كحال كرة القدم وكرة السلة، لكلّ شخصٍ ومتابع في أي رياضة أسطورته الخاصة، وهذا الأمر بطبيعة الحال ينطبق على عالم التنس الحديث والقديم.
بالنسبة للعديد من متابعي هذه الرياضة، فإن الأميركي بيت سامبراس يُعتبر الأفضل (14 لقب غراند سلام)، فيما يُفضل آخرون مواطنه أندريه أغاسي (8 ألقاب في الدورات الكبرى)، وتطول القائمة بالأستراليين روي إيمرسون ورود لافر في ستينيات القرن الماضي (12 و11 لقباً) مروراً بالأميركي بيل تيلدن جيمي كونورز، وصولاً للاعب البريطاني الشهير، وأكثر الإنكليز فوزاً بالألقاب فريد بيري (8)، وختاماً باللاعبين السويدي شتيفان بورغ (11) والتشيكوسلوفاكي إيفان ليندل.
بعد كلّ ما سبق ندخل من بوابة بطولة ويمبلدون التي تُختتم اليوم على ملاعب عموم لندن بين السويسري روجر فيدرير والصربي نوفاك ديوكوفيتش، ولكلٍ منهما أحلامٌ خاصة.
بالعودة إلى المقدمة، وأسبابها، هي كانت منطلقاً للحديث عن أنه رغم الأرقام التي ذُكرت، وما حققه أولئك النجوم خلال مسيرتهم، لا يُمكن أبداً إلا أن نصف الثلاثي فيدرير وديوكوفيتش والإسباني رافائيل نادال بالأفضل تاريخياً للعديد من الأسباب.
تطورت كرة المضرب بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، مع تحسّن طرق التدريبات وحصول لاعبي الصف الأول على عائدات مالية أكبر وعقود من شركات الإعلانات، مما ثبّت أقدامهم في الملاعب أكثر.
يوم الجمعة، خاض نادال أمام فيدرير مباراة نصف النهائي، وخسر بعد مباراة وصفها المتابعون بإحدى أجمل النسخ، مع العلم أن بعض المباريات الأخرى طالت أكثر وكانت ربما أفضل فنياً ومتعة، لكنها من دون شك تبقى مميزة للغاية.
فيدرير الآن يُمنّي النفس بلقبٍ تاسع في ويمبلدون وتوسيع الفارق عن أقرب منافسيه الذين ابتعدوا عن عالم التنس، وهو أيضاً يرغب في الوصول إلى اللقب رقم 21 في مسيرته بالغراند سلام، ورفع الفارق بينه وبين رافا إلى 3، إذ حقق الإسباني 18 لقباً آخرها في البطولة المُسجلة باسمه رولان غاروس الفرنسية على الملاعب الترابية، إضافة إلى أن نولي الأصغر بين الاثنين فاز بـ16 لقباً.
الوحيد الذي قد يقترب من فيدرير في ويمبلدون هو خصمه في النهائي، نوفاك ديوكوفيتش الذي أطاح الإسباني روبرتو باوتيستا أغوت في نصف النهائي، ليخوض المباراة الختامية على الملاعب العشبية في الـ"Centre Court"، الذي يتسع لحوالي 15 ألف متفرج، للمرة السادسة في تاريخه.
أرقام نولي تدعو فيدرير إلى التنبه جيداً، اللاعب الصربي حقق اللقب في 4 مناسبات من أصل 5 ممكنة في ويمبلدون، أما السويسري فسيدخل اللقاء متسلحاً بخبرته وبتجاوز نادال للمرة الأولى في نصف نهائي إحدى الدورات الكبرى، هو دافعٌ مهم له، لا سيما أن الجميع تحدث قبل مواجهة الجمعة عن نهائي 2008 بينه وبين رافا، عن تلك الملحمة الأسطورية التي انتهت بفوز الماتادور 6-4 و6-4 و6-7 (5-7) و6-7 (8-10) و9-7.
فيدرير يعترف دائماً أن اللعب أمام نادال ممتع وصعب، واصفاً إياه بالاستثنائي، لكن كلماته عن نوفاك تبدو الأكثر دقّة، "هو مثل الصخرة، أنا متحمسٌ جداً".
من المهم أن تعرف قوة خصمك وتقدّرها جيداً. في عمر الـ37 عاماً، يعلم فيدرير أن المباراة كلّما طالت ازدادت مهمته صعوبة، خاصة أنه الأقل اعتماداً على الضربات القوية، إذ يتمتع بموهبة خارقة للعادة تميزه عن الاثنين، وهذا لا يعني أن نادال أو ديوكوفيتش لا يتمتعان بموهبة خارقة للعادة.
يُحاول فيدرير في الفترة الأخيرة، بنسبة كبيرة، الابتعاد عن الجري والاقتراب من الشبكة، رغم مهارته الكبيرة في إرباك الخصم ووضعه في موقفٍ مُحرج أمامها. التقدم والعودة للخلف والركض يميناً ويساراً، ينتج عنهما حملٌ بدني مُضاعف، ولن يكون لمصلحته فعل ذلك أمام ديوكوفيتش الذي يتفوق عليه من الناحية البدنية.
نوفاك لاعب ذو حدين تجاه نفسه، لديه ميزة خطيرة، قد تقضي على خصومه من البداية أو عليه في أي لحظة، هي نوعٌ من التركيز الذهني والحضور العالي من الناحية الإيجابية والغضب والتوتر في ثوانٍ معدودة للخروج من الحالة الأولى وخسارة أي مباراة.
دائماً ما يُحضر ديوكوفيتش نفسياً وذهنياً أكثر من غيره للمباريات، لكنه يخرج في بعض الأوقات عن النص، كأن يصرخ ويحطم مضرباً بسبب كرة أساء لعبها، مما يدفعه إلى التراجع، وهنا يأتي دور الخصم، هل ينجح في استغلال تلك الهفوة قبل استعادة وعيه الكامل والعودة إلى الحالة الطبيعية؟ في الحقيقة أمام فيدرير فرصة واحدة فقط كافية لتنهي الأمور، فالسويسري الهادئ بطبعه يقودك إلى لعبته المفضلة "التنويم المغناطيسي"، يجعلك تخرج كلّ ما عندك ولا يتفاعل بشكلٍ هستيري مع كراته، فمن أهم أسباب نجاح أي لاعب تنس في العالم، إضافة إلى التدرب والموهبة، يأتي التركيز في المقام الأول، حتى لو كنت متأخراً في النتيجة أو لم تسر الأمور معك على مستوى النقاط والضربات بشكلٍ جيد.
على مستوى الأرقام ومواجهات اللاعبين، يتفوق نولي بفارق 3 مباريات، بعدما فاز في 25 مناسبة مقابل 22 خسارة، والأمر عينه ينطبق على اللقاءات التي جمعتهما في البطولات الكبرى، بواقع 9-6، وكذلك في بطولة ويمبلدون العشبية 2-1.
يُذكر أن ديوكوفيتش يحتل المركز الأول عالمياً في التصنيف ويمتلك 74 لقباً (السادس تاريخياً في عصر الاحتراف)، بينما يأتي فيدرير في المرتبة الثالثة عالمياً في الوقت الراهن، ويمتلك في رصيده 102 لقب (الثاني في التاريخ بعصر الاحتراف) خلف الأميركي جيمي كونورز (109)، الذي اعتزل في التاسع والعشرين من شهر إبريل عام 1996.