بعيداً عن انتصارات برشلونة وبدايته المميزة هذا العام، هناك بعض الاختلافات التكتيكية، التي ميّزت المدرب الحالي، وجعلت الجماهير تنتظر منه بارسا مغاير للسنوات السابقة، لذلك أصبح الشعار الرسمي، محاولة العودة لحدود ما قبل 2005، واللعب مرة أخرى بمبادئ الكرة الشاملة، وأسس تبادل المراكز، مع إعطاء اللعب أسلوب مباشر بعض الشيء في المباريات الكبيرة.
لذلك جاء تألق ميسي مع إنريكي بشكل مغاير بعض الشيء، لم يعد الهداف الذي يسجل ويتصدر قائمة الهدافين، بل بات لاعباً آخر يحاول مساعدة الفريق في أكثر من مكان داخل المستطيل الأخضر، ومن جوارديولا إلى إنريكي، حدثت بعض التطورات التكتيكية، التي بدأت بالمهاجم الوهمي، وانتهت باللاعب الأقرب إلى الكل في الكل.
المهاجم الوهمي
خلال موسم 2008-2009، بدأ جوارديولا في التفكير جدياً، بتغيير مركز ميسي داخل الملعب أثناء مباراة برشلونة وريال مدريد بالكامب نو والتي انتهت بفوز بارسا بهدفين مقابل لا شيء. والسبب الرئيس أن الفيسلوف كان على قناعة تامة بأن اللاعبين العظام يجب أن يلعبوا في العمق، كذلك هو على يقين بأن اللعب بعدد تمريرات أقل من 15 يعني التعرض لمرتدات سريعة، لأنه يعتقد دوماً أن التمركز الجيد للّاعبين يعطي تحول محكم حينما تفقد الكرة.
في مباراة الإياب بملعب سانتياجو برنابيو، مباراة الفوز الشهير بستة أهداف مقابل هدفين، فكر الجهاز الفني في إمكانية سقوط ميسي في العمق من البداية بدلا من قطعه كما كان يفعل من الأطراف إلى مركز الهجوم. ودار نقاش بين الدكة، هل مدافعي الريال ستأتي لهم القدرة لكي يطاردوا ميسي؟ وترك مساحات خلفهم يتوغل فيها الأجنحة أو لاعبي الوسط القادمون من الخلف؟
انشغلت أطراف الريال بمواجهة أظهرة البارسا المتقدمة بينما ظل الدفاع قابعاً في مناطقه لكي يقابل أي قطع هجومي من الأظهرة في منطقة الجزاء، وبقي ميسي حراً طليقاً خارج منطقة الجزاء أمام كلٍّ من تشابي وإنيستا. هنا واجه محوري الريال ثلاثة لاعبين وليس اثنين، لذلك تفوق البارسا بلاعب إضافي، وحينما تلعب بلاعب إضافي في الوسط فأنت تتحكم في الدفاع والهجوم.
وحينما يفكر الدفاع في الخروج من أجل مقابلة ميسي، تصبح المنطقة خلف الظهيرين مفتوحة تماماً، وهذا كان السبب الرئيس في ظهور هنري بالمستوي الإعجازي في البرنابيو، بسبب انشغال الجميع بالفوضى التي أوجدها تمركز ميسي بالعمق .
مركز جديد
في آخر موسم لبيب، لعب البارسا في البرنابيو بثلاثة مدافعين فقط في الخلف، وصعود المدافع الرابع "ألفيش" إلى الوسط كلاعب جناح صريح. قال بيب عن هذا التغيير، "كرة القدم كمباراة الشطرنج، يجب أن تعرف ماذا يفعل الخصم وتحركاته، كي تضع أفكارك". المخاطرة كانت في اللعب بثلاثة مدافعين أمام ثلاثة مهاجمين من مدريد، لكن القوة في تحويل نقاط الضعف إلى نقطة إيجابية لصالحك.
تحركات ميسي هي الفيصل، ميسي ينطلق من الوسط إلى الأمام، إذا صعد مدافع لكي يقابله فإن دفاع الريال سينكشف ويصبح واحد أمام واحد، وهذا ما حدث في هدف أليكسيس سانشيز. أما إذا عاد دفاع الريال إلى الخلف، فوقتها خط وسط البارسا سيصبح زائداً لاعباً وهو ميسي، وعن طريق الزيادة العددية تستطيع صنع الفارق.
وهذه هي الفكرة التي لعب بها الأرجنتيني تاتا مارتينو في بعض مباريات البارسا خلال الموسم الماضي، خصوصاً في دوري الأبطال ومباريات الكلاسيكو.
مع لوتشو
خلال مباراة ليفانتي في الدوري الإسباني، لعب ميسي في مركز ليس بجديد عليه، ترك الثلث الأخير في سبيل السيطرة على منطقة الارتكاز، واللعب بأكبر عدد ممكن من اللاعبين في المنتصف، لذلك تكفل الرقم 10 بصناعة الأهداف وتمرير مزيد من الفرص لزملائه.
ليو في المركز 10 في الملعب كصانع لعب حقيقي مع بوسكيتس في بدء الهجمة من الخلف، كارتكاز دفاعي متأخر، وقلب دفاع ثالث عند الحاجة، أي لعب ميسي أمام بوسكيتس، واحد في الأمام وآخر في الخلف. مع الثنائي راكيتتش وإنييستا في وضع بين الأطراف والعمق الهجومي.
الجديد أن ميسي لم يكتف فقط بصناعة اللعب وتسجيل الأهداف، بل عاد أكثر إلى منطقة الارتكاز، وقام بجهد دفاعي واضح في الآونة الأخيرة، وأكبر دليل على ذلك أرقامه الدفاعية، حيث قام الأرجنتيني بتسع محاولات للعرقلة، فاز بخمس منها، بالإضافة إلى ضغطه القوي على دفاعات الخصوم.
لذلك أضاف لويس إنريكي إلى ليو حتى الآن، صبغة دفاعية واضحة، في الضغط والعرقلة وافتكاك الكرات، بالإضافة إلى تمركز متأخر نوعاً ما، فخرج ليو من الثلث الهجومي الأخير، وعاد أكثر إلى المنتصف ومنطقة الارتكاز، كلاعب وسط مهاجم من الطراز الواضح، وارتكاز مساند بجوار بوسكيتس عند الحاجة.
الرهان في القادم
عودة لويس سواريز ستكون محورية إلى حد كبير، والوصول إلى أكبر قدر ممكن من التوازن على الأطراف، خصوصاً في ظل المردود المتباين لكلٍّ من داني ألفيش وجوردي ألبا، وكلما وصل الثنائي إلى مستوى أفضل، كلما زاد ثبات ميسي في منتصف الملعب، كلاعب وسط رابع أكثر منه لاعب هجومي حر.
يعود ميسي ويسحب معه أكثر من لاعب، ليدخل الأظهرة إلى الأمام، وتصبح أطراف هجومية صريحة، مع المهاجم رقم 9، السريع القوي القادر على القطع من الثلث الأخير إلى داخل منطقة الجزاء، ليصبح ليو هو صانع السعادة ومقدم الفرص لكل لاعبي برشلونة في حقبة لوتشو الجديدة.
يريد المدرب الجديد اصطياد منافسيه، وميسي بمثابة الشبكة التي تساعده في حصار الخصوم، والحصول على أكبر قدر ممكن من التركيز، من أجل فتح الطريق أمام رفاقه، وخلق مساحات حقيقية أمام القادمين من الخلف والأطراف.
"سنحاول اللعب كوحدة واحدة، الدفاع والهجوم أمر سواء، لا فارق على الإطلاق، لذلك كل لاعب مهاجم يجب عليه أن يعود إلى الخلف"، وبالتالي لخّص إنريكي في أول تصريح له هذا الموسم، الدور الجديد الذي ينتظر ميسي مع بارسا الجديد، في موسم صعب للغاية، ولحظات ستحدد مصير عدد كبير من ممثلي برشلونة، كلاعبين، ومدرب، وبكل تأكيد إدارة النادي.