تمضي واشنطن قدمًا في تنفيذ مشروعها الموسوم بصفقة القرن مغلفة إياها بالسلام الاقتصادي، وهي منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة وإعلانه عن صفقة القرن وتبنيه خطط السلام الاقتصادي لم تتوقف عن إرسال الخبراء والسياسيين والسفراء في بعثات مكوكية إلى منطقة الشرق الأوسط وعدد من دول العالم المختلفة لجس النبض واستطلاع المواقف وتجنيد المناصرين لدعم سياستها الجديدة، ورغم أنه حتى اللحظة لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن فحوى تفاصيل الصفقة رسميا، إلا أن مراميها وخطوطها العريضة واضحة وبائنة بشكل لا ضبابية فيه، فهي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية وفق رؤية جديدة عنوانها التنمية الاقتصادية والإنسانية ولا تشمل تلك الرؤية إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية، ولا عودة ولا تعويض للاجئين ولا حتى تحقيق لأدنى الحقوق السياسية الفلسطينية المشروعة بالإجماع الأممي والقانون الدولي، هذا على الجانب الفلسطيني، أما ما يتعلق منها بالعلاقات العربية الإسرائيلية فتسعى السياسة الأميركية الجديدة إلى توفير مرقد مريح لدولة الاحتلال الإسرائيلي تحت ضوء الشمس في معظم العواصم العربية إن لم يكن كلها، وتشريع التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين إسرائيل والأنظمة العربية، وفتح باب التطبيع بكافة مجالاته وأشكاله على مصراعيه مع دولة الاحتلال، على قاعدة المصالح المشتركة والتعاون ضد ما يسمى التهديد الإيراني من دون إنجاز شيء من الحقوق الفلسطينية التي وضعت كشرط للسلام مع إسرائيل في مبادرة السلام العربية، ويمكن اعتبار ذلك أنه من أشد المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية حيث لا شيء أكثر إضرارًا بها من رفع الدعم العربي عنها وفصلها عن عمقها العربي والإسلامي، وقد كشف مؤتمر وارسو للسلام الاقتصادي الكثير من سوءة العرب وقدم أيضًا الكثير لإسرائيل، ويمكن اعتبار المؤتمر مقدمة افتتاحية لتنفيذ صفقة القرن تحت غطاء الاقتصاد والصفقات التنموية والإنسانية.
يدرك الفلسطينيون بالطبع مدى الخطر الذي يحدق بقضيتهم ويدركون مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بحقوقهم وثوابتهم في حال نجحت واشنطن في تحويل مسار السلام من السياسي إلى الاقتصادي، لكنهم ومع ذلك لم يتجهزوا بما يكفي من التدابير اللازمة لحماية قضيتهم ولم يأخذوا بما يجب عليهم الأخذ به لصد الهجمة والتخفيف من آثارها، فالحديث الدائر والوقائع الجارية تدلل على أن القضية الفلسطينية تواجه خطرًا حقيقيًا على وجودها واستهدافًا مباشرًا لأركانها الأساسية ومحاولات متقدمة لإسقاط الحقوق الفلسطينية وشطبها من أجندة الصراع، وليس مجرد مضايقات يمكن أن تنجلي ولا منعطفات يمكن تجاوزها، مما يعني ضياع الأرض والمقدسات وذهاب التضحيات والدماء والآهات والعذابات الفلسطينية هدرًا وبلا ثمن.
لم يتزحزح الموقف الفلسطيني عن مربع الرفض والتنديد إلى مربع الفعل السياسي المؤثر والمجدي لإفشال المخططات الأميركية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ضعف الطرف الفلسطيني وقلة الوسائل المتاحة وضيق المساحة التي يمكن له المناورة فيها، سواء على مستوى السلطة الوطنية الفلسطينية أو منظمة التحرير والأحزاب والتنظيمات الفلسطينية المختلفة، وضرورة أن تكون الإجراءات الفلسطينية مستطاعة وتستميل شعوب العالم وتتماشى مع روح القوانين الدولية إذ إن الكثير من الإجراءات يمكن أن تفشل لعدم واقعيتها ولمثاليتها العالية أو استحالة تنفيذها، فليس مطلوبًا من الفلسطينيين صناعة المعجزات إنما إدامة المحاولة بلا يأس وطرق كل الأبواب ودق كل الجدران بقوة وعزيمة، وأن يحسنوا استخدام كل وسيلة متوفرة وتسخيرها لتصب في صالحهم ابتداءً من الجهود الدبلوماسية والسياسية وليس انتهاءً بالفعاليات الشعبية والجماهيرية.
للمناورة السياسية والمراوغة واللعب على وتر الوقت في أمر كهذا دور مهم جدًا، وإن توفر للطرف الفلسطيني فرصة ذلك في ما يخص صفقة القرن أو السلام الاقتصادي على وجه العموم فليفعل وليحسن استغلالها لمصلحة قضيته، وهو بذلك يمكن أن يحقق الحد المعقول من الآمال والطموحات الفلسطينية أو أن يكسب على أقل الاحتمالات عامل الوقت ريثما تتغير الظروف أو تطرأ تغيرات على الواقع فيميل لناحية المصالح الفلسطينية أو يكبح جماح الهجمة ولو قليلًا كما حدث أعقاب قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مع ضرورة التحرك في كل الاتجاهات في وقت واحد لكسب الأصدقاء وحشد المتضامنين والمناصرين من دول العالم، خاصة تلك التي يمكن أن تناوئ الإرادة الأميركية وتتصدى لها عبر المنابر والبرلمانات السياسية الدبلوماسية، وإن كان من مأخذ في رفض السلطة الوطنية الفلسطينية لمشاريع السلام الأميركية لأنها لا تستجيب لحقوق الشعب الفلسطيني في الحدود الدنيا، قد وفّر لإسرائيل حجة وذريعة تكسب بها تعاطف المجتمع الدولي وتمكنها من التهام الأرض وتغير الوقائع والإمعان في التنكر للحقوق الفلسطينية، وتعزز من مضيها قدمًا في نسج العلاقات مع أطراف عربية وعالمية بذريعة أن الفلسطينيين يرفضون كل شيء ولا يرغبون في التقدم في مسيرة السلام، وكان من المفترض ألا تحدث القطيعة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة إنما أن تفرض نفسها عليها لتكون شريكًا في التخطيط للمرحلة المقبلة علها تنجح في اللعب على المتناقضات والاستفادة من التحالفات الإقليمية المتباينة بما يمكنها من اقتناص مصالحها من بين أنياب هذه التحالفات، بدلًا من تركها تخطط للفلسطينيين كما يحلو لها ويتوافق مع مصالحها، خصوصًا أن إمكانية الانسحاب متوفرة في أي وقت، ولن تعجز حينها السلطة عن إيجاد مبررات منطقية لذلك.
لا يمكن بحال من الأحوال أن يستطيع طرف فلسطيني مهما كانت قوته وعلاقاته ووزنه الإقليمي أن يتصدى المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية ولا أن يواجه الإرادة الإسرائيلية والأميركية منفردًا، ولن تتطوع دول العالم للتحالف معه ومناصرته لتحصيل حقوقه حتى إن أقروا بمشروعيتها وأحقيتها، وهذا يحتم على الفلسطينيين أن ينجزوا مصالحتهم الداخلية، وأن يجبر الكسر الحاصل في عنق الوطن، فقد أضر الانقسام بالفلسطينيين أكثر مما يمكن للقضية تحمله، وقدمهم لقمة سائغة للاحتلال الذي وجد في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية نقطة إيجابية لصالحه استغلها أفضل استغلال وعمل على ترسيخها وتعميقها حتى يصلا إلى الانفصال التام بينهما، فيستطيع حينها أن يتعامل مع كل منهما على انفراد وبشكل مستقل عن الآخر، وقد اهترأت الألسنة وذابت الأقلام وهي تكتب عن ضرورة إنهاء الانقسام واستعادة اللُحمة الوطنية الفلسطينية.
يجب في حال لم تفلح جهود المصالحة ولم يتم تحقيق التوافق، أن تُشكل القيادة الفلسطينية ائتلافا فلسطينيا يجمع تحت ظلاله الأحزاب الفلسطينية والهيئات والمؤسسات الوطنية والشخصيات الاعتبارية، يتجاوز الأجندات الحزبية والمصالح الفئوية وينطلق متسلحًا بشرعية منظمة التحرير كجهة يعترف بها العالم ويتعامل معها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وليس من الضروري وفقًا لذلك انضمامهم لها إنما الهدف هو تجاوز نقاط الاختلاف الداخلي والتوجه للعالم بفريق واحد ولسان واحد وخطة واحدة ينصهر الجميع في بوتقتها ويسخر لها طاقاته وإمكاناته ويدعمها بموارده وخبراته، وذلك انطلاقًا من الحرص على القضية الفلسطينية وحماية لها مما تتعرض له من هزات توشك أن تُسقط بنيانها.
إن أكبر مأخذ يمكن أن يسجل على الفلسطينيين أنهم لم يبلوروا مشروعًا فلسطينيًا للتسوية السلمية يراعي الحقوق الفلسطينية ويتوافق مع الرؤية الدولية وينسجم مع قواعد السلام العالمية، وعرضه على الدول المختلفة وتسويقه واجتذاب المناصرين له، ولو أنهم فعلوا ذلك وأحسنوا إخراجه وترويجه لكان الواقع الفلسطيني بالتأكيد في حال أفضل مما هو عليه ولتحول الفلسطينيون من موقف الدفاع السلبي عن الحقوق إلى الدفاع الإيجابي المقرون بمشروع ينافس المشاريع الخارجية.
يمكن للجاليات الفلسطينية والعربية في الغرب أن تؤدي دورًا مهمًا ورائدًا في إفشال وإعاقة خطط السلام الاقتصادي المضرة بالفلسطينيين وحقوقهم وذلك لمقدرتها على الاحتكاك المباشر بالجمهور الأوروبي والغربي وإمكانية تحريكه للضغط على حكوماته من خلال إقناعه بحقوق الشعب الفلسطيني وإفهامه ما يمارس ضد الفلسطينيين من قمع وإرهاب، ومن المتوقع أن يربك تحرك الشارع الغربي الحسابات الأميركية أكثر مما يربكه تحرك الشارع الفلسطيني والعربي في حال أُحسن إبراز ما نصت عليه الشرائع والمواثيق الدولية من حقوق للفلسطينيين تتجاهلها وتتجاوزها مبادرات السلام الاقتصادي وصفقة القرن، إذ أن المواطن الغربي أقدر على فهم القضايا من خلال القوانين والشرائع الدولية وتزداد دافعيته للمشاركة والضغط حينما يجد أن ما يدافع عنه يتعلق بمبادئه الديمقراطية.
وفي سياق المسارات الفلسطينية التي يجب سلوكها من أجل إحباط محاولات تمرير السلام الاقتصادي وإسقاط محاولات فرضه على أرض الواقع تبرز أهمية حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات الـ BDS، والتي أثبتت جدارتها في إزعاج كيان الاحتلال الإسرائيلي والتضييق عليه وتهديد مصالحه في الغرب والعالم الحر، وإن كانت إسرائيل تتضرر من شيء فإن على الفلسطينيين أن يأخذوا به وأن يدعموه ويعززوا من قوته حتى وإن كانت نتائجه ضعيفة أو بعيدة الأمد، ويتحتم على الفلسطينيين الانتباه وتدارك الأمر واستباق الهجمة على قضيتهم وحقوقهم، حتى لا تضيع وتشطب على حين غفلة منهم.
يدرك الفلسطينيون بالطبع مدى الخطر الذي يحدق بقضيتهم ويدركون مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بحقوقهم وثوابتهم في حال نجحت واشنطن في تحويل مسار السلام من السياسي إلى الاقتصادي، لكنهم ومع ذلك لم يتجهزوا بما يكفي من التدابير اللازمة لحماية قضيتهم ولم يأخذوا بما يجب عليهم الأخذ به لصد الهجمة والتخفيف من آثارها، فالحديث الدائر والوقائع الجارية تدلل على أن القضية الفلسطينية تواجه خطرًا حقيقيًا على وجودها واستهدافًا مباشرًا لأركانها الأساسية ومحاولات متقدمة لإسقاط الحقوق الفلسطينية وشطبها من أجندة الصراع، وليس مجرد مضايقات يمكن أن تنجلي ولا منعطفات يمكن تجاوزها، مما يعني ضياع الأرض والمقدسات وذهاب التضحيات والدماء والآهات والعذابات الفلسطينية هدرًا وبلا ثمن.
لم يتزحزح الموقف الفلسطيني عن مربع الرفض والتنديد إلى مربع الفعل السياسي المؤثر والمجدي لإفشال المخططات الأميركية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ضعف الطرف الفلسطيني وقلة الوسائل المتاحة وضيق المساحة التي يمكن له المناورة فيها، سواء على مستوى السلطة الوطنية الفلسطينية أو منظمة التحرير والأحزاب والتنظيمات الفلسطينية المختلفة، وضرورة أن تكون الإجراءات الفلسطينية مستطاعة وتستميل شعوب العالم وتتماشى مع روح القوانين الدولية إذ إن الكثير من الإجراءات يمكن أن تفشل لعدم واقعيتها ولمثاليتها العالية أو استحالة تنفيذها، فليس مطلوبًا من الفلسطينيين صناعة المعجزات إنما إدامة المحاولة بلا يأس وطرق كل الأبواب ودق كل الجدران بقوة وعزيمة، وأن يحسنوا استخدام كل وسيلة متوفرة وتسخيرها لتصب في صالحهم ابتداءً من الجهود الدبلوماسية والسياسية وليس انتهاءً بالفعاليات الشعبية والجماهيرية.
للمناورة السياسية والمراوغة واللعب على وتر الوقت في أمر كهذا دور مهم جدًا، وإن توفر للطرف الفلسطيني فرصة ذلك في ما يخص صفقة القرن أو السلام الاقتصادي على وجه العموم فليفعل وليحسن استغلالها لمصلحة قضيته، وهو بذلك يمكن أن يحقق الحد المعقول من الآمال والطموحات الفلسطينية أو أن يكسب على أقل الاحتمالات عامل الوقت ريثما تتغير الظروف أو تطرأ تغيرات على الواقع فيميل لناحية المصالح الفلسطينية أو يكبح جماح الهجمة ولو قليلًا كما حدث أعقاب قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مع ضرورة التحرك في كل الاتجاهات في وقت واحد لكسب الأصدقاء وحشد المتضامنين والمناصرين من دول العالم، خاصة تلك التي يمكن أن تناوئ الإرادة الأميركية وتتصدى لها عبر المنابر والبرلمانات السياسية الدبلوماسية، وإن كان من مأخذ في رفض السلطة الوطنية الفلسطينية لمشاريع السلام الأميركية لأنها لا تستجيب لحقوق الشعب الفلسطيني في الحدود الدنيا، قد وفّر لإسرائيل حجة وذريعة تكسب بها تعاطف المجتمع الدولي وتمكنها من التهام الأرض وتغير الوقائع والإمعان في التنكر للحقوق الفلسطينية، وتعزز من مضيها قدمًا في نسج العلاقات مع أطراف عربية وعالمية بذريعة أن الفلسطينيين يرفضون كل شيء ولا يرغبون في التقدم في مسيرة السلام، وكان من المفترض ألا تحدث القطيعة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة إنما أن تفرض نفسها عليها لتكون شريكًا في التخطيط للمرحلة المقبلة علها تنجح في اللعب على المتناقضات والاستفادة من التحالفات الإقليمية المتباينة بما يمكنها من اقتناص مصالحها من بين أنياب هذه التحالفات، بدلًا من تركها تخطط للفلسطينيين كما يحلو لها ويتوافق مع مصالحها، خصوصًا أن إمكانية الانسحاب متوفرة في أي وقت، ولن تعجز حينها السلطة عن إيجاد مبررات منطقية لذلك.
لا يمكن بحال من الأحوال أن يستطيع طرف فلسطيني مهما كانت قوته وعلاقاته ووزنه الإقليمي أن يتصدى المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية ولا أن يواجه الإرادة الإسرائيلية والأميركية منفردًا، ولن تتطوع دول العالم للتحالف معه ومناصرته لتحصيل حقوقه حتى إن أقروا بمشروعيتها وأحقيتها، وهذا يحتم على الفلسطينيين أن ينجزوا مصالحتهم الداخلية، وأن يجبر الكسر الحاصل في عنق الوطن، فقد أضر الانقسام بالفلسطينيين أكثر مما يمكن للقضية تحمله، وقدمهم لقمة سائغة للاحتلال الذي وجد في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية نقطة إيجابية لصالحه استغلها أفضل استغلال وعمل على ترسيخها وتعميقها حتى يصلا إلى الانفصال التام بينهما، فيستطيع حينها أن يتعامل مع كل منهما على انفراد وبشكل مستقل عن الآخر، وقد اهترأت الألسنة وذابت الأقلام وهي تكتب عن ضرورة إنهاء الانقسام واستعادة اللُحمة الوطنية الفلسطينية.
يجب في حال لم تفلح جهود المصالحة ولم يتم تحقيق التوافق، أن تُشكل القيادة الفلسطينية ائتلافا فلسطينيا يجمع تحت ظلاله الأحزاب الفلسطينية والهيئات والمؤسسات الوطنية والشخصيات الاعتبارية، يتجاوز الأجندات الحزبية والمصالح الفئوية وينطلق متسلحًا بشرعية منظمة التحرير كجهة يعترف بها العالم ويتعامل معها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وليس من الضروري وفقًا لذلك انضمامهم لها إنما الهدف هو تجاوز نقاط الاختلاف الداخلي والتوجه للعالم بفريق واحد ولسان واحد وخطة واحدة ينصهر الجميع في بوتقتها ويسخر لها طاقاته وإمكاناته ويدعمها بموارده وخبراته، وذلك انطلاقًا من الحرص على القضية الفلسطينية وحماية لها مما تتعرض له من هزات توشك أن تُسقط بنيانها.
إن أكبر مأخذ يمكن أن يسجل على الفلسطينيين أنهم لم يبلوروا مشروعًا فلسطينيًا للتسوية السلمية يراعي الحقوق الفلسطينية ويتوافق مع الرؤية الدولية وينسجم مع قواعد السلام العالمية، وعرضه على الدول المختلفة وتسويقه واجتذاب المناصرين له، ولو أنهم فعلوا ذلك وأحسنوا إخراجه وترويجه لكان الواقع الفلسطيني بالتأكيد في حال أفضل مما هو عليه ولتحول الفلسطينيون من موقف الدفاع السلبي عن الحقوق إلى الدفاع الإيجابي المقرون بمشروع ينافس المشاريع الخارجية.
يمكن للجاليات الفلسطينية والعربية في الغرب أن تؤدي دورًا مهمًا ورائدًا في إفشال وإعاقة خطط السلام الاقتصادي المضرة بالفلسطينيين وحقوقهم وذلك لمقدرتها على الاحتكاك المباشر بالجمهور الأوروبي والغربي وإمكانية تحريكه للضغط على حكوماته من خلال إقناعه بحقوق الشعب الفلسطيني وإفهامه ما يمارس ضد الفلسطينيين من قمع وإرهاب، ومن المتوقع أن يربك تحرك الشارع الغربي الحسابات الأميركية أكثر مما يربكه تحرك الشارع الفلسطيني والعربي في حال أُحسن إبراز ما نصت عليه الشرائع والمواثيق الدولية من حقوق للفلسطينيين تتجاهلها وتتجاوزها مبادرات السلام الاقتصادي وصفقة القرن، إذ أن المواطن الغربي أقدر على فهم القضايا من خلال القوانين والشرائع الدولية وتزداد دافعيته للمشاركة والضغط حينما يجد أن ما يدافع عنه يتعلق بمبادئه الديمقراطية.
وفي سياق المسارات الفلسطينية التي يجب سلوكها من أجل إحباط محاولات تمرير السلام الاقتصادي وإسقاط محاولات فرضه على أرض الواقع تبرز أهمية حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات الـ BDS، والتي أثبتت جدارتها في إزعاج كيان الاحتلال الإسرائيلي والتضييق عليه وتهديد مصالحه في الغرب والعالم الحر، وإن كانت إسرائيل تتضرر من شيء فإن على الفلسطينيين أن يأخذوا به وأن يدعموه ويعززوا من قوته حتى وإن كانت نتائجه ضعيفة أو بعيدة الأمد، ويتحتم على الفلسطينيين الانتباه وتدارك الأمر واستباق الهجمة على قضيتهم وحقوقهم، حتى لا تضيع وتشطب على حين غفلة منهم.