه، فإنّ الأمر "قفزة كبيرة وغير متوقعة"، هو الذي كان يتقاضى في خلال السنوات الماضية راتباً لا يزيد عن أربعة آلاف جنيه (نحو 70 دولاراً). ويقول الأمين لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزيادة وبعيداً عن تأثيرها على معيشة موظفي الدولة عموماً، كان لها وقع مختلف على فئة المدرّسين. هم رأوا فيها إعادة تقييم اجتماعي جديدة لحَمَلة الطباشير، وذلك بعد عقود من الإهمال والاضطهاد". ويؤكد الأمين أنّ "الزيادة ستساهم إلى حدّ كبير في تحسين الخدمات الاجتماعية التي تُقدَّم للمواطن، لا سيّما خدمة التعليم، بعد أن يشعر المدرّس بالاستقرار، فلا يضطر إلى العمل لساعات أطول ولا إلى التنقّل ما بين المدارس الحكومية وتلك الخاصة ولا إلى إعطاء حصص في المنازل. كذلك سيجد نفسه حريصاً أكثر ممّا مضى على جودة عمله في مدرسته الحكومية، عدا عن مساهمة تلك الزيادة في فرض نهج الرقابة والمحاسبة على أداء المدرّسين". ويتابع الأمين أنّ "الزيادة ستنهي كذلك أسطورة المدارس الخاصة التي كان يلجأ إليها المقتدرون من أبناء المجتمع، لأنّ تلك المدارس لن تكون قادرة على مجاراة الرواتب الحكومية الجديدة إلا بفرض رسوم دراسية ضخمة لن يقدر عليها أولياء الأمور".
اقــرأ أيضاً
ويتّفق الأستاذ الجامعي فتح أحمد مع ما ذهب إليه عباس الأمين، ويعدّد لـ"العربي الجديد"، بعض الإيجابيات التي سيجنيها المجتمع بعد الإجراءات الجديدة كامثلة، فيقول إنّ "الأهمّ هو مساهمتها في مكافحة الفقر الذي تزايد كثيراً في المجتمع، وبالتالي تصل بنا إلى مرحلة العدالة الاجتماعية كهدف كلي لا مناص منه". يضيف أحمد أنّ "زيادة الرواتب تؤدي كذلك إلى إعادة توزيع الدخل القومي على شرائح المجتمع وإعادة بناء طبقة وسطى تلاشت في العقود الماضية. وهذه الطبقة هي الوحيدة القادرة على صياغة منظومة القيم في المجتمع والربط بين بقية الطبقات". ويتابع أنّ "الرواتب الجديدة ستزيد من معدّل إعالة الأسر الممتدة، وهو أمر كان السودان يعرفه في السابق غير أنّه تقلّص كلياً في السنوات الماضية"، مشيراً إلى أنّ "الخطوة ستقلل بحدّ ذاتها من معدّل الطلاق في البلاد، لأنّ حالات انفصال الأزواج بمعظمها تعود إلى صعوبة الحياة مع رواتب متدنية، وسترفع معدّل الزواج، وتحدّ من التسرّب المدرسي وغير ذلك".
في المقابل، لا يرى عبد الباسط عبد اللطيف، وهو موظف حكومي في وكالة السودان للأنباء، أنّ الأمر بهذه الإيجابية، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزيادة في الرواتب لن تحقق كلّ تلك الأهداف المجتمعية ولا غيرها، لأنّ الغلاء سيمتصّها كلها، لا سيّما مع التصاعد اليومي في أسعار السلع، الضرورية منها خصوصاً". بالنسبة إلى عبد اللطيف، فإنّ "تعديل الرواتب لم يحقّق أيّ إنجاز لموظفي الدولة في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع حالة من اﻹحباط المعيشي والخدمي العام". ويؤكد عبد اللطيف أنّ "الإيجابية الواقعية الكامنة في تعديل الأجور هي في عدالة هياكل اﻷجور وإزالة التشوهات السابقة بمختلف أشكالها".
من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية سارة أبو، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تعديل الأجور في السودان يمثّل نقلة كبيرة نفسياً واجتماعياً بالنسبة إلى العاملين في القطاع العام"، لكنّها توضح أنّ "إنجاز تحوّل اجتماعي شامل عبر الرواتب وزيادتها هو أمر بعيد المنال ويستوجب جملة من الشروط، أبرزها مساعدة الأسر في المواءمة ما بين الرواتب وتقدير الاحتياجات والحرص على إدارة الصرف بقدر ما هو متوفر ومتاح، ثمّ التغيير في الفكرة والسلوك الاستهلاكي. فكثيرة هي السلع الضرورية ذات الأسعار الخرافية، بالتالي يمكن البحث عن بدائل". تضيف أبو أنّ "أيّ زيادة في الرواتب من دون تغيير في السلوكيات الاجتماعية ستقع فريسة سهلة أمام غول السوق الذي يمتصّها في أيام".
اقــرأ أيضاً
أمّا الأمين العام لجمعية حماية المستهلك في السودان ياسر ميرغني، فيعبّر لـ"العربي الجديد"، عن رأي مختلف. بالنسبة إليه فإنّ "اهتمام الحكومة بتوفيرالعلاج والدواء المجانيَين والتعليم المجاني أَولى بكثير للعاملين في الدولة من زيادة رواتبهم"، مستشهداً بتجارب دول عدّة، مثل ماليزيا، التي "توفّر لكلّ من يحمل الهوية الماليزية فرصة العلاج والتعليم مجاناً من دون أن تركّز على زيادة الرواتب، بخلاف ما حدث في السودان".
عباس الأمين، مدرّس في المرحلة الثانوية، زاد راتبه الشهري في نهاية شهر مايو/ أيارالمنصرم نحو 20 ألف جنيه (نحو 360 دولاراً). بالنسبة إليه، فإنّ الأمر "قفزة كبيرة وغير متوقعة"، هو الذي كان يتقاضى في خلال السنوات الماضية راتباً لا يزيد عن أربعة آلاف جنيه (نحو 70 دولاراً). ويقول الأمين لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزيادة وبعيداً عن تأثيرها على معيشة موظفي الدولة عموماً، كان لها وقع مختلف على فئة المدرّسين. هم رأوا فيها إعادة تقييم اجتماعي جديدة لحَمَلة الطباشير، وذلك بعد عقود من الإهمال والاضطهاد". ويؤكد الأمين أنّ "الزيادة ستساهم إلى حدّ كبير في تحسين الخدمات الاجتماعية التي تُقدَّم للمواطن، لا سيّما خدمة التعليم، بعد أن يشعر المدرّس بالاستقرار، فلا يضطر إلى العمل لساعات أطول ولا إلى التنقّل ما بين المدارس الحكومية وتلك الخاصة ولا إلى إعطاء حصص في المنازل. كذلك سيجد نفسه حريصاً أكثر ممّا مضى على جودة عمله في مدرسته الحكومية، عدا عن مساهمة تلك الزيادة في فرض نهج الرقابة والمحاسبة على أداء المدرّسين". ويتابع الأمين أنّ "الزيادة ستنهي كذلك أسطورة المدارس الخاصة التي كان يلجأ إليها المقتدرون من أبناء المجتمع، لأنّ تلك المدارس لن تكون قادرة على مجاراة الرواتب الحكومية الجديدة إلا بفرض رسوم دراسية ضخمة لن يقدر عليها أولياء الأمور".
ويتّفق الأستاذ الجامعي فتح أحمد مع ما ذهب إليه عباس الأمين، ويعدّد لـ"العربي الجديد"، بعض الإيجابيات التي سيجنيها المجتمع بعد الإجراءات الجديدة كامثلة، فيقول إنّ "الأهمّ هو مساهمتها في مكافحة الفقر الذي تزايد كثيراً في المجتمع، وبالتالي تصل بنا إلى مرحلة العدالة الاجتماعية كهدف كلي لا مناص منه". يضيف أحمد أنّ "زيادة الرواتب تؤدي كذلك إلى إعادة توزيع الدخل القومي على شرائح المجتمع وإعادة بناء طبقة وسطى تلاشت في العقود الماضية. وهذه الطبقة هي الوحيدة القادرة على صياغة منظومة القيم في المجتمع والربط بين بقية الطبقات". ويتابع أنّ "الرواتب الجديدة ستزيد من معدّل إعالة الأسر الممتدة، وهو أمر كان السودان يعرفه في السابق غير أنّه تقلّص كلياً في السنوات الماضية"، مشيراً إلى أنّ "الخطوة ستقلل بحدّ ذاتها من معدّل الطلاق في البلاد، لأنّ حالات انفصال الأزواج بمعظمها تعود إلى صعوبة الحياة مع رواتب متدنية، وسترفع معدّل الزواج، وتحدّ من التسرّب المدرسي وغير ذلك".
في المقابل، لا يرى عبد الباسط عبد اللطيف، وهو موظف حكومي في وكالة السودان للأنباء، أنّ الأمر بهذه الإيجابية، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزيادة في الرواتب لن تحقق كلّ تلك الأهداف المجتمعية ولا غيرها، لأنّ الغلاء سيمتصّها كلها، لا سيّما مع التصاعد اليومي في أسعار السلع، الضرورية منها خصوصاً". بالنسبة إلى عبد اللطيف، فإنّ "تعديل الرواتب لم يحقّق أيّ إنجاز لموظفي الدولة في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع حالة من اﻹحباط المعيشي والخدمي العام". ويؤكد عبد اللطيف أنّ "الإيجابية الواقعية الكامنة في تعديل الأجور هي في عدالة هياكل اﻷجور وإزالة التشوهات السابقة بمختلف أشكالها".
من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية سارة أبو، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تعديل الأجور في السودان يمثّل نقلة كبيرة نفسياً واجتماعياً بالنسبة إلى العاملين في القطاع العام"، لكنّها توضح أنّ "إنجاز تحوّل اجتماعي شامل عبر الرواتب وزيادتها هو أمر بعيد المنال ويستوجب جملة من الشروط، أبرزها مساعدة الأسر في المواءمة ما بين الرواتب وتقدير الاحتياجات والحرص على إدارة الصرف بقدر ما هو متوفر ومتاح، ثمّ التغيير في الفكرة والسلوك الاستهلاكي. فكثيرة هي السلع الضرورية ذات الأسعار الخرافية، بالتالي يمكن البحث عن بدائل". تضيف أبو أنّ "أيّ زيادة في الرواتب من دون تغيير في السلوكيات الاجتماعية ستقع فريسة سهلة أمام غول السوق الذي يمتصّها في أيام".
أمّا الأمين العام لجمعية حماية المستهلك في السودان ياسر ميرغني، فيعبّر لـ"العربي الجديد"، عن رأي مختلف. بالنسبة إليه فإنّ "اهتمام الحكومة بتوفيرالعلاج والدواء المجانيَين والتعليم المجاني أَولى بكثير للعاملين في الدولة من زيادة رواتبهم"، مستشهداً بتجارب دول عدّة، مثل ماليزيا، التي "توفّر لكلّ من يحمل الهوية الماليزية فرصة العلاج والتعليم مجاناً من دون أن تركّز على زيادة الرواتب، بخلاف ما حدث في السودان".