لم يكن للقيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية استراتيجية واضحة تجاه قطاع غزة خلال السنوات القليلة الماضية، سوى بعض السياسات المتمثلة: باستمرار حالة الحصار، وتحقيق ما يسمى بالهدوء على الحدود الجنوبية بالاستناد إلى مراكمة "عنصر الردع" الذي تحقق من خلال الحروب الثلاث السابقة، والتهديد بتوظيف القوة العسكرية الهائلة في قطاع غزة في حال تآكل الردع وتجرّؤ فصائل المقاومة على جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتجلت السياسة الإسرائيلية تجاه غزة بأوضح صورها في تصريح وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأن سياسة إسرائيل "تقتضي إبقاء غزة تحت الضغط المتواصل"، و"إسرائيل معنية بإبقاء رؤوس الفلسطينيين في غزة فوق الماء فقط؛ لعدم غرقهم"، وأن أي نظر في الحالة الإنسانية في القطاع مرتبط بشكل أساسي بالكشف عن مصير المفقودين والجنود خلال حرب 2014 وعودتهم.
تغيرت الأوضاع في قطاع غزة بالنسبة للاحتلال بعد انطلاق مسيرات العودة كتعبير عن رفض سياسة التجويع والحصار بأسلوب سلمي حضاري، وهو ما أثار الرأي العام الدولي وأعاد القضية الفلسطينية إلى الأجندة الدولية، ثم جاءت الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، وهي رغم بساطتها إلا أنها شكلت ضغطاً نفسياً هائلاً على سكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة.
وكان من الواضح الارتباك الإسرائيلي في التعامل مع الطارئ الجديد وصعوبة التأقلم مع ظاهرة الحرائق في المناطق المحتلة المحيطة بقطاع غزة، رغم أنها لم تشكل خطراً جدياً على المستوطنين.
وحتى الآن تتطلع القيادة السياسية في الكيان إلى فرض تهدئة وإنهاء مسيرات العودة والطائرات الورقية الحارقة، ولكن مع إبقاء حالة الحصار مع بعض التخفيف الرمزي، أي العودة إلى أوضاع ما قبل آذار/مارس 2018، ودون دفع أي أثمان سياسية ولو شكلية. ويرجع هذا الارتباك الإسرائيلي وغياب الاستراتيجية الواضحة إلى أسباب داخلية بحتة ليست بالضرورة لعوامل لها علاقة بمصلحة قومية عليا أو لمهددات وتحديات خارجية:
الأول يتعلق بحسابات داخلية بين أحزاب اليمين واليمين المتطرف الصهيوني، والمنافسة على أصوات اليمين بين رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت الذي يمثل المستوطنين واليمين المتطرف الصهيوني وأقطاب حزبه، وبين رئيس حزب الليكود ورئيس الوزراء نتنياهو، وأيضاً بين أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، وشكَّل قطاع غزة مادة ثرية للمزايدات السياسية وللتوظيف الحزبي الداخلي وإبراز المواقف المتطرفة والأشد تطرفاً، والتي تتراوح بين شن عدوان عسكري كبير وتوجيه ضربة عسكرية لفصائل المقاومة، وإعادة احتلال قطاع غزة لتصفية المقاومة واقتلاعها من جذورها.
والثاني يتعلق برئيس الوزراء نتنياهو الذي يوصف بأنه شخصية مترددة، ويخشى القرارات الكبيرة، ويتابع باستمرار استطلاعات الرأي والمزاج العام، والكيفية التي تتعاطي معه ومع سياساته، ووسائل الإعلام، وهو ليس متأكداً من تداعيات أي حرب قادمة على حظوظه في الانتخابات القادمة العام 2019، والتي قد يتم تبكيرها إلى الربع الأول من نفس العام.
بدورها، وسائل الاعلام الإسرائيلية ترى في وظيفتها مراقبة السلطة التنفيذية وليس تأييد قراراتها، والتركيز على إخفاقاتها وتوجيه الانتقادات لها، وهذا لا يعني حيادية وسائل الاعلام بالكامل، فبعضها يمثل بطريقة أو بأخرى أحزاباً في السلطة أو المعارضة، وخلال أحداث غزة وجهت وسائل الإعلام الإسرائيلية انتقادات إلى نتنياهو واتهمته والمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية بالتردد والجبن وترك المستوطنين حول قطاع غزة لمصيرهم المجهول.
واستغلت المعارضة وكما هو معتاد في السياسة الداخلية الإسرائيلية أحداث غزة للمزايدة على الائتلاف الحاكم خاصة من زعيم المعارضة ورئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، ومن رئيس "المعسكر الصهيوني" آفي غباي، حيث اتهموا نتنياهو بـ"الخضوع للإرهاب"، وبالتخلي عن سكان المستوطنات في الجنوب.
وتبقى كلمة الفصل في قرارات السلم والحرب في إسرائيل بيد المؤسسة الأمنية ممثلة بالجيش والاستخبارات التابعة له، وجهازي المخابرات الداخلي "الشاباك" والخارجي "الموساد"، ولم يخرج جيش الاحتلال في حرب ضد القطاع إلا بعد موافقة المؤسسة الأمنية، وتبدى موقف المؤسسة الأمنية خلال الشهور الماضية في عدم تفضيل الخيار العسكري مع القطاع في المرحلة الحالية لاعتبارات ميدانية تتعلق بالجدار الأرضي الذي من المفترض الانتهاء من تشييده نهاية عام 2019، وبالتالي القضاء نهائياً على الخطر الكامن في سلاح الأنفاق الاستراتيجي للمقاومة في القطاع، وتحديات عسكرية أكثر إلحاحاً على الحدود الشمالية.
وخلال مداولات المجلس الوزاري المصغر الأخيرة حول التهدئة وقرار الحرب من عدمه، كان هناك شبه إجماع على أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تسير نحو الأسوأ والتي في النهاية ستقود إلى حرب قد تكون مدمرة لا يرغب بها أحد، ولم يخطط لقرارها مسبقاً، غير أن نتنياهو فضل أسلوب بقاء الوضع على حاله، وإدارة الأزمة، وعدم القيام بأي مبادرة استراتيجية سريعة، متأثراً بطلبات وزير الأمن ليبرمان ووزير التعليم نفتالي بينيت بربط أي زحزحة في موضوع الحالة الإنسانية في القطاع بموضوع الكشف عن مصير الجنود المفقودين منذ الحرب السابقة، والموضوع الشائك والأكثر صعوبة وتعقيدًا سلاح المقاومة في القطاع، والذي يعتبر من خطوط المقاومة الحمراء.
وتجلت السياسة الإسرائيلية تجاه غزة بأوضح صورها في تصريح وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأن سياسة إسرائيل "تقتضي إبقاء غزة تحت الضغط المتواصل"، و"إسرائيل معنية بإبقاء رؤوس الفلسطينيين في غزة فوق الماء فقط؛ لعدم غرقهم"، وأن أي نظر في الحالة الإنسانية في القطاع مرتبط بشكل أساسي بالكشف عن مصير المفقودين والجنود خلال حرب 2014 وعودتهم.
تغيرت الأوضاع في قطاع غزة بالنسبة للاحتلال بعد انطلاق مسيرات العودة كتعبير عن رفض سياسة التجويع والحصار بأسلوب سلمي حضاري، وهو ما أثار الرأي العام الدولي وأعاد القضية الفلسطينية إلى الأجندة الدولية، ثم جاءت الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، وهي رغم بساطتها إلا أنها شكلت ضغطاً نفسياً هائلاً على سكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة.
وكان من الواضح الارتباك الإسرائيلي في التعامل مع الطارئ الجديد وصعوبة التأقلم مع ظاهرة الحرائق في المناطق المحتلة المحيطة بقطاع غزة، رغم أنها لم تشكل خطراً جدياً على المستوطنين.
وحتى الآن تتطلع القيادة السياسية في الكيان إلى فرض تهدئة وإنهاء مسيرات العودة والطائرات الورقية الحارقة، ولكن مع إبقاء حالة الحصار مع بعض التخفيف الرمزي، أي العودة إلى أوضاع ما قبل آذار/مارس 2018، ودون دفع أي أثمان سياسية ولو شكلية. ويرجع هذا الارتباك الإسرائيلي وغياب الاستراتيجية الواضحة إلى أسباب داخلية بحتة ليست بالضرورة لعوامل لها علاقة بمصلحة قومية عليا أو لمهددات وتحديات خارجية:
الأول يتعلق بحسابات داخلية بين أحزاب اليمين واليمين المتطرف الصهيوني، والمنافسة على أصوات اليمين بين رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت الذي يمثل المستوطنين واليمين المتطرف الصهيوني وأقطاب حزبه، وبين رئيس حزب الليكود ورئيس الوزراء نتنياهو، وأيضاً بين أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، وشكَّل قطاع غزة مادة ثرية للمزايدات السياسية وللتوظيف الحزبي الداخلي وإبراز المواقف المتطرفة والأشد تطرفاً، والتي تتراوح بين شن عدوان عسكري كبير وتوجيه ضربة عسكرية لفصائل المقاومة، وإعادة احتلال قطاع غزة لتصفية المقاومة واقتلاعها من جذورها.
والثاني يتعلق برئيس الوزراء نتنياهو الذي يوصف بأنه شخصية مترددة، ويخشى القرارات الكبيرة، ويتابع باستمرار استطلاعات الرأي والمزاج العام، والكيفية التي تتعاطي معه ومع سياساته، ووسائل الإعلام، وهو ليس متأكداً من تداعيات أي حرب قادمة على حظوظه في الانتخابات القادمة العام 2019، والتي قد يتم تبكيرها إلى الربع الأول من نفس العام.
بدورها، وسائل الاعلام الإسرائيلية ترى في وظيفتها مراقبة السلطة التنفيذية وليس تأييد قراراتها، والتركيز على إخفاقاتها وتوجيه الانتقادات لها، وهذا لا يعني حيادية وسائل الاعلام بالكامل، فبعضها يمثل بطريقة أو بأخرى أحزاباً في السلطة أو المعارضة، وخلال أحداث غزة وجهت وسائل الإعلام الإسرائيلية انتقادات إلى نتنياهو واتهمته والمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية بالتردد والجبن وترك المستوطنين حول قطاع غزة لمصيرهم المجهول.
واستغلت المعارضة وكما هو معتاد في السياسة الداخلية الإسرائيلية أحداث غزة للمزايدة على الائتلاف الحاكم خاصة من زعيم المعارضة ورئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، ومن رئيس "المعسكر الصهيوني" آفي غباي، حيث اتهموا نتنياهو بـ"الخضوع للإرهاب"، وبالتخلي عن سكان المستوطنات في الجنوب.
وتبقى كلمة الفصل في قرارات السلم والحرب في إسرائيل بيد المؤسسة الأمنية ممثلة بالجيش والاستخبارات التابعة له، وجهازي المخابرات الداخلي "الشاباك" والخارجي "الموساد"، ولم يخرج جيش الاحتلال في حرب ضد القطاع إلا بعد موافقة المؤسسة الأمنية، وتبدى موقف المؤسسة الأمنية خلال الشهور الماضية في عدم تفضيل الخيار العسكري مع القطاع في المرحلة الحالية لاعتبارات ميدانية تتعلق بالجدار الأرضي الذي من المفترض الانتهاء من تشييده نهاية عام 2019، وبالتالي القضاء نهائياً على الخطر الكامن في سلاح الأنفاق الاستراتيجي للمقاومة في القطاع، وتحديات عسكرية أكثر إلحاحاً على الحدود الشمالية.
وخلال مداولات المجلس الوزاري المصغر الأخيرة حول التهدئة وقرار الحرب من عدمه، كان هناك شبه إجماع على أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تسير نحو الأسوأ والتي في النهاية ستقود إلى حرب قد تكون مدمرة لا يرغب بها أحد، ولم يخطط لقرارها مسبقاً، غير أن نتنياهو فضل أسلوب بقاء الوضع على حاله، وإدارة الأزمة، وعدم القيام بأي مبادرة استراتيجية سريعة، متأثراً بطلبات وزير الأمن ليبرمان ووزير التعليم نفتالي بينيت بربط أي زحزحة في موضوع الحالة الإنسانية في القطاع بموضوع الكشف عن مصير الجنود المفقودين منذ الحرب السابقة، والموضوع الشائك والأكثر صعوبة وتعقيدًا سلاح المقاومة في القطاع، والذي يعتبر من خطوط المقاومة الحمراء.