لم يسجل ليونيل ميسي أي هدف خلال مواجهتي مان سيتي في دوري الأبطال، لكنه خطف الأضواء من الجميع، وحصل على نجومية الجولة، وأجبر العالم كله على الحديث عنه طوال الأيام الماضية، ليستعيد الملك رقم 10 بريقه الحقيقي الذي جعله اللاعب الأهم على الإطلاق خلال الحقبة الكروية الحالية، لأن كرة القدم في النهاية ليست مجرد أهداف، بل الأمر أكبر من ذلك، ويشمل زوايا أخرى وجوانب خاصة.
ما وراء الأهداف
ميسي أمام السيتي كان الأكثر تمريراً، مراوغات، تسديداً، لمسات، افتكاك للكرة من بين كل المهاجمين، وبكل تأكيد صاحب الصناعة التي أتى منها هدف راكيتتش، لذلك تحول الأرجنتيني هذا الموسم إلى اللاعب السوبر، خصوصاً على مستوى صناعة اللعب وبناء الهجمات، وتنظيم الصفوف لإتاحة الفرصة أمام زملائه للبزوغ والتألق أمام المرمى.
عاد ليو إلى الخلف عدة خطوات، ترك المركز 9، الحقيقي والوهمي، ولم يعد صانع اللعب المركزي القابع في المركز 10 بالعمق، لكنه أصبح اللاعب الحر في جميع أركان المستطيل الأخضر، ليس فقط الثلث الهجومي بل في كل رقعة تجري فيها الكرة، لذلك تجد ميسي خلف سواريز، على الأطراف، بجوار ماتشيرانو، وفي بعض الأوقات كلاعب مساند للظهير ألفيش على اليمين.
الأرقام من الممكن أن تتجمل لكن من الصعب أن تكذب، مرر ليو 82 تمريرة أمام الفريق الإنجليزي في ليلة الأبطال، وصنع 11 مراوغة سليمة، مع افتكاكه 9 كرات، والخريطة الحرارية للاعب تؤكد أنه اختار فكرة الشمولية التكتيكية هذا الموسم مع برشلونة، ليظهر بصورة رائعة في الأمتار الأخيرة من عمر الموسم.
الماضي يقول
لعب ميسي بعيداً عن فكرة المهاجم الوهمي في بعض المناسبات مع جوارديولا، خصوصاً في موسم الأخير مع البارسا 2011-2012، كذلك حصل على مركز صناعة اللعب مع منتخب الأرجنتين في كأس العالم 2014، مع وجود هيجواين في مركز المهاجم أمامه، وكانت هذه المناسبات، هي الأكثر وضوحاً بالنسبة لابتعاد الرقم 10 عن مناطق الجزاء.
أمام ريال مدريد في الكلاسيكو سابقاً، تحركات ميسي هي الفيصل، ينطلق من الوسط إلى الأمام، إذا صعد مدافع لكي يقابله فإن دفاع الريال سينكشف ويصبح واحداً أمام واحد، وهذا ما حدث في هدف أليكسيس سانشيز في مباراة الدوري التي انتهت بفوز البارسا بثلاثة أهداف مقابل هدف، أما إذا عاد دفاع الريال إلى الخلف، فوقتها خط وسط البارسا سيصبح زائداً لاعباً وهو ميسي، وعن طريق الزيادة العددية تستطيع صنع الفارق.
والكل يتذكر هدف أبيدال في مرمى الريال خلال كلاسيكو الكأس في البرنابيو، حينما تقمص ليو شخصية "بابا نويل" ووضع اللاعب الفرنسي أمام كاسياس دون أي مشاكل، في لحظة أنيقة لا تتكرر كثيراً.
هل تستطيع تصنيف ميسي؟
"من الصعب جداً تحديد الصفات الرئيسية التي تستطيع بها تحديد قيمة اللاعب أو دوره، وهنا لفظ اللاعب يطلق فقط على عظماء اللعبة. مارادونا، دي ستيفانو، بيليه، أسماء لها ثقل كبير تاريخياً، لكن من الصعب تحديد أفضلية نجم على آخر، لأن كل لاعب له صفاته الخاصة التي جعلته في مكانة مختلفة عن الجميع، وبالتالي يجب أن يطلق عليهم مصطلح اللاعب بشكل شمولي"، يتحدث الهولندي الخبير يوهان كرويف عن فكرة الألقاب في كرة القدم، ويؤكد أن هناك نجوم فوق مستوى التصنيف.
وحينما أراد كرويف وضع تعريف "للاعب كرة القدم" بشكل أكثر تخصصا، ضرب مثالا بالنجم بيركامب، لأنه يجيد التمركز، التهديف، الصناعة، والتحرك، لكن من الصعب والمجحف مقارنته بواحد من الأسماء العتيقة السابقة. وليونيل ميسي أيضاً ليس لاعب كرة قدم بالمعنى الحرفي، بل هو لاعب شامل من الممكن فقط مقارنته بأكبر أيقونات المستديرة، لذلك لا تتوقع منه أبداً لعبة عادية، وهذا ما أفاده كثيراً خلال الموسم الحالي.
تمريرات ليو البينية من الصعب وصفها، إنه لاعب يضرب أكثر من 4-5 منافسين في كرة واحدة، يجيد بشدة اللعب من كافة الفراغات داخل الملعب، لذلك يمرر من الأطراف، الخط الجانبي، أمام منطقة الجزاء، وفي دائرة المنتصف، وسلاحه في كل هذه الألعاب، المهارة الممزوجة بالقدرة على المباغتة، مباغتة خصومه وحتى رفاقه، وهنا تكمن عظمة هذا النجم الكبير.
ماذا عن الإحصاءات؟
زادت مواقع الإحصاءات في الفترة الأخيرة، ودخلت الأرقام بقوة عالم تقييم اللاعبين، لدرجة أن أغلب المتابعين يضعون أرقام كل لاعب "أهداف+أسيست" للدلالة على أحقية هذا النجم أو غيره في الحصول على الجوائز. بالطبع مواقع الإحصاءات مهمة، وأضافت الكثير لعلم دراسة وإدارة اللعبة، لكنها لا تعني كل شيء في النهاية، لأن هناك أجزاء وتمريرات أخرى تعتبر بنفس قيمة "الأسيست" والهدف بل أهم، فيما يعرف بصناعة اللعب، وتجهيز الهجمة من الخطوط الخلفية.
وميسي ملك هذه الألعاب في الوقت الحالي، يحصل ليو على الكرة، يحتفظ بها، ويفعل الأشياء المستحيلة، يأخذ فريقا كاملا معه، ويمرر لزميله من دون أي رقابة. يقوم الأرجنتيني بهذه الأشياء كثيراً، في 2012 فعلها والآن يكررها ويعيدها كل موسم، وأصبحت هذه الأفعال هي العادة المحببة التي ينتظرها الجمهور في كل مباراة يلعبها، سواء في الدوري والكأس أو البطولات القارية.
هناك تمريرات عديدة للرقم 10 لا يتم احتسابها كهدف أو صناعة، لكنه تكون محورية وفاصلة في خلق الزيادة العددية والتفوق الفني لفريقه، خصوصاً خلال المواجهات المعقدة والصعبة، لأن الفراغ وقتها أهم من الهدف نفسه!
نظام اللعب
زاد تحرر ليو هذا الموسم لأن أسلوب اللعب لفريق برشلونة صار مباشرا بعض الشيء، ولم يعد كامب نو مكانا للتمركز الكامل على طريقة جوارديولا، حينما اعتمد الفيلسوف على فكرة تحريك الخصم بتحريك الكرة، مع ثبات لاعبيه في مراكزهم معظم فترات اللعب فيما يعرف بالـ Positional Play، والبارسا الحالي لم يترك هذه القواعد بشكل كلي، لكنه أصبح أكثر سرعة أثناء التحولات، وأقوى في الدفاع من دون كرة، لأن الخصوم أيضاً زادوا في جرأتهم أمامه، عكس السنوات الماضية.
يتمركز ليو بين العمق والجناح الأيمن، وحينما يستلم الكرة فإن هناك خيارات عديدة أمامه، يوجد سواريز أو نيمار بالعمق، ينطلق راكيتتش من الوسط إلى الهجوم، يتمركز أنيستا على مقربة منه، ويتحول ألبا إلى منطقة الجزاء في أكثر من مناسبة، لذلك تزيد زوايا التمرير أمام الأرجنتيني، وتزيد في نفس الوقت خيارات الإبداع تجاه دفاعات الخصوم.
اللعب المباشر يعني زيادة النسق وتسريعه، بالتالي وجود ميسي يجعل باقي الفريق في وضع أفضل للتسجيل، صحيح أن الأرجنتيني لم يعد الهداف الوحيد، لكن تأكد دوره كنجم يعادل كفة فريق بأكمله!