النزيف الحاصل على مستوى المدربين في الدوري الإنكليزي الممتاز لهذا الموسم يشكل ظاهرة لم يسبق لها مثيل من حيث عدد الذين أقيلوا من مناصبهم منذ بداية الموسم الجاري والبالغ اثنا عشر مدرباً، من بينهم ستة مدربين رحلوا منذ بداية السنة الجديدة بسبب النتائج المسجلة في منتصف الموسم، بينما يبقى البعض الآخر مهدداً بالإقالة حتى قبل نهاية الموسم، تحت ضغوطات جماهيرية وإعلامية كبيرة أدّت إلى تحطيم رقم قياسي في عدد إقالات المدربين، بينما بلغ أكبر عدد في السابق عشر إقالات في أربعة مواسم منفصلة، وكأنها العدوى التي أصابت الكرة الإنكليزية وخلّفت خسائر مادية جديدة للأندية التي اضطرت لدفع تعويضات، وخسائر أخرى فنية لأن أوضاع الكثير من الأندية التي أقالت مدربيها لم تتحسن، لأن المشكلة لم تكن بالضرورة في المدربين!!
النزيف بدأ منذ بداية الموسم في نهاية أغسطس، مع سكوت باركر مدرب نادي بورنموث، بعد خسارة فريقه بالتسعة أمام ليفربول، ثم جاء الدور على الألماني توماس توخيل مدرب تشلسي، رغم تتويجه مع الفريق بلقب دوري الأبطال سنة 2021، وبرونو لاجي مدرب وولفرهامبتون، لتختتم سنة 2022 بترحيل ستيفن جيرارد مدرب استون فيلا، لتتجدد الإقالات مع بداية السنة بإقالة فرانك لامبارد مدرب إيفرتون، والأميركي جيسي مارش مدرب ليدز، ثم مسّت باتريك فييرا مدرب كريستال بالاس في شهر مارس/ آذار رفقة أنطونيو كونتي مدرب توتنهام الذي رحل طواعية رغم احتلال فريقه المركز الرابع، ثم بريندان روجرز مدرب ليستر سيتي، وأخيراً وليس آخراً أقال تشلسي مدربه الثالث هذا الموسم وهو غراهام بوتر، بعد سبعة أشهر قضاها على رأس النادي اللندني.
ما حدث في نادي تشلسي كان ملفتاً بإقالة الألماني توماس توخيل بداية سبتمبر/ أيلول، ثم غراهام بوتر في بداية مارس بعد فترة وجيزة تدهورت فيها نتائج الفريق، وعاد إثرها نجم الفريق السابق فرانك لامبارد للاشراف عليه مؤقتاً إلى غاية نهاية الموسم، لأن عين الإدارة مصوّبة نحو المدرب الإسباني لويس إنريكي، أو الألماني يوليان ناغلسمان المقال من تدريب البايرن، خاصة أنه أكثر فريق يملك موارد مالية ومهارات فردية تؤهّله للعب الأدوار الأولى كلّ مرة، لكن يبدو أن الأمر صار تقليداً حدث مع المالك للسابق الروسي رومان أبراموفيتش الذي استهلك عشرات المدربين في عهده، قبل أن تتحوّل ملكية الفريق إلى رجل الأعمال الأميركي تود بولي منذ مايو 2022، مستهلكاً أربعة مدربين منذ بداية الموسم الجاري.
العدوى تفشّت وانتشرت لدرجة قد تمس الألماني يورغن كلوب مدرب ليفربول الذي يلعب أسوأ مواسمه منذ ثماني سنوات، إذ يحتلّ المركز الثامن بفارق ثماني نقاط عن المركز الرابع المؤهل لدوري الأبطال قبل عشر جولات على نهاية الموسم، ومع ذلك لم يبدِ تخوّفاً من الإقالة في تصريحاته الأخيرة للصحافة البريطانية التي وصف فيه رقم المدربين المقالين بأنه مروّع، وقال: "أنا آخر الرجال الصامدين، ما زلت على رأس فريقي بسبب ما قدمته على مدى ثماني سنوات، وليس بسبب الوجه الذي ظهرنا به هذا الموسم"، علماً أن كلوب حقّق دوري الأبطال سنة 2019، والدوري المحلي سنة 2020، وكان وصيفاً في 2018 و2022، لكن كل ذلك لن يشفع له في نهاية الموسم في حالة فشله، بل قد يدفعه إلى تقديم استقالته.
عدد المدربين الذين صمدوا مثل كلوب في إنكلترا هذا الموسم لم يتعدّ ثمانية، في سابقة تاريخية تحمل دلالات عن ضغوطات كبيرة يعيشها كل من يحيط بأندية البريميرليغ، لكن الأكيد أن المشكلة ليست في المدربين كلّ مرة، لأنهم ذاتهم من يعودون من بوابات أندية أخرى فيوفّقون أحياناً ويفشلون أحياناً أخرى لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية.