تعتبر كرة القدم لعبة غير مكتملة الأركان، يظل دائماً هناك جزء ما ناقص، أو فكرة لم تظهر بعد، لذلك هي لعبة للواقعيين والمبتكرين، ويظل الصراع مستمراً بين القطبين حتى النهاية. ومع تخصص اللعبة أكثر في السنوات الأخيرة، أصبحت هناك ظاهرة منتشرة في معظم الملاعب الأوروبية، فكرة اللعب بثنائية الارتكاز أي وضع لاعبيّن أمام خط الدفاع وخلف لاعبي الهجوم، لكن ظلت هناك حالة تمرد بسيطة قادتها بعض الفرق الأوروبية، ولعبت بثلاثة لاعبين في منطقة المنتصف، كحل سحري للسيطرة والتحكم في مجريات اللعب.
ومع توغل وانتشار طريقة لعب 4-2-3-1 في ملاعب أوروبا خلال بداية الألفية الجديدة، استمرت فرق في اللعب بالخطة الأمتع الخاصة بثلاثية الوسط، 4-3-3 حيث الكرة الشاملة في هولندا والمتعة الكتالونية في برشلونة. كذلك أصبحت معظم الفرق الايطالية تلعب بثلاثي دفاعي وخماسي في الوسط ما أدي الي وجود ثلاثة لاعبين أيضأ في الوسط مع جناحين على الطرف.
مرونة تكتيكية
ونجد أيضاً في 4-2-3-1، أنه ليس من الضروري أن يكون اللاعب رقم عشرة صانع لعب حديث، بل أحياناً يظل لاعب وسط هجومي ثالث مع ثنائي المحور في الارتكاز وبالتالي فإننا نشاهد ثلاثة لاعبين بالوسط في انسجام مستمر فيما يعرف بالثالوث المحوري.
وبتطبيق الخطة على لاعب الوسط سيسك فابريجاس وقت دفاعه عن ألوان قميص أرسنال الإنجليزي مع الثنائي جاك ويليشر وألكسندر سونج في الوسط، كان هناك ثنائية بين الإنجليزي والكاميروني في الارتكاز، بينما يعود فابري من المركز رقم 10 إلى الوسط قليلا ليشكل مثلثاً مع اللاعبين، ليكون ثنائي ارتكاز زائد واحد، الثالوث المحوري على الطريقة اللندنية.
وقام سكولاري في كأس القارات بتغيير تقليدي طوال البطولة، بخروج أوسكار والدفع هيرنانيز، حيث يمتاز نجم لاتسيو وإنتر بقدرته على التفوق في خط الوسط الثلاثي. خاصة وأن أوسكار صانع لعب متطور لكن هيرنانيز لاعب وسط هجومي يعود لمساندة لاعبي الارتكاز، لتتحول طريقة لعب السيلساو وقتها من 4-2-3-1 الي 4-3-3.
مورينيو ورحلة النجاح
قدم البرتغالي جوزيه مورينيو نجاحات كبيرة مع بورتو ثم تشيلسي في الولاية الأولى بطريقة لعب تعتبر مزيجاً بين 4-3-3 و4-1-2-3 أي اللعب بثلاثي صريح بمنتصف الملعب. أغلق "الاستثنائي" منطقة ارتكاز بورتو تماماً في دوري أبطال أوروبا 2004 بثلاثة لاعبين، كوستينها مع مانيش ومعهما تياجو مينديز وفي الأمام أندرسون ديكو، تركيبة ضمنت التحكم في عرض الملعب وطوله أمام الفرق الكبيرة وحرثت الأرض أمام البرتغالي لقنص الأخضر واليابس فيما بعد.
ومع انتقاله إلى تشيلسي، حصل مورينيو على خط وسط حديدي في البدايات، ميكاليلي كارتكاز متأخر أمام رباعي الدفاع، والانتداب الأهم مايكل إيسيان كلاعب ارتكاز مساند بين الدفاع والهجوم، ويفيد الفريق كثيراً في التحولات السريعة أثناء المباراة، مع فرانك لمبارد لاعب الوسط الثالث الذي يصنع الأهداف ويسجلها ليصبح بعد ذلك الهداف التاريخي لنادي تشيلسي.
ليفربول ورحلة بينيتيز وميلان العصر الذهبي
قدم ليفربول تحت قيادة رافائيل بينيتيز وخط الوسط الحديدي، مباريات ملحمية في بطولة دوري أبطال أوروبا. فكان خافيير ماسكيرانو لاعب الوسط الدفاعي خاطف الكرات البارع في العرقلة المشروعة، وأمامه تشابي ألونسو لاعب الارتكاز المساند الذي يمرر الكرة من أي زاوية والى أي مكان، بينما كان جيرارد القائد المنطلق إلى الأمام. بتحركاته الحاسمة والمبتكرة، هكذا كانت خلطة الإسباني التكتيكي بينيتيز في محاولته لإعادة ليفربول إلى الواجهة من جديد.
بالحديث عن أفضل خطوط الوسط الأوروبية، يجدر ذكر جيل ميلان 2003 والوسط الفولاذي، المكون من جاتوزو وأندريا بيرلو، لاعبي الارتكاز، رجل الغابة يقطع الكرات والمايسترو يحولها إلى الأمام، مع لاعب الوسط الثالث كلارينس سيدروف الذي يلعب بحرية في الملعب، تجده في كل مكان، ثلاثي قاد الميلان إلى دوري أبطال أوروبا مع صانع اللعب روي كوستا والمهاجمين أندري شيفيتشينكو وفيليبو إنزاجي. ثم دخول ماسيمو أمبروزيني رفقة بيرلو وجاتوزو، وتقدم سيدورف مع كاكا خلف الهداف الإيطالي في رحلة الحصول على "تشامبيونز" عام 2007.
يوفنتوس والتفوق المحلي
نجح كونتي مع اليوفي محلياً في الفوز بعدة ألقاب متتالية، طريقة اللعب بـ 3-5-2 أفادت اليوفي كثيراً في الدوري وسار على خطاه بعد ذلك معظم الفرق الإيطالية. قوة السيدة العجوز خلال الموسم الماضي لم تكن في خط الهجوم ولا في الدفاع بل في ديناميكية وتناسق ثلاثي الوسط، كلاوديو ماركيزيو، أرتورو فيدال، بيرلو.
بات بيرلو "الريجستا" الإيطالية، لاعب الوسط الذي يتمركز أمام خط الدفاع لاستلام الكرة وتحويلها الي الهجوم، فيدال "البوكس تو بوكس" الذي يحرث الملعب ذهاباً وإياباً، ماركيزيو لاعب الوسط الحر الذي يقدم الإضافة الهجومية ويساند زملاءه في منطقة المحور، ثلاثي يلعب بديناميكية كبيرة. وبالتالي مع طريقة اللعب 3-5-2، أصبحت هناك متلازمة اللعب بثلاثي صريح بمنطقة المنتصف.
برسا جوارديولا
لعب خط وسط برشلونة في عهد الإسباني بيب جوارديولا، بطريقة تسمي "المحور الكامل". ثلاثي وسط يدافع ويهاجم معا، يملك مهارة اللعب في مناطق ضيقة، التمرير بدقة عالية ومرونة في الأداء، "التيكي تاكا" كما وصفها الإعلام في أبهى صورة كروية ممكنة. الثلاثي بوسكيتس، تشافي، إنيستا، حققوا العلامة الكاملة في الفترة ما بين 2008 إلى 2012، فقد كشف "بيب" في تلك الفترة "البلوجرانا" عن عبقرية خط الوسط ليستحوذ على الكرة ويحرم أوروبا كلها منها لسنوات متتالية.
طُرد بيب من جنة برشلونة بسبب ضعف بنيانه وافتقاره الى الجوانب البدنية، عندما كان لاعبا. وعاد جوارديولا كمدرب من جديد، ليبدأ الاعتماد على لاعب الارتكاز الممرر، اختفي اللاعب البدني القوي واصبحت كل الفرق تحاول الحصول على شبيه بوسكيتس، الذي نجح في التمركز بشكل عبقري خلف كل من تشافي لاعب الدائرة، وإنييستا صناع اللعب الساحر الذي يفعل غير المتوقع، ليقود الثلاثي وسط برشلونة ويصنع الفارق برفقة النجوم الكبار في الطريق نحو صناعة أفضل فريق في التاريخ من وجهة نظر شيخ المدربين، السير أليكس فيرجسون.