- محمود سلمي، نجم كرة القدم الفلسطينية، اضطر لتربية مولودته في ملعب كرة قدم بعد نزوحه، مما يعكس التحول الدراماتيكي في حياة الرياضيين نتيجة العدوان.
- تحولت أربع من المنشآت الرياضية إلى مراكز إيواء ومستشفيات ميدانية، مبرزة الدور الإنساني لهذه المنشآت في أوقات الأزمات والإصرار على الحياة وإعادة البناء.
خلَّفت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة الكثير من الويلات، منها ما أصاب جسد الرياضة الفلسطينية؛ حيث استشهد 166 رياضياً في المحافظات المختلفة، ودمّر الاحتلال أكثر من 22 منشأة رياضية تدميراً كليًّا، أو جزئيًّا، فيما تحوّل الجزء المتبقّي إلى مراكز إيواء للنازحين، لا سيّما تلك الموجودة وسط وجنوب قطاع غزّة.
ابنة محمود.. "رضعت" كرة القدم!
اضطُر نجم كرة القدم الفلسطينية محمود سلمي (26 عاماً)، إلى أن يربّي مولودته الأولى في ملعبٍ لكرة القدم، بعد أن نزح إلى ملعب الشهيد محمد الدُّرة في دير البلح قادماً من مخيّم الشُجاعية، الذي تعرّض لقصفٍ كبير منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة.
وقال نجم نادي اتحاد بيت حانون لـ"العربي الجديد": "لم أتخيّل حدوث هذا الأمر يوماً ما. جئت إلى الملعب، ولم أعرفه أبدًا، ثم أصبحت نازحاً فيه، بعد أن كُنت لاعباً على أرضه في يوم من الأيام".
ويعتبر محمود سلمي أحد أبرز لاعبي الكرة في قطاع غزّة؛ إذ سبق له خوض تجربة احترافية مع النادي الأهلي المصري، وزامل لاعبين من طراز عالٍ، أمثال المدافع الدولي المصري محمد عبدالمنعم، وحارس مرمى منتخب مصر مصطفى شوبير.
ونشر اللاعب، الذي خاض عدداً كبيراً من اللقاءات على ملعب الشهيد محمد الدُّرة، صورة على مواقع التواصل الاجتماعي لابنته، وهي تتمّ شهرها الثالث، معلقاً عليها: "سيلا ابنتي من داخل الخيمة أتمت شهرها الثالث، وفي أول رمضان لها، إلى هذه اللحظة لم تشهد في عمرها يوماً واحداً آمناً".
وصرح محمود سلمي لـ"العربي الجديد" حول الأوضاع التي يعيشونها في غزة قائلا: "كنتُ أحلمُ باللعب في بطولة كأس آسيا قطر 2023 الأخيرة، وذلك بعد أن قدّمت في الموسم الماضي مستوى مميّزاً مع فريق اتحـاد الشجاعية، ثم انطلاقة جيدة مع اتحاد بيت حانون هذا الموسم، إلى جانب حلمي الأزلي بالعودة لارتداء قميص النادي الأهلي المصري في يوم من الأيام، ولكنني بت أحلم الآن بالعودة إلى منزلي الذي دمّره الاحتلال، فقط هذا ما أريده".
ويشاطر أحد أبرز لاعبي قطاع غزة نزوحه هذه الأيام، عدد من زملائه الرياضيين، وعدد كبير آخر من الجماهير، التي هتفت باسمه طويلاً، في مختلف ملاعب القطاع.
رئيس ناد يطهو طعام النازحين
تشير الأرقام التقديرية إلى تحوّل أربعٍ من المنشآت الرياضية الفلسطينية في قطاع غزّة إلى مراكز إيواء، أو مستشفيات ميدانية، أو مراكز لتوزيع المساعدات على النازحين.
وتحوّل ملعب رفح البلدي جنوبي قطاع غزّة إلى مستشفى ميداني تابعٍ للهلال الأحمر الإماراتي، وهو الملعب الرئيسي لقطبي مدينة رفح (خدمات رفح، وشباب رفح)، فيما تحوّل مقرّ نادي خدمات رفح تحديداً إلى مركز توزيع مساعدات على النازحين من مناطق غزّة المختلفة، ومكان سكنٍ لعدد من الرياضيين.
وقال كارم العطار، رئيس نادي خدمات رفح، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "وجدنا أنفسنا في موقفٍ لا نُحسد عليه أبداً، فقد طاول العدوان كلّ شيء، ونزحت أسرٌ كثيرة إلى مدينة رفح، فكان من الواجب علينا أن نقدّم الخدمات الإنسانية والوطنية والأخلاقية الممكنة لأبناء شعبنا، وهذا هو الدور التاريخي الذي تأسس النادي لأجله في عـام 1951".
وأضاف رئيس النادي، الذي توّج بآخر دوري ممتاز لكرة قدم في قطـاع غزة: "تمكّنا من مساعدة آلاف الرياضيين الذين نزحوا إلى مدينة رفح، بالتعاون مع المطبخ المركزي العالمي (منظمة توزّع الغذاء على أهالي قطـاع غزة)، وعدد من المؤسسات الخيريّة، وذلك بما أمكن من خدمات السكن، أو الغذاء. وأقوم شخصيّاً بمساعدة أعضاء النادي والشباب المتطوّعين في عملية طهو الطعام للنازحين يومياً في مقرّ النادي".
وإلى جانب نادي خدمات رفح، تحوّل مقرّ النادي الجماعي إلى مركزٍ لمساعدة النازحيـن، وأقام- هو الآخر- مطبخاً من أجل إطعـام الأسر التي لا تملك قوت يومها، وقرر عدد من إدارات الأندية المختلفة في جنوب قطاع غزّة توفير مكانٍ لسكن اللاعبين الذين فقدوا منازلهم، فلم تجد أقرب من مقرّاتها للقيام بذلك.
تدمير 28 منشأة رياضية في قطاع غزّة
كانت قوات الاحتلال قد دمّرت ما مجموعه 28 منشأة رياضية في قطاع غزّة والضفة الغربيّة خلال عدوانها الأخير، وكان أبرزها ملعب اليرموك، الذي استخدمه الاحتلال بدايةً مركزاً لاعتقال المواطنين والتنكيل بهم، قبل أن يجرّف أرضيته، ويدمّر أبرز المرافق فيه.
وكان الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم قد ندد بتحويل ملعب اليرموك إلى مركز اعتقال وتنكيل وتحقيق مع أبناء الشعب الفلسطيني من طرف الاحتلال الاسرائيلي. وأشار الاتحاد، في بيانه قبل أسابيع، إلى أن ما جرى خرق واضح وصريح للميثاق الأولمبي وكافة القوانين والمواثيق القارية والدولية، وكجزء من استهدافه للحركة الشبابية والرياضية والكشفية الفلسطينية.
ويشارك عدد من لاعبي قطـاع غزة خلال هذه الأيام منشورات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر ملاعب القطاع، وجماهيرها قبل العدوان، في إشارة واضحـة إلى حسرتهم البالغة على الصور والذّكريات التي عايشوها في هذه الأماكن، قبل أن تتحوّل إلى مراكز إيواء، أو مستشفيات، أو تُمسح كُليًّا.
ويؤمن الرياضيون في غزة بأن باستطاعتهم إعادة ما هُدم خلال حرب الإبادة الحالية على منازلهم ومنشآتهم الرياضيّة، مثلما فعلوا في مرّات سابقة منذ عام 2008، ولكن أكثر ما يخشونه، ألا يتمكنوا من استعادة ذكريات هذه الأماكن عندما تعود، وأن تعلق في ذهنهم صورة الأماكن الأخيرة التي يعيشيون فيها: خيمة، وسرير مستشفى، ونازحون.