إذا كان تأهل قطر إلى نهائي كأس آسيا عادياً ومنتظراً باعتباره البلد المنظم وحامل اللقب، وتأهل نيجيريا إلى نهائي كأس أمم أفريقيا للمرة الثامنة أمراً منطقياً ومألوفا، فإن بلوغ نشامى الأردن وأفيال كوت ديفوار المباراة النهائية كان بمثابة الحدث الأكبر الذي بلغ درجة المعجزة، لأنه مفاجئ من طرف الأردنيين وغريب الأطوار للايفواريين.
فكل منهما شكل ملحمة على طريقته في بطولتين مثيرتين ومتميزتين عن سابقاتهما رغم خصوصية كل واحدة، كان عنصر المفاجأة قاسماً مشتركاً حتى في خروج الكبار بشكل مذهل، لكنه مستحق على غرار ما حدث لليابان وكوريا وإيران وأستراليا في آسيا، وما حدث للسنغال، المغرب، الجزائر، مصر، تونس، أيضاً غانا والكاميرون.
كان منتخب كوت ديفوار مرشحاً للمنافسة على اللقب قبل البطولة باعتباره البلد المنظم، كاد يخرج منها بعد الدور الأول بخسارتين وفوز واحد، فطرد مدربه ودخل دور خروج المغلوب بمساعده الذي كان جريئاً في خياراته، فظهر الفريق بوجه جديد وروح جديدة ومردود مختلف تماماً، وكأن الأمر يتعلق بمنتخب آخر، أخرج حامل اللقب السنغال في ثمن النهائي بركلات الترجيح، ثم مالي في ربع النهائي بشكل عجيب بعد أن قلب خسارته في الدقيقة التسعين الى تعادل ثم فوز في الوقت بدل الضائع من الوقت الاضافي، قبل أن يبلغ النهائي أمام جمهورية الكونغو، ويقلب تعاسة شعب غاضب في الدور الأول الى سعادة لا تكتمل إلا بالتتويج الثالث من 5 نهائيات بلغه منتخب كوت ديفوار في تاريخه.
مأمورية منتخب "الفيلة" لن تكون سهلة أمام نسور نيجيريا، الذين فازوا عليهم في الجولة الثانية من دور المجموعات، وبلغوا النهائي بجدارة بعد أن أطاحوا الكاميرون في ثمن النهائي، ثم أنغولا في ربع النهائي، وجنوب افريقيا بعد ذلك في أسوأ مباراة لعبها رفقاء أيوبي، لكن خبرتهم وثقافتهم الكروية في المسابقات الأفريقية سمحتا لهم ببلوغ النهائي للمرة الثامنة في التاريخ، بعد أن لعبوا نصف النهائي الـ16 من أصل 20 مشاركة في النهائيات، حققوا فيها 3 بطولات كان آخرها قبل 10 سنوات في جنوب أفريقيا على حساب بوركينا فاسو، في انتظار اللقب الرابع الذي يبقى وارداً وممكناً، ويكون جميلاً في حال تحقق أمام منتخب البلد المنظم.
في الجهة المقابلة للقارة السمراء، سيكون منتخب الأردن على موعد آخر مع استكمال كتابة آخر أسطر تاريخ كروي جديد قاده إلى نهائي كأس آسيا بشكل مفاجئ، لكن بجدارة واستحقاق، بعد أن أزاح من طريقه المنتخب الكوري في نصف النهائي، ولعب قبلها مبارياته بروح عالية وإرادة قوية خاصة أمام العراق في ثمن النهائي، وطريقة فنية وتكتيكية لافتة للانتباه، بفضل جيل جديد من اللاعبين ومدرب محترم، عانوا من انتقادات لاذعة في الأوساط الإعلامية والجماهيرية قبل البطولة، إذ خسروا 6 من أصل 8 مباريات تحضيرية، من دون أن يخسروا تركيزهم وثقتهم بقدراتهم التي قد تقودهم الى تحقيق أكبر مفاجأة في تاريخ بطولة كأس أمم آسيا عبر التاريخ.
في مواجهة قطر في النهائي العربي الثالث في تاريخ البطولة، لن تكون مأمورية المنتخب الأردني سهلة أمام منتخب شهد مستواه منحنى تصاعدياً مع مرور المباريات، ولعب بروح عالية هو أيضاً بقيادة المخضرم وهداف الفريق أكرم عفيف وحارسه البارع مشعل برشم، وحنكة مدرب الغرافة "المؤقت" للمنتخب العنابي، الذي تمكن في ظرف 5 أسابيع منذ تعيينه من تحفيز لاعبيه وإيجاد التركيبة التي سمحت له ببلوغ نهائي لم يكن يتصوره أكبر المتفائلين، خاصة عند مواجهة المرشح الأول للفوز بالبطولة منتخب ايران في نصف النهائي، لكن الرغبة في تعويض ما فاتهم في مونديال قطر 2022 كانت واضحة على اللاعبين الذين استمتعوا ومتعوا، فبلغوا مبتغاهم بالوصول الى النهائي، ولما لا؟ الحفاظ على تاجهم القاري.
فوز الأردن اليوم وكوت ديفوار غداً باللقبين القاريين سيكون تحصيل حاصل، وخسارتهما أو خسارة أحدهما لن تكون إخفاقاً ولا خسارة بعد أن نجحا في بلوغ النهائي في أصعب الظروف، وفازا باحترام عشاق الكرة على مهارات لاعبيهما وجهدهم وروحهم العالية، أما تتويج قطر ونيجيريا أو أحدهما فلن يكون مفاجئاً بل مستحقاً وملهماً لعشاق الكرة وممارسيها، الذين يدركون اليوم أن الروح تصنع الفارق في الكرة الحديثة بالموازاة مع الجهد والتوظيف الجيد للقدرات من المدربين، حتى ولو كانوا مغمورين.