- رأفت القن، مدافع شباب رفح، يتحول إلى قائد إغاثة، مسؤول عن توزيع المساعدات للأسر النازحة خلال الأزمة.
- الرياضيون في فلسطين يتبنون أدوارًا جديدة كممرضين ومسؤولين عن الإغاثة، مسلطين الضوء على الظروف القاسية والتكيف مع الواقع الجديد.
لم يكن حاتم نصّار (32 عاماً)، قائد نادي نماء الرياضي، في دوري الدرجة الأولى الفلسطيني لكرة القدم، يتوقّع أن يقضي النصف الثاني لموسه الكروي الحالي في عيادة لعلاج المصابين؛ لكنه اضطر للاستغناء عن وظيفته الأساسية، بعد أيام قليلة من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وكانت الحياة الرياضية في فلسطين قد توقّفت بالكامل، بعد السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي 2023، لتشنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة على قطاع غزة، قابلتها هجمات مستمرّة للمستوطنين على القرى، والمناطق الفلسطينية في محافظات الضفة الغربية المختلفة. وتسبب توقّف الحياة الرياضية، في فلسطين، في انقطاع آلاف الرياضيين عن ممارسة عملهم المعتاد، وانقطاع مصدر دخلهم الأساسي، فقرّر عدد منهم أن يستثمر قدراته في تقديم واجب مختلف يتناسب مع إمكاناته، وظروف شعبه الاستثنائية.
القائد الدكتور في غزة
يُعتبر حاتم نصّار، أحد أبرز اللاعبين الذين عرفتهم الملاعب الفلسطينية في العشريّة الأخيرة، إذ لعب المهاجم الخبير دوراً كبيراً في تتويج نادي خدمات رفح بلقب دوري الدرجة الممتازة في موسم 2015- 2016، ودوراً بارزاً كذلك في صدارة نادي نماء الرياضي لدوري الدرجة الأولى في هذا الموسم، واقترابه من الصعود لأول مرة في تاريخه إلى دوري الدرجة الممتازة. واضطر نصّار لأن يخلع ثوبه الرياضي، ليرتدي ثوب التمريض، بعد أيام قليلة على شنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها المستمرّ على قطاع غزة، إذ سبق له أن تخرّج من كليّة المجتمع بمدينة غزة كممرّض عام في 2010.
وقال قائد نادي نماء الرياضي، في تصريحات حصريّة لـ "العربي الجديد": "شنّت إسرائيل حرباً طاحنة علينا، ما جعلنا نشعر بأن الكلّ بحاجة إلى الكلّ خلال الأشهر الماضية، وكوني لاعب كرة قدم يحمل شهادة في تخصص التمريض، فقد شعرت بواجب أن أتحوّل إلى ممرّض في هذه الظروف، وأن أخدم قدر استطاعتي أبناء شعبي، وأساهم في علاجهم".
ويُعتبر نصّار، اليوم، أحد أهم الممرّضين في العيادة الخاصة بمركز إيواء العقّاد في مدينة رفح، حيث يساهم المركز بتقديم خدمات العلاج لآلاف الأسر النازحة من مختلف المحافظات في قطاع غزة. وأضاف بطل دوري الدرجة الأولى مع نادي أهلي غزة سابقاً، لـ"العربي الجديد": "بسبب تمثيلي عدداً كبيراً من أندية قطاع غزة، فقد شاءت الأقدار أن أعالج عدداً من الرياضيين، الذين عاصرتهم في ملاعب كرة القدم، وبسبب هذه الازدواجية فقد بتّ أحمل لقبين في المركز: كابتن حاتم للرياضيين، ولغير الرياضيين فأنا الدكتور حاتم".
واختتم نصّار حديثه: "كنت أحلم بأن ألعب مباراة اعتزال تليق بمسيرتي الممتدّة لأكثر من 15 عاماً في ملاعب كرة القدم، ولكنني أشعر اليوم بفخر، وشرف امتلاك القدرة على مساعدة أهلي بقطاع غزة، في ظلّ هذه الظروف الاستثنائية".
قائد في الملعب وفي مركز الإيواء
ارتبط اسم المدافع الصلب، رأفت القنّ (36 عاماً) بمعظم الألقاب الرسميّة، التي نالها فريق كرة القدم بنادي شباب رفح طوال تاريخه، لكنه أضاف وصفاً آخر إلى مسيرته خلال العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، إذ بات قائد "الأزرق" أحد أهم الأسماء التي يُشار إليها في وصف ازدواجية الأدوار التي قدّمها الرياضيون الفلسطينيون في هذه المحنة.
وكان القنّ قد جمع سابقاً بين وظيفته مدرّساً في إحدى مدارس وكالة الغوث في المرحلة الأساسية، وقيادته خطّ دفاع فريق كرة القدم في نادي شباب رفح، أحد أعرق الأندية الفلسطينية. وأشار بطل الدوري الفلسطيني أربع مرات، لـ"العربي الجديد"، إلى صعوبة حياة الرياضيّين في ظلّ حرب الإبادة، التي يشنّها الاحتلال على قطاع غزة، إذ انقطعت بهم سبل العيش، ولا سيّما أولئك الذين نزحوا، وتركوا منازلهم، وباتوا دون مأوى، وأضاف: "كوني أعيش في محافظة رفح، التي نزح إليها معظم المواطنين خلال العدوان، فقد حاولت أن أساهم في تقديم المساعدة بمختلف أشكالها للنازحين، وقد لجأ إليّ الكثير من الرياضيين تحديداً؛ من أجل مدّ يد العون".
ويعمل القنّ، حالياً، مسؤولاً عن أحد مخازن توزيع المساعدات في مركز العودة، الذي يخدم آلاف الأسر النازحة إلى مدينة رفح، وقال في هذا الصدد: "لا أعمل مدرساً، ولا لاعباً في هذه الأيام، وإنما أعمل في مجال لم أجربّه سابقاً، لكنني أشعر بفخرٍ كبير رغم ذلك، قد يعادل كلّ سنواتي في ملاعب الكرة، نقوم بتوزيع الطعام، والشراب، والاحتياجات الأساسية على الأطفال والنساء، ولو لم أكن هناك، لسعيت لخدمة المواطنين، في مكان آخر". ويصف أفضل مدافع في قطاع غزة، حسب استفتاءات عدّة، ظروف عمله الحالي، قائلاً: "نعمل في ظروف صعبة، إذ جرى استهداف عدد كبير من مدارس أو مراكز الأونروا سابقاً".
واختتم بطل كأس فلسطين أربع مرات، حديثه، إلى "العربي الجديد"، مطالباً الجهات الرياضية الدولية، والقاريّة، بالتدخل من أجل حماية الرياضيين الفلسطينيين، إلى جانب مطالبته لاعبي الكرة العرب، والجماهير العربيّة بالوقوف إلى جانب القضيّة الفلسطينية، وأن يعلو صوتها في ملاعب كرة القدم. وتشير آخر إحصاءات آثار العدوان الحالي على قطاع غزة والضفة الغربية، إلى استشهاد 182 رياضياً فلسطينياً، وتدمير 45 منشأة رياضيّة، واعتقال 11 رياضياً، منذ السابع من شهر أكتوبر 2023، حسب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، بينما لا تمتلك المؤسسات الرسميّة في فلسطين، إحصاءات دقيقة حول عدد الرياضيين، الذين يعملون حالياً في غير وظائفهم الأساسية، أو عدد الرياضيين الذين يمتهنون في الأساس، وظيفة أخرى، إلى جانب وظيفتهم في المجال الرياضي.