يزخر المغرب بعدد كبير من لاعبي كرة القدم المحترفين في القارة الأوروبية من مزدوجي الجنسية، ما يُساهم في تعزيز صفوف المنتخبات المغربية بأسماء تلقت تكويناً كروياً كبيراً في أندية القارة العجوز، وهو الأمر الذي دفع الاتحاد المغربي للعبة إلى الاستثمار أكثر في هذه المواهب من أجل تطوير المستوى العام للمنتخبات، ما جعل فرصة اللاعب المحلي تكاد تكون شبه منعدمة في الانضمام للمنتخب.
وكان الاتحاد المغربي لكرة القدم قد خسر العديد من المواهب ذات الجنسية المزدوجة في السنوات الماضية، على غرار إبراهيم أفلاي وخالد بولحروز وعادل رامي وناصر الشادلي ومروان فلايني وآخرين، الأمر الذي دفع المسؤولين عن كرة القدم المغربية إلى التحرك ووقف نزيف هجرة المواهب.
وانتهج الجهاز المسؤول على الكرة المغربية سياسة اعتماد كشافين في عدد من دول أوروبا التي تشهد وجوداً كبيراً من المواهب ذات الأصول المغربية، مثل هولندا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وذلك لمتابعة هذه الأسماء وإقناعها بتمثيل المغرب على حساب منتخبات المولد والنشأة.
الاتحاد المغربي كسب الرهان واستقطب عدداً كبيراً من اللاعبين في أعمار مختلفة، وهو ما جعل قاعدة الاختيار أكبر أمام جميع مدربي المنتخبات المغربية، بما فيها المنتخب الأول، الأمر الذي شدد الخناق عن اللاعب المحلي وبات من الصعب على لاعبين من أندية مغربية محلية فرض مكانهم مع المنتخبات الوطنية.
وعاش المنتخب المغربي خلال الفترة الأخيرة مع مديره الفني وليد الركراكي واحدة من أفضل فترات الكرة المغربية على مر التاريخ، بعد الإنجاز الكبير في كأس العالم قطر 2022. وكانت للاعبين المحترفين حصة الأسد في تشكيلة الركراكي التي شاركت في المونديال على غرار سابقتها في روسيا 2018، لتتأكد سيطرة مزدوجي الجنسية على قائمة المغرب، وصعوبة فرض اللاعب المحلي لنفسه، الأمر الذي يفرض عليه العمل أكثر وتطوير إمكاناته من أجل الظفر بالصفة الدولية.
كذلك فرضت القاعدة نفسها من جديد داخل المنتخبات المغربية، وذلك بعد أن تكونت تشكيلة المدير الفني عصام الشرعي مدرب منتخب المغرب تحت 23 عاماً من اللاعبين الذين رأوا النور في القارة الأوروبية، وتلقوا تكوينهم الكروي هناك، إذ لم تضم التشكيلة الأساسية للمنتخب المغربي في الكأس الأفريقية الأخيرة التي فاز بها أي لاعب محلي في معظم المباريات، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول جودة التكوين في الأندية المغربية مقارنة بنظيرتها في أوروبا.
ونجح منتخب المغرب تحت 23 عاماً في قيادة محترفيه إلى التتويج بكأس أفريقيا الأخيرة لأول مرة في تاريخه، ما يؤكد علوّ كعب اللاعب المغربي القادم من الملاعب الأوروبية، ويضع الأندية المغربية في موقف حرج، وهي التي لم تعد قادرة على تأمين ولو 30 في المائة من اللاعبين المحليين في المنتخبات، على عكس منتخب مصر الذي خاض نهائي كأس أفريقيا أمام المغرب بتشكيلة محلية 100 في المائة.
ولطالما تسيد هذا التساؤل المشهد في الشارع الرياضي المغربي، حول المنافسة الكبيرة بين اللاعب المحترف والمحلي في المنتخبات المغربية، غير أن الإنجازات الأخيرة التي ساهم فيها اللاعبون المحترفون بنسبة كبيرة، دفعت المطالبين بضم اللاعب المحلي للاعتراف بقيمة الأسماء ذات التكوين الأوروبي.
واستثمر الاتحاد المغربي كثيراً في الكشافين الذين اعتمدهم في بعض الدول الأوروبية، بعد أن نجح في خطف العديد من المواهب الكروية، بل اضطر اتحاد الكرة البلجيكي ومعه الهولندي إلى دق ناقوس الخطر، لدرجة أن بعض التقارير الإعلامية البلجيكية طالبت اتحاد الكرة بعدم منح الفرصة للمواهب ذات الأصول المغربية مستقبلاً، بحجة أنها ستختار المغرب في نهاية المطاف.
وشكل انضمام بلال الخنوس وأنس الزروري وزكرياء أبوخلال وبنيامين بوشواري وغيرهم ضربة قوية للاتحادين البلجيكي والهولندي، كما أن الإنجازات الكروية المغربية الأخيرة كانت مغرية بالنسبة لمواهب أخرى انضمت إلى المنتخبات المغربية للفئات العمرية رغم الضغوطات التي عاشتها من اتحادات كروية أوروبية.
وسيكون اللاعب المغربي المحلي في وضعية صعبة ووسط منافسة شرسة تدفعه لتطوير مستواه أكثر لضمان مكانته مع المنتخبات المغربية على حساب أسماء أخرى من مزدوجي الجنسية، كما فعل الظهير الأيسر يحيى عطية الله ومتوسط ميدان الوداد الرياضي يحيى جبران، بحكم أن الفرصة لن تكون في متناول الجميع.
ويُواصل الاتحاد المغربي سياسته بالتواصل مع مواهب جديدة من أصول مغربية، ويُتابع جميع الأسماء بتقارير أسبوعية من أجل تطوير مستوى المنتخبات المغربية مستقبلاً، خاصة أن الرهان الأكبر أمام أسود الأطلس يبقى التتويج بلقب كأس أفريقيا للأمم الغائب عن الخزائن المغربية منذ عام 1976.
من جهتها ترى فئة عريضة من الجمهور المغربي أن المحترفين المغاربة في الخارج ليست لهم الإمكانات البدنية والتكيف الخاص مع الأجواء الأفريقية، مطالبين بضرورة الاعتماد على بعض الأسماء المحلية في المنتخبات المغربية، خاصة من أندية الرجاء والوداد البيضاويين ونهضة بركان والجيش الملكي، بحكم الخبرة الأفريقية التي يتمتعون بها من خلال مشاركتهم مع أنديتهم في العديد من المباريات بالمسابقات القارية.
وفشل منتخب المغرب في تحقيق نتائج إيجابية في جميع النسخ الأفريقية السابقة باستثناء دورة تونس عام 2004 التي بلغ خلالها النهائي، رغم توفره على لاعبين محترفين يلعبون في أندية أوروبية كبيرة، ليبقى هذا المعطى بمثابة الأمل الوحيد للاعب المحلي، إذ إن مدربي المنتخبات المغربية قد يضطرون لتوجيه بوصلتهم صوب بعض الأسماء المحلية لتطعيم المنتخبات بالنظر لخبرتها في القارة السمراء.