انتداب مدرب السد القطري، اللاعب الدولي السابق تشافي هيرنانديز، مدرباً جديداً لبرشلونة البارحة، صنع الحدث في الأوساط الإعلامية والجماهيرية الكتالونية التي كانت تتوقع الأمر منذ أسابيع، وراحت تتكهن بنجاح المدرب الجديد، وتتفاءل خيراً بتعيينه مدرباً للبارسا في ظروف جد صعبة يمرّ بها، في وقت يعتقد البعض الآخر بصعوبة المهمة، لأن مشكلة الفريق ليست في اسم المدرب ولا مستواه وقدراته، بقدر ما هي في إدارته التي لا تملك الرؤية والمشروع اللازم، ولا الموارد المالية الضرورية، وفي غياب أسماء ثقيلة في التشكيلة يمكنها صناعة الفارق الذي كان يصنعه ميسي لأكثر من عقد من الزمن، فاز معه كلّ المدربين بالألقاب، على اختلاف مستوياتهم، لكن عندما رحل صار البارسا فريقاً عادياً، لن ينقذه من وضعه الحالي المدرب وحده، مهما كان اسمه وقدراته، لو لم يُدعَّم بنجوم جدد، يمنح لهم الوقت الكافي، وتصبر عليه الإدارة والصحافة، وهو الأمر الذي قد لا يتوافر لتشافي بسبب الضغوطات الجماهيرية التي تعودت نَيل الألقاب.
الحقيقة أن البارسا لم يختر تشافي، ولم تكن لديه خيارات أخرى أصلاً، بل فرضت عليه الظروف أن يتوجه نحو لاعبه السابق كأمر واقع لا بديل له لتعويض رونالد كومان وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لذلك، لا يمكن الحديث عن اختيار أو مشروع جديد، يراد منه إعطاء نفس جديد فقط وإرضاء الجماهير الغاضبة على الإدارة بسبب تسييرها لملف ميسي، وزمن ما بعد ميسي، حتى أن لا أحد يمكنه التكهن بمصير البارسا على المدى القريب والمتوسط، في ظلّ التشكيلة التي يتوافر عليها، ونقص خبرة المدرب التي تقتصر على تجربته مع السد القطري التي لا تعتبر معياراً لقياس مدى قدرة الرجل على تغيير وجه البارسا، أو حتى تحسين مردوده ونتائجه، في ظل تركيبة بشرية عادية، لم تعد تقنع وتمتع، فشلت في تحقيق الفوز في آخر ثلاث مباريات في الدوري.
تشافي يبدأ مهامه بعد مباراة سيلتا فيغو خلال فترة التوقف الدولي في انتظار الميركاتو الشتوي وما يمكن أن تجود به إدارة النادي من كرم انتدابات جديدة، يكون المدرب قد اشترطها مقابل توليه المسؤولية في هذه الظروف، لأن من دونها ستكون مهمته صعبة جداً، في ظل الإصابات المتكررة لعثمان ديمبلي وسيرخيو أغويرو، حيث بدأ الحديث عن إمكانية استقدام رحيم ستيرلينغ من السيتي وكافاني من المان يونايتد، أو ألكسندر لاكازيت مهاجم أرسنال، إضافة إلى صفقات أخرى لم يكشف عنها، ستكون ضرورية لتشافي والبارسا حتى يتجاوز مرحلة ما بعد ميسي التي جاءت مبكرة ومفاجئة، زادها تعقيد الإصابات المتكررة لعد كبير من اللاعبين، وأزمة مالية خانقة تفاقمت بسبب تراجع المداخيل وتزايد حجم الديون، إضافة إلى تراجع المعلنين والإشهار في زمن كورونا التي اشتدت فيها الأزمة الاقتصادية العالمية.
مجرد التحاق تشافي بالبارسا قد يشكل عاملاً نفسياً مفيداً للاعبين، لكنه لن يحل مشاكل الفريق المتعددة الجوانب، ولن يعوّض النقائص الموجودة، لأن النادي الكتالوني سيكون بحاجة إلى مال وفير وجهد كبير وصبر طويل، وبحاجة إلى وقت أطول لإيجاد ميسي آخر وتكوين فريق آخر بمدرب لا يملك الخبرة ولا التجربة، ولا أحد يعرف قدراته الفنية والقيادية لفريق من حجم البارسا، نجح معه غوارديولا في بداية مشواره التدريبي لأنّه كان يضمّ ميسي، تشافي، وإنييستا، ونجح بعده آخرون في تحقيق الألقاب، لأن ميسي كان موجوداً يصنع المعجزات في فريق كان كلّه يلعب من أجله ويعتمد عليه، وعندما رحل فجأة ظهرت العيوب وانكشف أمر فريق يعتمد على مهارة وسحر نجم واحد بعدما كان يعجّ بالنجوم.
سابق لأوانه الحكم على تشافي بالنجاح أو الفشل، لكن الأكيد أنه لن يعوض ميسي، يصعب عليه إيجاد ميسي جديد يعتمد عليه في ظرفٍ وجيز، وهو يدرك ذلك جيداً، لكنه لم يكن بمقدوره رفض المهمة التي يحلم بها كلّ مدرب، حتى في هذه الظروف الصعبة، خاصة أن البارسا لم يكن يملك خياراً آخر غير تشافي، الاسم الوحيد الذي كان متداولاً لخلافة كومان منذ الموسم الماضي، فهل سينجح؟ كيف؟ ومتى...