شهد الدوري الصيني المُمتاز لكرة القدم، حالة من الاضطراب الشديد خلال الفترة الماضية، بعدما أعلنت الشركة المالكة لنادي جيانغسو إف سي، بطل المسابقة المحلية، بأنها ستعلق جميع نشاطاتها الرياضية، بسبب المشاكل المالية التي جعلتها تتلقى ضربة قاصمة، نتيجة الاستثمارات الضخمة خلال السنوات الـ5 الماضية في القارة الأوروبية.
وأصدرت شركة "سونينغ" المالكة لناديي جيانغسو إف سي، وإنتر ميلانو الإيطالي بياناً في الأسبوع الماضي، قدمت فيه اعتذارها لجميع الجماهير الرياضية، نتيجة القرار المُتخذ بوقف النشاط الرياضي بشكل كامل، للفريق الصيني بشقيه النسائي والرجالي.
لكن كيف انهارت إمبراطورية شركة "سونينغ" المالكة لنادي جيانغسو إف سي الصيني، التي استطاعت هزيمة ليفربول في سوق الانتقالات، بعدما خطفت النجم البرازيلي، أليكس تيكسيرا، من شاختار دونيستك الأوكراني، مُقابل 26 مليون جنيه إسترليني، وكانت على أعتاب القيام بصفقة عملاقة مع الويلزي غاريث بيل من ريال مدريد في صيف 2019.
وحاولت شركة "سونينغ" طوال العام الماضي، الحصول على استثمارات خارجية، من أجل المساعدة في استمرار عمل نادي جيانغسو إف سي، لكنهم لم يستطيعوا إيجاد أحد قادر على القيام، بالاستحواذ على بطل الدوري الصيني الممتاز لكرة القدم، ما جعلها تقوم بإغلاق القسم الرياضي بأكمله، بحسب ما ذكرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
ويعود سبب فشل شركة "سونينغ"، بنيل ثقة المستثمرين الكبار، لعدة عوامل رئيسية، منها أزمة فيروس كورونا، الذي ضرب مفاصل الاقتصاد العالمي بقوة، وأعطى نتيجة سلبية على رؤوس الأموال لكبار الشركات العالمية، العاملة في مجال الرياضة، بالإضافة إلى عدم اهتمام الحكومة الصينية بكرة القدم.
صحيح أن شركة "سونينغ" تمتلك نادي إنتر ميلانو، وقامت الإدارة بتوجيه رسائل الاطمئنان إلى جميع الجماهير الرياضية، بأن ما حدث في الصين مع فريق جيانغسو إف سي، لن يتكرر في إيطاليا، لكن هناك علامات تحذيرية ظهرت في الفترة الماضية، تشير إلى أن مُتصدر "الكالتشيو" يُعاني من أزمة مالية.
وتعمل الشركة الصينية على إيجاد استثمار خارجي، يُنقذ نادي إنتر ميلانو الإيطالي، لكنهم يواجهون عدم الاهتمام الكامل، لكن الأمر لا يقتصر على "سونينغ" وحدها، بل العديد من الشركات الصينية التي تُعاني في القارة الأوروبية.
ويعود سبب معاناة الشركات الصينية، المالكة للأندية الرياضية، بسبب قيام الحكومة بتغيير موقفها تجاه كرة القدم، وطريقة إنفاق الأموال سواء على نجومها أو في أسواق الانتقالات. لذلك لم يكن نادي جيانغسو إف سي أول من يُعلن إيقاف نشاطه الكامل، بعدما سبقه في مايو/آذار الماضي، تيانجين غوانجيان، عقب إعلان الشركة المالكة لإفلاسه، بالرغم من ضمه لعدد من كبار مشاهير "الساحرة المستديرة".
ويتوقع الخُبراء في المال والأعمال، أن الشركة المالكة لنادي تيانجين تايغر، ستعلن إفلاسها في العام الحالي، وإغلاق قسمها الرياضي بشكل نهائي، وبخاصة أن الجميع متخوف من العقوبات القارية، نتيجة قيام الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بحظر فريق شاندونغ ليونينغ، من خوض منافسات دوري الأبطال، نتيجة الديون المالية التي لم يقم بدفعها.
ونتيجة للأزمة المالية التي تواجه إدارات الأندية، قام الاتحاد الصيني لكرة القدم، بتمديد الموعد النهائي للفرق، من أجل دفع أجور اللاعبين لموسم 2020، مع استبعاد 11 فريقاً من الدوريات الاحترافية بالبلاد في الموسم الماضي، فيما انسحب خمسة آخرون من تلقاء أنفسهم.
ويظهر بوضوح لجميع الجماهير، أن سنوات الإفراط في الإنفاق المالي على إغراء الأسماء الكبيرة في القارة الأوروبية وأميركا الجنوبية، قد انتهت في الدوري الصيني الممتاز، وبخاصة أن لاعباً مثل الأرجنتيني كارلوس تيفيز، كان يحصل على 34 مليون جنيه إسترليني سنوياً، بعدما وافق على الانضمام إلى نادي شنغهاي شينوا، وهو أحد الأمثلة الرئيسية على البذخ وتفاخر الفرق الصينية حينها، بكيفية صرف أموالها.
ووصل حجم البذخ المالي إلى ذروته في عام 2017، عندما كان 6 من أكثر 10 لاعبين في العالم يتقاضون أجورهم في الدوري الصيني الممتاز، وعلى رأسهم البرازيلي هالك، ومواطنه أوسكار، والعاجي جيرفينو، والبلجيكي أكسيل فيتسل، والأرجنتيني إزيكييل لافيتزي.
وبعد تلك السنة، نفد صبر الحكومة الصينية مع اعتماد الأندية على الأموال النقدية من أصحابها، وعدم وجود محاولة حقيقية لتنمية اللعبة الشعبية الأولى في العالم بمناطقهم المحلية والتعامل مع قواعد المعجبين، لتفرض بعدها قرارات منعت الشركات المالكة للفرق، من وضع علاماتها التجارية على الأندية، ما شكل ضربة موجعة للغاية.
ونتيجة لقرارات الحكومة الصينية، تراجع الحضور الجماهيري في موسم 2019، الذي تأثر أيضاً بموجة فيروس كورونا، ليصبح عدد الجماهير التي تحضر المباراة الواحدة 2634 شخصاً فقط، ما أثار هلع الشركات المالكة للأندية، وتخوفوا على فقدان رؤوس أموالهم.
ودفعت القرارات الحكومية الشركات إلى الانسحاب من كرة القدم، لتؤثر بدورها على النجوم المحترفين، الذين حزموا حقائبهم وغادروا الدوري المحلي، مثل كارلوس تيفيز، الذي تخلى عن عقده الضخم وعاد إلى بوكا جونيورز الأرجنتيني، فيما انتقال أكسيل فيستل إلى بوروسيا دورتموند الألماني.
أما المدرب الإسباني رافاييل بينيتيز، فقضى 18 شهراً فقط، من عقده الموقع مع إدارة نادي داليان يفانغ لمدة 3 سنوات، ليترك بعدها النجم الفنزويلي سالومون روندون الفريق، نتيجة تضييق الحكومة الصينية على الإدارات بشكل كبير، التي علمت أن كرة القدم لم تعد كما كانت.
وانتهت سنوات الصرف المالي ببذخ، وأصبح نجوم كرة القدم، الذين رحلوا إلى الدوري الصيني الممتاز، يعملون على إيجاد مخرج سريع، حتى يواصلوا مسيرتهم الاحترافية، وعلى رأسهم البرازيلي أوسكار، الذي يريد مواصلة اللعب، في حين يطالب البقية الحصول على باقي مستحقاتهم المالية كما نصت عقودهم، رغم إعلان الشركات إفلاسها أو إغلاق الأقسام الرياضية بشكل نهائي.