إنها النار تحت الرماد، هكذا كانت مسيرة برشلونة برفقة الإدارة الحالية، سواء في الموسم الماضي أو الحالي، مع المدير الفني السابق، تاتا مارتينو، والمدرب الحالي لويس إنريكي. يفوز الفريق في مباريات عديدة لكنه يخسر في الأوقات الصعبة، نتيجة بعض الأمور الخاصة بقصور في تسيير النواحي الرياضية، أو كبر سن بعض النجوم وانخفاض مستواهم دون دعم حقيقي أو إعادة الهيكلة من جديد، وبالطبع الأخطاء الفنية حاضرة ويجب أن تُذكر، لذلك كان السقوط الكبير مسألة وقت، لا أكثر ولا أقل.
فيلم رعب
دعونا نعيد معاً هذه الأحداث، الأقرب إلى أفلام الرعب أو الدراما شديدة القتامة، والبداية مع ليلة 26 مارس/ آذار 2014 خلال مباراة برشلونة وسيلتا فيجو، الأمور تسير بهدوء حتى وقوع فالديس دون ملامسة من أحد، ليخرج من الملعب ويتم الإعلان عن إصابته بالرباط الصليبي. وقبل أن يفيق الجميع من واقع الخبر المؤلم، يعاجل "فيفا" بالضربة الثانية الخاصة بإيقاف برشلونة عن التعاقدات لفترة تصل إلى 2016 نتيجة خلل ومشاكل في عملية قيد وشراء الناشئين الصغار.
ويتحول شهر أبريل/ نيسان إلى كذبة حقيقية بالنسبة للأحمر والأزرق، لتستمر السقطات ويخرج الفريق من ربع نهائي دوري الأبطال أمام أتليتكو مدريد، لأول مرة منذ عام 2007، وفي منتصف الشهر الأسود نفسه، يخسر الفريق نهائي الكأس بطريقة غريبة أمام الغريم ريال مدريد في اللحظات الأخيرة من عمر المباراة، لتنتهي المأساة بالفاجعة الأكبر، موت تيتو فيلانوفا، في 25 أبريل، وكأن المصائب لا تأتي فرادى.
محاولة التغيير
جاء تاتا مارتينو بأحلام اللعب المباشر والكرة السريعة، واصطدم بالواقع الصعب والخلل الإداري لفريق حصل على كل شيء ممكن، ولم تتم عملية إحلاله وتجديده رغم مرور 5 سنوات على بداية مشروعه، لذلك استمر حتى النهايات بخطة مختلفة وختام كارثي، ليرحل الأرجنتيني ويأتي عوضاً عنه الإسباني نجم النادي، لويس إنريكي.
وفكر الصياد جدياً في تغيير جزء مهم من استراتيجية اللعب، وطلب عدة أسماء بالترتيب، لويس سواريز، وجاء إلى البارسا، ثم راكيتتش وكوكي، ليأتي الكرواتي فقط، وأخيراً بن عطية وماركينهوس، فتعاقد المدير الرياضي مع المصاب فيرمايلين والبرازيلي المغمور دوجلاس.
وبالتالي أصبح اللعب بطريقة 3-4-1-2 ووجود ميسي كرقم 10 خلف المهاجم رقم 9 في الأمام أمر ليس بالسهل، وذلك بسبب عدم القدرة على اللعب بثلاثي دفاعي صريح وجناح أقرب للـWing-Back، مع نقص عدد المدافعين، وتباين مستوى ألفيش، وبالطبع ضعف التحويلات لخط المنتصف، وصعوبة اللعب بضغط عالٍ طوال المباراة.
استمرار الأزمة
وتستمر المشاكل نفسها بدون أي حل، عدم وجود بديل حقيقي في الجانب الأيمن، نتيجة كبر سن داني ألفيش، وعدم اقتناع المدرب بالبديل مونتويا، وصعوبة دخول دوجلاس في الأجواء حتى الآن، ليصبح الحل المنطقي والطبيعي، التعاقد مع ظهير جديد أو جناح قادر على امتلاك الخط بمفرده خلال فترة الانتقالات الشتوية، أو في الميركاتو الصيفي كأقصى تقدير.
كذلك مشكلة المرتدات في الوسط بسبب الضعف اللياقي لتشافي هيرنانديز وظهور إنييستا بشكل سيئ هذا العام، لذلك كانت الأصوات تنادي باستقدام لاعب خط وسط إضافي، خصوصاً أن فابريجاس تم تعويضه براكيتتش، ولا يوجد أي بديل حقيقي للكابتن رقم 6، وكان الحل أيضاً في تعاقد جديد بعد مراقبة الإدارة الرياضية لأكثر من اسم وعلى رأسهم نجم أتليتكو مدريد، كوكي.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن كتالونيا، وأكدت المحكمة الرياضية العقوبة الموقعة على الفريق، ليتم حرمان البلاوجرانا من التعاقدات لمدة فترتين قادمتين، وبالتالي لا تعاقدات في يناير/ كانون الثاني الجاري، ولا صفقات في صيف 2015، الفترة الوحيدة التي ينتظرها كل أنصار النادي من أجل محاولة العودة إلى القمة من جديد.
الحلول الفنية
مع صعوبة إجراء أي تعاقدات، وكبر سن أكثر من اسم في التشكيلة الأساسية، فإن طريقة لعب 4-3-3 سيكون استمرارها أمراً أقرب إلى المستحيل، لأنها تحتاج إلى ألفيش النسخة القديمة، وعودة إنييستا إلى الوسط لشغل مركز تشافي واللعب كوسط صريح CM، مع إعطاء الحرية الكاملة لراكيتتش كلاعب وسط ثالث هجومي، وهذه الأفكار غير قابلة للنجاح بسبب انخفاض مستوى الثنائي ألفيش وإنييستا.
وفي حالة استعادة المستوى القوي، خصوصاً لإنييستا، فإن الفريق من الممكن أن يستمر في 4-3-3، لكن مع خروج ألفيش من الأساسي، والاعتماد على الجبهة اليسرى في الهجوم، مع ثبات لاعب رابع على اليمين، كمارك بارترا مثلاً، وبالتالي يقوم لوتشو بتحويل دفة الهجوم من اليمين إلى اليسار، لكن مع وجود سواريز أكثر على اليمين لعدم وجود ظهير هجومي على هذا الجانب.
أما الحل الآخر فالتحول فوراً إلى 3-4-1-2 على خطى مباراة باريس سان جيرمان بالأبطال، وميزة هذه الطريقة أنها تعطي غطاءً دفاعياً مميّزاً، ثلاثي صريح برفقة ثنائي آخر، أي خمسة بالخلف، وكذلك وجود ثنائي آخر بالوسط، لكن مع تقدم الأظهرة، يصبح الثنائي رباعي أي لاعبي وسط وثنائي من الأظهرة، ويمكن أن يكون خماسياً بعودة صانع الألعاب إلى الوسط، وبالتالي أنت تتحكم في أكبر قدر ممكن من الفراغات عن طريق التحركات دون ثبات.
وبالتالي التحول إلى ليبرو صريح بالخلف، ومعه ثنائي دفاعي على اليمين واليسار، مع ظهيرين على الأطراف، بيدرو مثلاً على اليمين وألبا على اليسار، أما العمق فيجب التسلح باثنين من الأربعة، (ماتشيرانو، بوسكيتس، راكيتتش، تشافي)، مع اللعب بثلاثة في الأمام من النجوم الكبار، (ميسي، إنييستا، سواريز، ونيمار).
النهاية الطبيعية
كل هذه التغييرات في سبيل حماية الثلاثي الهجومي، وتوفير حماية كاملة أثناء المرتدات، ولكن هل هي أقصى طموح ممكن، وهل الحل السحري يكمن في الأمور الفنية فقط؟ الإجابة بالطبع ستكون لا وألف لا، لأن البارسا يدفع ثمن أخطاء تراكمية منذ سنوات سابقة، والكل يتحدث عنها دون أي إجابات أو حلول حقيقية، لذلك لم يكن الخبر الأخير صادم بشكل محوري، بل نتيجة طبيعية لكل هذا اللغط المستمر.
في "أصداء السيرة الذاتية" لنجيب محفوظ، سئل الشيخ عبد ربه التائه، كيف تنتهي المحنة التي نعانيها؟ فأجاب، إن خرجنا سالمين فهي الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل. وإذا أعدت السؤال نفسه على أحد المشجعين القدامى للنادي الكاتلوني، ممّن فهموا القصة من البدايات وتوقعوا كل الفشل، سيقول بكل تأكيد، على طريقة الشيخ، إن خرج البارسا سالماً من كل هذا التخبّط، فهي الرحمة، وإن خرج هالكاً، كالمتوقع، فهو العدل، لا محالة!