بعد إسدال الستار عن ألعاب البحر الأبيض المتوسط الـ19التي احتضنتها مدينة وهران الجزائرية بالموازاة مع احتفالات الجزائر بالذكرى الستين لعيدي الاستقلال والشباب، أجمع المشاركون والإعلام الجزائري والعربي والمتوسطي، وحتى العالمي، على نجاح البطولة من كل الجوانب الفنية والتنظيمية والجماهيرية، من خلال الإقبال القياسي على القاعات والملاعب لمتابعة مختلف المنافسات وتشجيع الجزائريين والعرب بالخصوص.
وساهم هذا الأمر في تحقيق أفضل حصيلة للرياضة الجزائرية عبر تاريخ المشاركات في الألعاب، خصوصاً بفضل الرياضات الفردية والقتالية بالخصوص، وتألقت فيها السيدات رغم ظروف التحضير الصعبة والتأخر الذي شهده إنجاز المركب الأولمبي لوهران الذي احتضن أغلب المنافسات بامتياز، في تحد كبير لظروف صعبة وتوقعات داخلية وخارجية بفشل العرس المتوسطي الذي يمثل نموذجا مصغرا للأولمبياد بكل تعقيداته ومتطلباته.
نجحت الجزائر بنجاح عرضي الافتتاح والاختتام، شكلاً ومضموناً، رغم بعض المؤاخذات البسيطة على جزئيات تتعلق بالسيناريو والتصور اللذين كانا يمكن أن يكونا أفضل ويعبران فعلا عن جزائر تعرف كيف تصنع الفرجة، وتفاصيل أخرى تتعلق الحضور الرياضي في مدرجات الملعب الأولمبي لأبطال جزائريين في الرياضة، وعمالقة الفن والثقافة الذين كان يمكن لحضورهم ومشاركتهم أن تضيفا للوحات الفنية والمسابقات الرياضية رونقاً وجمالاً، وخصوصاً أن الرصيد ثري بالأبطال العالميين والأولمبيين، وثري بالفنانين العالميين أيضاً والشخصيات الرياضية والثقافية والفنية، من مختلف الأجيال، الذين تألقوا على مدى ستين سنة من الاستقلال، خاصة أن الألعاب صادفت الاحتفالات الرسمية والشعبية بذكرى استعادة السيادة الوطنية على وطن خاض ثورة عظيمة ضحى فيها بملايين الشهداء على مدى أكثر من 132 سنة من الاحتلال.
المستوى الفني من جهته كان عالياً، ساد المنطق فيه بتفوق إيطاليا، تركيا وفرنسا كالمعتاد، وتألق الجزائر في الرياضات الفردية والقتالية التي حصدت فيها أغلب ميدالياتها، برفقة مصر التي صارت تملك أسرع امرأة في المسافات القصيرة في تاريخ الرياضة المصرية بفضل بسنت حميدة التي حققت ذهبيتي 100 و200 متر.
وتجاوب معها الجمهور الجزائري مثل ما تجاوب مع لاعب تنس الطاولة عمر عصر، الذي رفع علمي مصر والجزائر فوق منصة التتويج، وتجاوبت معهما أيضا وسائل الإعلام المصرية والجماهير المصرية في وسائط التواصل الاجتماعي عندما سلطت الضوء على تشجيعات الجماهير الجزائرية للرياضيين المصريين، والمنتخب المصري لكرة اليد في مواجهته النهائية أمام إسبانيا، وهو الأمر الذي ساهم في إعادة مشاعر الود الجزائرية المصرية بين الرياضيين والجماهير، وحتى الإعلاميين الذين كانوا دوما سببا في كل الاحتقان السابق.
التغطية الإعلامية في الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي كانت متميزة رغم الانتقادات التي تعرض لها التلفزيون العمومي في الأيام الأولى، قبل أن يستدرك في الأسبوع الثاني من المنافسات ويعطي الألعاب حقها، وينقل صوراً جميلة في الملاعب والقاعات والمدرجات، وفي كل المرافق التي احتضنت نشاطات فنية وثقافية مرافقة للحدث، ساهمت في تغيير تلك الصورة النمطية لجزائر لم تعد قادرة على تنظيم الأحداث الكبرى، وجماهير عنيفة ومتعصبة لرياضييها ومنتخباتها، ليكتشف العالم جزائر مختلفة كانت مغيبة، تعرضت لحملة تشويه ممنهجة على مدى سنوات، وشعب ودود محب للحياة بجيل جديد برهن بأنه قادر على تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، وتحقيق النتائج الجيدة، وإعطاء صورة جديدة عن بلده الذي تمكن من تأمين حضور رسمي رفيع، ورياضي وإداري وفني فاق 3 آلاف شخص، دخلوا وخرجوا في أمان الله بانطباع حسن.
الحضور الجماهيري القياسي بروحه الرياضية العالية كان بدوره بمثابة ملح البطولة، زاد من جمالية حفلي الافتتاح والختام، وساهم بتشجيعاته في تتويج العديد من الرياضيين بالميداليات، كما وقف بشكل غير مسبوق مع منتخبات ورياضيين عرب، أثنوا عليه كثيرا في مصر وتونس، وحتى في المغرب، رغم الاحتقان الحاصل في الفترة الأخيرة، لكنه تحلى بروح رياضية عالية بعد خسارة منتخب الكرة لأقل من 18 سنة أمام المغرب ثم فرنسا في دوري المجموعات.
ألعاب وهران والاحتفالات بالذكرى الستين لعيدي الاستقلال والشباب حملت رسالة واضحة للقريب قبل الغريب بأن الجزائر عادت، وعندما تعود يلتزم كل واحد مكانته الطبيعية.