عادت الملاعب الأوروبية للتنفس من جديد بعد "اختناق" أسبوع الفيفا، والذي يُحجم عنه الكثير من عشاق المستديرة في هذه الآونة، فالأندية باتت أوطاناً للمشجعين، بينما باتت المنتخبات تبحث عمّن يشاهدها.
الجولة الأوروبية شهدت العديد من المباريات المثيرة، والتي خرجنا منها بالكثير من الملاحظات الفنية والتكتيكية اخترتُ لكم منها ثلاثاً.
الطريقة المثالية لمواجهة 4/2/3/1
في كلاسيكو فرنسا، ربح الأثرياء وخسر أصحاب الميناء. رغم كل الأجواء التي صنعتها الجماهير المارسيلية أملاً في الانتصار على الفريق الأكثر تماسكاً في الدور الثاني من البطولة الفرنسية، إلا أن محاولاتهم باتت بالفشل.
رغم أن النتيجة كانت ضيقة وأن أهداف باريس سان جيرمان جاءت بتوفيق كبير، إلا أنه لم يصلني شعور بأن مارسيليا ندٌّ لباريس، بل كان أقرب لشعور فريق مُجتهد يبذل مجهوداً كبيراً لمجاراة فريق يعرف ماذا يريد.
السر كان في طريقة مثالية من جانب لوران بلان في مواجهة طريقة خليط بين الـ3/1/3/3 لمارسيلو بييلسا، وطريقة 4/2/3/1 التي خاض بها فترات كبيرة من المباراة.
باريس لم يدافع بطريقة 4/3/3 أو حتى بـ4/3/1/2 كما كان يهاجم، لكنه دافع بطريقة 4/5/1 بذهاب باستوري وكافاني إلى جانبي الملعب وإغلاق كافة الطرق لظهيري الجنب لمساندة الجناحين، توفين وأيو، اللذين قضى على خطورتهما تماماً ظهيرا باريس، بمساندة واضحة من فيراتي وماتويدي. لذلك كانت طريقة مثالية لإغلاق كافة المنافذ.
وكما قال الكاتب الصحافي، مايكل كوكس، فإن تقدم مارسيليا بالمقاييس التشويقية كان ممتعاً للمشاهد لأنهم لا يجيدون "غلق المتجر"، بينما كان تقدم باريس غير ممتع فهم يجيدون تماماً "غلق المتجر" حين يريدون.
كوكس أوضح نقطة هامة أيضاً ربما تجعل حديثي عن "الفريق المجتهد الذي يحاول مجاراة خصمه" وهي أن مارسيليا كان يدافع كثيراً بطريقة رجل لرجل لدرجة أنه لم يكن يظهر له تشكيل معين داخل الملعب، وأزيد عليه أن مثل هذا الدفاع قد صار قديماً جداً على الكرة الحديثة، التي بات عدم التقيد بالمراكز فيها أساس واضح في دستورها، ولم يعد الأمر يقتصر على من يعتمدون كرة هولندا الشاملة فلسفة لها.
جوارديولا مرن أخيراً
التجربة علمتنا أن بيب جوارديولا لا يحب الدفاع ولو وضعوا سكيناً على رقبته .. الرجل لا يشعر أن التراجع للخلف فكرة واردة في أية لحظة من اللحظات.
لكنه في لقاء دورتموند برهن على أن تلك الفكرة واردة في بعض الأحيان، خصوصاً عندما تفتقد أهم أسلحتك الهجومية المتمثلة في آرين روبين وفرانك ريبيري، وعندما يكون مطلوباً من شفاينشتايجر القيام بأدوار هجومية، كالتي يحاول بيب توكيلها إليها بدون جدوى.
بايرن ميونخ لم يكن مميزاً هجومياً أبداً، وبدا غير قادر على خلق خطورة مستمرة خصوصاً مع خطة 3/5/2 المتحفظة كثيراً والتي لعب بها.
لكن مباراة دورتموند كشفت عمّا يمكن أن يقدمه بيب جوارديولا دفاعياً، ولم نعد نستبعد سيناريوهات دفاعية يخوض بها بعض مواجهاته في دوري الأبطال ضد فرق تعاني أمام المنافسين المتحفظين. بايرن لم يتراجع لمنطقة جزائه لكنه أيضاً لم يلعب على الضغط العالي، بل لعب بدفاع من منتصف الملعب كان من الصعب كسر خطه الأوسط المكون من 5 لاعبين. ربما يكون هذا الحل للبايرن ليمضي طويلاً في المسابقة، ففتح المساحات على الأطراف لم يعد متوافراً في غياب نجميه الهولندي والفرنسي.
برشلونة المعزول
يقدم البرسا نتائج مميزة في الآونة الأخيرة في البطولة المحلية، لكن الفترة الأخيرة أيضاً دللت على أن البرسا لم يعد يلعب ككتلة واحدة، بل أقرب لفريق الخطوط أكثر.
في برشلونة يعولون كثيراً على ليونيل ميسي ليقوم بالربط بين الخطوط ويسانده في ذلك إيفان راكيتيتش، لكن مع عدم لعب الأخير وإصابة ميسي التي ظهر تأثره بها، شاهدنا أداءً باهتاً للكتلان في مواجهة خصم لا يعترف بالدفاع لكنه أكثر ذكاءً وقوة من فكرة الهجوم بلا تفكير كما يحاول باكو خيمنيث فعل ذلك في كل مرة يواجه فيها برشلونة بفريقه رايو فاييكانو.
سيلتا فيجو فريق يجيد الهجوم عبر الأطراف بتواجد جناح صريح هو أوريانا، وصانع لعب على طريقة رونالدينيو هو نوليتو، يقوم ببدء الهجمة من اليسار ويثير الحيرة في منافسيه باختياراته المتعددة بالدخول للعمق أو إكمال المشوار على الطرف، لكن هذه ليست كل الحكاية.
ورغم المطالبة الدائمة بتواجد ميسي على الخط لإفساح المجال لاستفادة أكبر من سواريز، وهروب ميسي من الرقابة (كنت واحداً من المطالبين بذلك وظهرت نتائجها الجيدة في الهجوم)، إلا أنه ظهرت مشكلة جديدة ناتجة عن عدم وجود ليونيل ميسي في قلب الملعب، وهي التي تتمثل في أن ميسي كان يُعرف دائماً بـ "خط الدفاع الأول" لبرشلونة، فقد كان يتراجع دائماً مع لاعب وسط المنافس، الذي يقوم بصناعة اللعب ويضغط عليه بشكل مستمر.
ويبدو أن لويس سواريز ليس بتلك الكفاءة نفسها في هذا الصدد، لذلك كان المجال متاحاً جداً لمايكل كرون ديلي في صناعة اللعب بأريحية وإرسال الكرات الطولية على الأطراف ليختصر من مهمة أوريانا ونوليتو كثيراً، بدلاً من إرهاقهما بمراوغات متعبة قبل الوصول للمناطق المهمة من الملعب.
المثير هو أنه في الوقت الذي قلت فيه كفاءة وسط برشلونة دفاعياً (بسبب نقطة ميسي وقدرة أجنحة الخصم على جذب إنيستا ورافينيا إلى الأطراف)، أو هجومياً (بسبب انعزال كل خط على حدة) بات واضحاً للعيان أن تحسناً كبيراً قد طرأ على مستوى قلبي دفاع برشلونة، خصوصاً جيرارد بيكي الذي يخطو خطوات ثابتة ليكون ثاني أفضل مدافع في الليجا هذا الموسم بعد نيكولاس أوتامندي، وقد انتظر البرسا كثيراً هذه اللحظة ليكون قادراً على حماية نفسه من الكثير من الكرات العرضية.
وإذ بات بيكيه وماثيو يسجلان في مناسبات مهمة، كما حدث في الآونة الأخيرة، فإن برشلونة لا يمكنه أن يحلم بأفضل من هذا من قلبي دفاعه، خصوصاً مع تواجد يصنع الفارق ككلاوديو برافو.