بطولة كوبا أميركا، الأعرق في تاريخ كرة القدم الخاصة بالمنتخبات، كانت بدايتها قبل انطلاق كأس العالم، تحديداً في عام 1916، ومن هناك أقلعت رحلة المنتخبات.
حديثنا اليوم سينصبّ على منتخب تشيلي، الدولة التي تأتي في المرتبة الرابعة من حيث عدد التتويجات برصيد لقبين فقط، مناصفة مع باراغواي، خلف أوروغواي صاحبة الرقم القياسي (15) والأرجنتين الوصيفة بـ14 والبرازيل الثالثة بـ9 ألقاب.
تشيلي تعتبر واحداً من المنتخبات الأربعة التي شاركت في بطولة أميركا الجنوبية منذ النسخة الأولى، أي هي واحدة من المؤسسين، رغم أنها في النسخ الست الأولى احتلت المرتبة الأخيرة بين المنتخبات في ترتيب المجموعة، وانتظرت حتى عام 1926 لتحقق انتصارها الأول (لا نقصد تحقيق اللقب الأول).
اللقب الأول
استغرق الأمر سنوات طويلة حتى نجحت تشيلي في تحقيق اللقب الأول، كان ذلك في عام 2015 خلال النسخة التي استضافتها على أرضها.
لعبت تشيلي في المجموعة الأولى، ونجحت في تصدّر الترتيب بفضل النجوم المميزين في صفوفها، على غرار كلاوديو برافو، حارس برشلونة آنذاك، وأرتورو فيدال وأليكسيس سانشيز ومجموعة أخرى من اللاعبين الذين كانوا ينشطون في دوريات أوروبية كبيرة.
وتفوقت تشيلي على بوليفيا وعلى الإكوادور، فيما تعادلت مع المكسيك التي احتلت المرتبة الأخيرة وودعت المسابقة مبكراً.
في ربع النهائي، أطاح منتخب تشيلي نظيره الأوروغواياني بعد هدف مباغت للاعب ماوريسيو إيسلا في الدقيقة الـ80، قبل أن يقابل بيرو في نصف النهائي، ورغم أن المباراة كانت صعبة، نجح أبناء المدرب خورخي سامباولي في العبور إلى النهائي بعد الفوز بنتيجة 2-1.
في المباراة الختامية، كانت المواجهة مع الأرجنتين المتعطشة للقب قاري، ولا سيما مع ليونيل ميسي، لكن أمام الجماهير التشيلية في "استاد ناسيونال" في العاصمة سانتياغو، كانت المهمة شاقة وصعبة، رغم أنه أُتيحت لكلا الطرفين العديد من الفرص للتسجيل، لكن أحداً لم ينجح في هزّ الشباك، ولا سيما غونزالو إيغوايين، الذي دخل بديلاً لسيرخيو أغويرو، لكنه أهدر فرصة قاتلة كادت تقضي على أحلام تشيلي.
خلال ركلات الترجيح، تقدّم ميسي وسجل، ليفشل إيغوايين وبانيغا، ليعلن الحكم فوز تشيلي باللقب الأول بعد 4 ركلات ناجحة.
النسخة المئوية
أقيمت بطولة كوبا أميركا 2016 بشكلٍ استثنائي احتفالاً بالذكرى المئوية على انطلاق المنافسة الأعرق على صعيد المنتخبات، كان كلّ شيء يوحي بأنها ستكون نسخة خارجة عن المألوف.
جرت فعاليات الدورة حينها في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت كوبا أميركا تخرج للمرة الأولى من القارة اللاتينية، وخصصت كأساً خاصة مختلفة عن الكأس المعروفة، وهناك استطاعت تشيلي تفجير المفاجأة ثانية بحصدها اللقب الثاني.
في البداية، شهدت النسخة المئوية خروج البرازيل وأوروغواي من الدور الأول، وكان الأمر صدمة بطبيعة الحال للجميع، خسارة منتخبين بهذا الحجم قد يؤثر بنسب المشاهدة، لكن الأرجنتين استطاعت، بطبيعة الحال، العبور إلى النهائي، ومع وجود ليونيل ميسي كان الأمر جيداً بالنسبة إلى المنظمين.
تأهّل منتخب التانغو متصدراً مجموعته، بعدما حقق 9 نقاط من 3 انتصارات متتالية، بينها على تشيلي البطل بنتيجة 2-1، ليردّ اعتباره مبدئياً بعد خسارة نهائي نسخة 2015.
لم تتأثر تشيلي بالخسارة أمام الأرجنتين، بل وجّهت رسالة شديدة اللهجة إلى الجميع في ربع النهائي، بعد الفوز على المكسيك بسباعية نظيفة بفضل سوبر هاتريك لفارغاس. على المقلب الآخر، كانت الأرجنتين تتقدّم هي الأخرى بثبات، بعد فوزها على فنزويلا بنتيجة 4-1 مع تألق إيغوايين وميسي ولاميلا.
جاء دور نصف النهائي، واتجهت الأنظار إلى ملعبين، الأول سولجر فيلد في شيكاغو، وتحديداً مواجهة كولومبيا المميزة وتشيلي بحضور 55 ألف متفرج، وهناك استطاع بطل نسخة 2015 مباغتة زملاء اللاعب خاميس رودريغز بهدفين سريعين في أول 10 دقائق، كانا كفيلين بعبور أليكسيس سانشيز ورفاقه إلى النهائي مجدداً.
في هيوستن، وبحضور 71 ألف متفرج، جاء دور الأرجنتين أمام الولايات المتحدة الأميركية، مستضيفة البطولة، قدّم إيغوايين عرضاً جيداً بثنائية، فيما أحرز ميسي ولافيتزي الهدفين الثالث والرابع.
جاء اليوم الموعود والمنتظر "16 يونيو/ حزيران 2016"، بحضور 82 ألف متفرج على ملعب "ميت لايف". باختصار، كانت الصدمة في نهاية اللقاء واضحة على وجه ميسي، دموع الحزن كانت أقسى ما حصل في المشهد، قابلتها فرحة تشيلية بقيادة المدرب خوان أنتونيو بيتزي.
120 دقيقة من اللعب والجري خلف الكرة لم تؤدّ إلى اهتزاز الشباك، وهو سيناريو مشابه لما حصل في 2015، ثم جاءت ركلات الترجيح، ضربات الموت، التي كانت تخفق وتتوق لها قلوب الأرجنتينيين كي تبتسم لهم بعد عناء سنوات. لكن الصدمة كانت أسرع، فإهدار القائد ليونيل ميسي التسديدة الأولى نزل كالصاعقة على الجميع، رغم أن أرتورو فيدال هو الآخر فشل في المحاولة الأولى. فازت تشيلي 4-2 في النهاية.
أرقامٌ مهمة
تمتلك تشيلي العديد من الأرقام التي يمكننا التوقف عندها، الحارس سيرجيو ليفينغستون، يعتبر أكثر لاعب خوضاً للمباريات في تاريخ كوبا أميركا برصيد 34 مرة، مناصفة مع البرازيلي زيزينيو، مع العلم أنه حمل جائزة أفضل لاعب في نسخة 1941 حين حقق منتخب بلاده المركز الثالث.
ما يؤكد أهمية الحراس في تحقيق الإنجازات، ما فعله القائد كلاوديو برافو في نسختي 2015 و2016، بعدما حافظ على نظافة شباكه في العديد من المناسبات، واختير في النسختين أفضل حامي عرين.
ننتقل إلى إدواردو فارغاس، وهو الهداف التاريخ لتشيلي في كوبا أميركا برصيد 12 هدفاً، 4 منها في 2015 و6 في نسخة 2016 وهدفان فقط في 2019.