رحلة شعارات أمم أوروبا من 1960 حتى 2004.. بين البساطة وثورة الألوان

07 يونيو 2024
تصميم شعار يورو 2004 مع مشجعٍ برتغالي في بلاده (ساندرا بيني/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بطولة أمم أوروبا تجذب الانتباه مع دراسة سيميولوجيا شعاراتها منذ البداية حتى 2004، موضحة كيفية تعبير هذه الشعارات عن ثقافة وهوية الدول المستضيفة.
- الشعارات من 1960 إلى 1992 تميزت بالبساطة والتوحيد، تضمنت اسم "يويفا" والسنة مع علمين للدولة المضيفة، معبرةً عن حركة وحيوية وأسلوب فني أصيل.
- من 1996 إلى 2004، شهدت الشعارات تطورًا في التصميم، معبرةً عن الديناميكية بأساليب مبتكرة وألوان زاهية، وتعكس كل نسخة ثقافة الدولة المضيفة بطريقة فريدة ومميزة.

تعود بطولة أمم أوروبا إلى الواجهة مجدداً، معها ستكون المنافسة قوية لمدّة شهرٍ كامل، حين تنطلق المباريات يوم 14 يونيو/حزيران الجاري وتنتهي في 14 يوليو/ تموز المقبل، واليوم نبتعد عن المستطيل الأخضر لنسافر إلى فلك آخر، نتحدّث خلاله عن سيميولوجيا أو سيميائية شعارات بطولات اليورو منذ النشأة حتى نسخة 2004، والتي دائماً ما كانت تُستنبط من ثقافات البلاد المستضيفة ورموزها، وتعبّر عن نفسها بطريقتها الخاصة.

الفترة الأولى: بساطة شعارات أمم أوروبا

جرت أول نسخة من بطولة كأس أمم أوروبا لكرة القدم في عام 1960، أي بعد الحرب العالمية الثانية بنحو 15 عاماً، كانت الأمور قد تغيّرت كثيراً في القارة العجوز، واندثرت العديد من الفنون، بينها الآرت ديكو، الذي اشتهر بين عامي 1920 و1939، وأثّر على العديد من الرسومات في ذلك العصر، من العمارة إلى الفنون البصرية والموضة والسينما وحتى المجوهرات والإعلانات، في حين استخدمت سويسرا خلال نسخة كأس العالم 1954 أسلوب المنيمال، الذي اكتسب شهرة واسعة في الخمسينيات ووصل في الستينيات إلى ذروته، وكان نتاجاً للمدرسة التجريدية، تميّزت أعماله في مختلف المجالات بمحاولة التقليل من العناصر والألوان في الصور قدر المستطاع، والاعتماد على تبسيطها وحذف الكثير من التفاصيل التي قد تخنقُ الملصق الإعلاني، ومن هُنا يمكننا الانطلاق في رحلة تحليل شعارات النسخ من 1960 حتى 1992، والتي بقيت طوال 32 عاماً متشابهة لا تتغيّر أبداً.

كانت الشعاراتُ خلال تلك الفترة الزمنية واحدة، إذ يأتي في الأسفل اسم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" بخط هندسي داكن اللون، ثم السنة في الزاوية اليمنى السفلية، وفي الأعلى علمان ديناميكيان يرفرفان بألوان البلد المضيف، لإنشاء نوعٍ من الحركة داخل الشعار وجعله أكثر حيوية بدلاً من أن يكون جامداً وثابتاً بطريقة مملة، وهو ما يجعل الناظر إليه يشعر بأنّه يتحرك فعلاً. وفي المجمل كان يمنح إحساساً حقيقياً بالمدرسة الفنية القديمة، صحيحٌ أنّ تلك الشعارات لم تكن استثنائية وجميلة من الناحية البصرية والإبداعية، إلا أنّها مثّلت أسلوباً أصيلاً للتصميم الكروي والرياضي الرمزي من السبعينيات إلى أوائل التسعينيات، بطبيعة الحال هذه الشعارات الآن تُخلّف إحساساً بالحنين والولع بهذا الحدث القاري الكبير، مع العلم أن إيطاليا حاولت خلال نسخة 1980 إلى جانب الشعار الأول والكلاسيكي، الخروج إلى عالم الابتكار، حين قدّمت تصميماً فريداً من نوعه بألوانٍ زاهية خلال تلك الحقبة، عبر اختيار زهرة الغُرنوقيّ أو إبرة الراعي مع كرة قدم في داخلها.

شعارات أمم أوروبا من نسخة 1996 حتى 2004

دائماً ما يُؤكد الإنكليز في كلّ مرة يستضيفون فيها حدثاً كبيراً أن كرة القدم عادت إلى الوطن الأم، وهناك حدث أول التغييرات الحقيقية في عالم شعارات أمم أوروبا، التصميم كان بطبيعة الحال مرِحاً وطفولياً تقريباً، بعدما انقسمت الكرة إلى أجزاءٍ متناثرة وفي داخلها كان هناك لاعبٌ يركل الكرة. ويتحرك الخط في التصميم من أسفل اليسار إلى أعلى اليمين، وهو يدفع الناظر إلى الشعورِ بحركةٍ ديناميكيةٍ رياضية، كما أن الألوان المستخدمة كانت فرحة للغاية ومُنعشة، وأسفل هذا الملصق الأيقوني تأتي الكلمات النصّية: "يويفا" و"يورو 1996" ومن ثم إنكلترا، وفي كعب الصورة شرطة، تُشبه لمسة الرسام أو الدهان، توّلد نوعاً من الحركة كما الأعلى، وبالتالي كان بالفعل فريداً مقارنة بأقرانه في البطولات السابقة، مع العلم أن اللعب على مستوى الألوان في كتابة الكلام يجعل المشاهد يقرأ كلّ ما فيه، ليُركز في كلّ تفاصيله.

في يورو 2000 التي حققت لقبها فرنسا على حساب إيطاليا، جاء شعار تلك النسخة متوسطاً من الناحية البصرية، حين أظهر علمي البلدين المُضيفين، وهما هولندا وبلجيكا، على شكل لاعبٍ يفتح ذراعيه ويُشبه طائرة ورقية مع رفرفة نسبية وتداخلٍ بين العلمين، وكأنّه يهُمُّ بتسديد الكرة، مع دائرةٍ زرقاء كبيرة تربُطُ اللاعب بالكرة في الأسفل، وكان هذا الشعار أقلّ مرحاً من سابقه، مع العلم أن التصميم يتحرّك من اليسار إلى اليمين ومن الأسفل إلى الأعلى، لكن المشكلة البارزة فيه أن اللاعب في المنتصف يبدو آيلاً للترنّح أو السقوط، وقد كُتبت كلمة يويفا يورو 2000 بالخط الأسود العريض، مع درجات متباينة في الحجم بين الأول والثاني، وانحناء الشكل، في محاولة لإعطاء لمحة فنية.

شعار يورو 2000 خلال حدثٍ في يناير 1998 ببلجيكا (إرويغ فيرخولت/Getty)
شعار يورو 2000 خلال حدث في يناير 1998 ببلجيكا (إرويغ فيرخولت/Getty)

ننتقل إلى يورو 2004، والذي يأخذنا إلى البرتغال، وشواطئها وشمسها وبحرها الخلّاب للغاية، كان ذلك الشعار بالفعل منيراً إلى أبعد الحدود من الناحية البصرية، يُظهر الشغف الكبير بلعبة كرة القدم، إذ لم يُستخدم اللون الأزرق الذي كان طاغياً على النسخ السابقة، فكان اللون البرتقالي والأصفر والأخضر الساطع طاغياً، مما يُعطي لمسة من الدفء والراحة، ولم يكن هناك شكلٌ لأي لاعب في هذا الشعار، فقد كسر الصورة النمطية المستخدمة في العديد من البطولات، إن كان في أمم أوروبا أو حتى كأس العالم.

كانت الكرة المزخرفة بأسلوب شعبي برتغالي وسط قلبٍ يحتضنها مصممٍ على الطراز التقليدي لفنّ الصياغة التخريمية، وهو شكلٌ من أشكال الأعمال المعدنية المعقّدة المستخدمة في المجوهرات، القادم من بلدة فيانا دي كاستيلو، وعبّرت طبعاً عن الترحيب بالمشجعين الوافدين والحبّ لهم، لكن الأمر الذي يبقى مبهماً نسبياً هي الدوائر الصغيرة السبع، فلولا توضيح الاتحاد الأوروبي حولها ومصمم الشعار "Havas Creative" حينها، لما عرفنا أن رمزيتها تعودُ إلى عناصر وإنجازاتٍ برتغالية مُهمة مثل عدد القلاع في شعار النبالة الوطني أو غزو البحار السبعة خلال عصر الاكتشافات، وبهذا يتبقى لدينا شعار بطولات 2008 و2012 و2016 و2020 و2024 نتحدث عنها في تقرير لاحق.

شعار يورو 2004 في مدينة لشبونة البرتغالية خلال نفس عام إقامة البطولة (ساندرا بيني/Getty)
شعار يورو 2004 في مدينة لشبونة البرتغالية خلال نفس عام إقامة البطولة (ساندرا بيني/Getty)