"نعم نستطيع العودة، هذا لا أراهن عليه معكم، لأنكم مثلي تماماً تؤمنون بها، لكنني سأقولها لكم ونلتقي بعد المباراة، سأسجل هدفين في مرمى باريس، وأقدم واحدة من أجمل مبارياتي على الإطلاق، غداً نلتقي وبعد المباراة ستقفون جميعاً وتقولون بصوت واحد، نيمار كان على حق!". دارت هذه المحادثة -وهي بالمناسبة ليست من وحي الخيال- قبل ساعات قليلة من إياب ثمن نهائي دوري الأبطال بين برشلونة وسان جيرمان، حينما أنهى الثلاثي ميسي وسواريز ونيمار التدريب الأخير، ودخلوا في دردشة سريعة كعادتهم، كل شيء متوقع وعادي لولا كلمات البرازيلي التي حدثت بالفعل وبكامل حذافيرها داخل أرض الملعب.
نجم كبير
تعرض نيمار لحملة انتقادات قوية بداية الموسم الحالي، لدرجة تفضيل البعض للتركي توران عليه، وخرجت مطالبات قوية بوضعه على دكة البدلاء خلال المباريات الكبيرة. وتضاعف الهجوم على البرازيلي بعد كلاسيكو الكامب نو بين البارسا والريال، بعد تعادل راموس في الدقائق الأخيرة، قبل لحظات بسيطة من فرصة ميسي الضائعة، ومراوغة نيمار داخل منطقة الجزاء لكارفخال ووضعه للكرة خارج المرمى. وقتها رأس الرقم 11 باتت مطلوبة على رأس قائمة الغضب الجماهيري، إنه لاعب سلبي لا يسجل كثيراً، يراوغ ويستفز خصومه ولا يفعل شيئاً أكثر من ذلك، هكذا كانت الكلمات خارج الملعب وفي المدرجات.
في مباراة الكلاسيكو، قدم نيمار عرضاً كروياً رفيع المقام، كان أفضل لاعبي إنريكي خلال المواجهة، لكن الجمهور فقط تذكر لحظة إضاعة الفرصة السهلة، ونسي ما فعله البرازيلي من مهارة ومراوغة ونقل الهجمة من الوسط إلى قلب الهجوم، لدرجة أن معظم فرص الكتالان جاءت عن طريق الجبهة اليسرى التي يتمركز فيها، ويبدأ استعراضه من الخط الجانبي حتى دخوله إلى العمق، للمساندة مع سواريز وميسي كالعادة.
في أسوأ فترات الجناح الأيسر تجده يحاول، صحيح يقوم بإضاعة فرص سهلة في بعض المباريات، لكنه لا يتوقف أبداً عن صناعة الخطورة، وهذا ما يميزه عن كل أقرانه بلا استثناء، لأنه يملك صفة اللاعب الكبير كميسي ورونالدو وقلة قليلة من النجوم الكبار، من يقدرون على الإتيان بالأشياء غير المتوقعة في أصعب اللحظات، لذلك تصارع عليه برشلونة وريال مدريد بقوة في 2013، وخطفه الأحمر والأزرق بمبلغ فلكي وطريقة لا تزال حاضرة في المحاكم حتى يومنا هذا.
الخطة الجديدة
لعب نيمار طويلاً كجناح أيسر صريح وضلع رئيسي في مثلث الـ MSN، يلعب أكثر في نصف ملعب الخصوم، يستلم الكرة بالقرب من المرمى، يبدأ المراوغة ثم التمرير أو التسجيل، ليركز فقط على الهجوم ولا شيء سواه. يهاجم البرازيلي باستمرار ولا يعود إلى مناطقه كثيراً، يتم انتقاده فقط عندما يتسبب في إضاعة هدف سهل، أو يرتبك ويفقد توازنه قبل تسديد ضربة جزاء، وظل لفترة طويلة منذ موسم الخماسية في المركز الثالث على مستوى التأثير بعد ميسي وسواريز، على الأقل من ناحية الأرقام والإحصاءات.
بعد الهزيمة بالأربعة في حديقة الأمراء، قرر إنريكي التحول من 4-3-3 إلى 3-4-3 الجوهرة، والرهان على شكل تكتيكي جديد بعد صعوبة البناء من الخلف، وتعرض الفريق لسقطات متكررة أمام الفرق التي تضغطه من مناطقه، ليسقط بسهولة أمام باريس ويفقد نقاطاً سهلة في بطولة الليغا أبعدته قليلاً عن الواجهة حتى العودة الأخيرة. ومع رسم لوتشو الجديد، زادت قيمة نيمار بشدة ليصبح هو النجم الأول في التكتيك الجديد، ليس فقط على مستوى الهجوم ولكن ليشمل نقاطاً أخرى خلال المباراة.
يبدأ البارسا الهجمة بثلاثي دفاعي صريح، بيكيه وأمتيتي وماسكيرانو أو ألبا، مع وضع ثنائي من لاعبي الوسط على الأطراف، إنييستا وراكيتيتش يساراً وبينهما بوسكيتس في العمق وأمامه ميسي كرقم 10 صريح، بينما في المقدمة يتمركز نيمار ورافينيا بعيداً تجاه الخط، وسواريز كرقم 9 صريح داخل صندوق العمليات، هكذا كان التصور على الورق قبل القمة، لكن داخل الملعب قام اللاتيني بوظائف أخرى سهلت مهمة فريقه كثيراً.
الظهير الجناح
يدخل إنيستا كثيراً في عمق الملعب، ليصبح لاعب وسط ثالث بجوار بوسكيتس وماسكيرانو، من أجل سحب وسطباريس بعيداً عن مرماه، وخلق الفراغ اللازم لاستلام ميسي الكرة في مناطق خطيرة. ونتيجة لهذا التغيير المنشود بالنسبة لإنريكي، أخذ بوسكيتس مسؤولية مضاعفة في التغطية خلف رافينيا بالتبادل مع ماسكيرانو وراكيتيتش، بينما تكفل نيمار بالجبهة اليسرى دفاعياً بالتعاون مع أومتيتي، بسبب ضعف القائد إنيستا في هذا العمل.
تحول اللعب أكثر إلى رسم قريب من 3-5-2، بصعود ميسي كمهاجم متأخر خلف سواريز، وشغل رافينيا ونيمار لدورالـ Wing Backs يساراً ويميناً، لجعل لاعبي الوسط في وضع أفضل على مستوى التمركز والتمرير. لم يكتف الجناح بالدور الهجومي المتوقع منه، لكنه عاد كثيراً أثناء المرتدات، وتحول إلى ظهير أيسر صريح يقطع الكرات ويسمح لزميله الفرنسي بالدخول إلى قلب الدفاع بجوار بيكيه، خصوصاً بعد مشاركة دي ماريا ورغبة سان جيرمان في التسجيل.
رقمياً، قام نيمار بعمل 3 محاولات عرقلة مشروعة من أصل 4، ونجح في قطع 6 كرات واستعادتها خلال التسعين دقيقة، وبالتالي أدى اللاعب جزءاً من دور الظهير الأيسر من دون الكرة، مع حمله الفريق على عاتقه خلال لحظات الحسم، بتسجيله الهدف الرابع من ركلة حرة، ثم تحقيق الخامس بضربة جزاء، وأخيراً صناعة هدف الحسم والعبور لروبرتو، غير أنه المتسبب في الهدف الثالث بعد عرقلته داخل المنطقة، وبالتالي تسبب النجم في كل أهداف برشلونة خلال الشوط الثاني، لينجح بقوة في تحقيق رهانه أمام أصدقائه.
حلول مؤثرة
ميسي لم يكن في يومه رغم تسجيله لهدف وصناعته لكرة سواريز الذي حصل منها على ضربة جزاء، ورغم ذلك نجح برشلونة في تسجيل ستة أهداف أمام فريق من أقوى مجموعات أوروبا هذا الموسم، وقادم إليه متقدماً بالأربعة. كل هذه الأمور تؤكد حقيقة واحدة فقط، أن الفريق الكتالوني استحق تماماً الصعود، وأجاد طاقمه الفني الإعداد للقمة جيداً، حتى وإذا ساعدته بعض الظروف والحظ، وهذا أمر طبيعي في مثل هذه الأحداث.
اللعب بثلاثي خلفي يتحول إلى خماسي رهان إيجابي، لأن الفريق أصبح يصعد أفضل بالكرة تحت الضغط، بسبب وجود لاعب وسط بجوار رافينيا أو روبرتو، وعودة نيمار لمساندة زملائه، وبالتالي في حالة ضعف تمركز المنتصف، يبقى الحل حاضراً بالمراوغة والمهارة وهزيمة الخصم في موقف 1 ضد 1 على الخط، لينجح فريق لوتشو في تقليل مخاطر فقدان الكرة بنصف ملعبه كما جرت العادة مؤخراً، في أسوأ الأحوال ستعبر الكرة الخط الجانبي ويتوقف اللعب للحظة.
نجح باريس في التسجيل عن طريق كافاني لكن ليس عن طريق الضغط المرتد ولكن من ضربة ثابتة، حتى أخطر الفرص بواسطة الريشة الأرجنتينية أنخيل جاءت بالهجمة المرتدة، وبالتالي لم يتفوق أصحاب الأرض بالتسجيل والتهديف فقط، لكن أيضاً بتقليل خطورة المنافس أثناء الضغط أملاً في قطع الكرات وهز الشباك بأقل عدد من التمريرات، كهدف دراكسلر في مباراة الذهاب في فرنسا.
صديق البطل
إذا كان نيمار هو نجم المباراة الأول بسبب أحداثه، فإن كل فريق برشلونة قدم مباراة جيدة إلى ممتازة حتى صافرة الحكم. تير شتيغن كمثال تصدى لكرة خطيرة في الشوط الثاني، وبيكيه وماسكيرانو قدما أداء مميزاً، كذلك صنع كل من توران وراكيتيتش وغوميز وإنييستا وروبرتو الكثير، بالإضافة إلى لحظات حسم ميسي وسواريز، لكن لاعباً آخر تماماً يستحق لقب صديق النجم، إنه الفرنسي أومتيتي الذي قدم شهادة اعتماد رسمية أمام الجميع.
تطور صامويل كثيراً في التمرير والتمركز الإيجابي، ليتحول من مجرد قلب دفاع قوي في ألعاب الهواء، إلى نسخة المدافع الكل في الكل على طريقة أبيدال مع بارسا بيب، نصف مدافع صريح ونصف ظهير أيسر، من أجل فتح الملعب عرضياً وتمديده أثناء ضغط المنافس. وتضاعف دور الفرنسي في جزء التمريرات العمودية المباشرة من الخلف إلى الأمام، ليفتح قناة اتصال مباشرة مع زميله نيمار أثناء معظم فترات الشوط الثاني.
قام إنيستا بدور الحاجز الخادع ومن بعده روبرتو، نسخة وسط تتحرك كثيراً من دون الكرة، أو تقوم بدور المساند بين كل من أومتيتي ونيمار، ليمرر المدافع الثالث الكرة إلى زميله البرازيلي، ويبدأ برشلونة شن هجماته بطريقة أسرع على اليسار. نجحت الفكرة نظرياً بقوانين الكرة، لكنها حصلت على تقدير أسطوري بعد العودة الإعجازية في آخر الدقائق، لقد كانت ليلة برشلونة على حق.