لم يفتر السجال القائم في المغرب حالياً بعد إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية توجيها إلى مسؤوليها بإحصاء العلماء وأئمة المساجد والمرشدين الدينيين المتواجدين على مواقع التواصل الاجتماعي. وتلقى الخطوة مؤيدين لها باعتبار أنها تضبط مجال العاملين في المساجد، في حين يجد الرافضون أنها تهدف إلى التضييق على "أسرة المساجد".
وسارعت وزارة الأوقاف إلى تقديم توضيح، بالقول إن مهمة العلماء والأئمة والخطباء والوعاظ كانت وستبقى هي التواصل مع الناس، وأن التكنولوجيا تعد نعمة كبرى إذا استعملت في التبليغ النافع، الملتزم بثوابت الأمة حسب مضمون النصوص القانونية التي تؤطر مهام العلماء والأئمة، ووفق "قانون" الإمام والخطيب والواعظ.
وشددت الوزارة على أن "كل ما يرد من جهة العلماء والأئمة في منابرهم الإلكترونية، ويتوافق مع الثوابت وما يناسبها من شرح أحكام الدين ومكارمه يستحق كل تشجيع من المؤسسة العلمية، وكل ما يرد منهم وينأى عن تلك الثوابت والالتزامات سيتم التنبيه عليه من جهة المؤسسة العلمية التي لها الصلاحية وحدها للحكم على المضمون".
هذا القرار الجديد آثار انتقادات عدد من الأئمة والمرشدين الدينيين منهم أبو إسماعيل، عضو الرابطة الوطنية لأسرة المساجد، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه كاملا. وقال لـ "العربي الجديد" "إن القرار يأتي في سياق التضييق المتعمد على العاملين في المساجد، والقيمين الدينيين".
واعتبر أن الأمر يتعلق باستهداف الإمام والمرشد وحتى عالم الدين بهدف حصارهم، وتضييق الخناق على أنفاسهم حتى في فضاءات التكنولوجيا الحديثة، حتى لا يكون لهم رأي في القضايا الاجتماعية المثارة، ويبقى لسانهم طي الكتمان لا يقول الحق خشية إعفائه" وفق تعبيره.
ويعلق الخبير في الشأن الديني الدكتور إدريس الكنبوري، على الموضوع بالقول لـ "العربي الجديد"، إنه لا يعلم ما إذا كان الهدف من قرار الإحصاء هو التضييق على الأئمة والخطباء أم شيئا آخر، لأن الإحصاء في حد ذاته أمر عادي تقوم به جميع المؤسسات لمعرفة نسبة الأشخاص المنتمين إليها الذين لديهم نشاطات معينة، والخروج بخلاصات لديها علاقة بالقطاعات التي يشتغلون فيها.
وأوضح الكنبوري أن "الهدف من وراء إحصاء وزارة الأوقاف قد يكون مثلا توجيه هؤلاء الخطباء والأئمة إلى تبني خطاب موحد في ما بينهم، في إطار السياسة الدينية العامة للدولة"، مردفا بأن "معرفة الأئمة والخطباء الذين لديهم حضور في مواقع التواصل الاجتماعي ليس أمرا صعبا بالنسبة للدولة".
واستطرد المتحدث بأن القرار جاء عادياً، بمعنى أنه يطلب من المسؤولين تحديد هؤلاء الأشخاص، ما يعني أن الإدارة المعنية ستوزع بيانات على هؤلاء الأشخاص لملئها، وتأكيد حضورهم في مواقع التواصل، وإلا كان يمكن للوزارة أن تلجأ إلى أساليب أخرى غير الاستكتاب".
وشدد الكنبوري على أن "القضية الأهم بالنسبة له هي أن الوزارة والمجلس العلمي متخلفان في ما يتعلق بالتعامل مع مستجدات التكنولوجيا التواصلية ومواقع التواصل، فعوض هذا كله كان ينبغي منذ زمن طويل أن تنظم دورات تكوينية لفائدة هذه الفئة لكي تكون حاضرة وسط المجتمع وخاصة الشباب".
وذهب المحلل إلى أن مواقع التواصل باتت تشكل رافدا من روافد الفكر المتطرف، لكن في المقابل لا نرى الخطاب الديني المعتدل حاضرا بشكل ملموس في هذه المواقع بطريقة علمية عصرية قادرة على التخاطب مع فئات الشباب داخل المجتمع المغربي".
وأكمل الخبير "رغم أن خطاب الإصلاح الديني في المغرب منتشر بكثرة في المؤسسات الدينية كخطاب وإرادة سياسية، إلا أن حضوره في الواقع العملي تقف أمامه عقبات كبرى، من بينها تحديث وسائل التواصل نفسها، وتسجيل حضور هذا الخطاب بلغة جديدة في مواقع التواصل التي أصبحت مجتمعا موازيا للمجتمع الحقيقي".