قطع الريال شوطاً كبيراً نحو التأهل إلى ربع نهائي دوري الأبطال، بعد نجاحه في العبور من محطة نابولي بثلاثة أهداف مقابل هدف، ضمن مرحلة الذهاب على أرضه ووسط جماهيره. وعلى الرغم من تقدم الضيوف مبكرا في النتيجة، إلا أن فريق زيدان عرف من أين تُحسم هذه المواجهات، بسبب وفرة العناصر الجاهزة وشخصية نجومه أمام المرمى.
الرجل الحر
يعتبر نابولي من أفضل فرق أوروبا في عملية البناء من الخلف، يستخدم ماوريزيو ساري مدافعيه بشكل مثالي، بعد نجاحه في خلق حالة من الجرأة الواضحة في التمرير من أي مكان بالملعب، لذلك يحصل اللاعبون على المبادرة تحت الضغط، ولا يفكر أحدهم في التشتيت إلا في أضيق الظروف، هذه طبيعة مدرب نقلها عبر التدريبات إلى فريقه بالتدريج.
وتمثل لقطة الهدف الأول خلاصة عمل ساري التكتيكي، فالكرة لا ترتبط فقط بخطأ الحارس نافاس، بل في العمل الكبير من دفاع الطليان، في تبادل التمريرات بنصف ملعبهم بطريقة عرضية، من لاعب إلى آخر ومن قدم لقدم، حتى تحين اللحظة المناسبة لتنفيذ الكرة العمودية، التي تضرب أكثر من خط تجاه نصف ملعب الفريق الآخر، من كوليبالي إلى المهاجمين مباشرة دون سابق إنذار.
ميرتينس هو المهاجم المزور لأنه لاعب وسط من الأساس، يتمركز بالقرب من دفاعات الريال، ثم يعود سريعا إلى دائرة المنتصف، كل هذا لسحب الدفاع بعيدا عن مناطقه، قبل أن يمرر الكرة سريعا إلى لاعب الدائرة، والذي يمررها بدوره إلى اللاعب الثالث المنطلق دون رقابة، لقد حصل إنسيني على وظيفة "الرجل الحر"، ونجح فريقه في خلق هذا الموقف ليسجل في البدايات خارج أرضه وبعيدا عن جماهيره.
القيمة المضافة
يتفوق ريال مدريد على كل منافسيه تقريبا بسلاحي الكرات الثابتة والتسديدات من بعيد، إنه أحد الفرق التي سجلت كثيرا من خارج منطقة الجزاء هذا الموسم، ولعبت الرأسيات دوراً محورياً في عودته إلى المباريات من جديد. ومع تقدم نابولي في النتيجة وحصول الضيوف على الثقة، استخدم زيدان سريعا استراتيجيته الناجحة، بتقدم الظهيرين إلى الأمام ولعب العرضيات داخل منطقة الجزاء.
ما يجعل طريقة لعب الريال صعبة، على الرغم من أنها متوقعة، هو الكم الكبير من اللاعبين داخل منطقة الجزاء، بعد تحول كل من خاميس ورونالدو من الطرف إلى العمق، واللعب بثلاثة مهاجمين دفعة واحدة، لذلك قام رونالدو بدور الحاجز في الهواء، وسجل بنزيمة هدف العودة من جديد، لذلك يحتاج فريق العاصمة الإسبانية إلى الظهيرين في مبارياته، خصوصا مع قوة كاربخال في العرضيات، ومارسيلو في الاختراق من الطرف.
ومع قوة ريال مدريد على الأطراف، ظهرت مشكلة حقيقية لنابولي في هذا الجانب، بسبب ضعف أظهرته في المقابلة السريعة وكسر الهجمات قبل أن تصل إلى الثلث الأخير، وصنع رونالدو خطورة كبيرة عندما ترك الهجوم وعاد إلى مناطق أسفل الأطراف، ليخلق موقف 2 ضد 1 أمام فوزي غولام، مع ضعف إنسيني في الارتداد السريع إلى مناطقه، وكان الهدف الثاني قريبا لولا العارضة التي منعت كريم من التسجيل مرة أخرى.
وسط خبير
سجل كاسيميرو هدفاً رائعاً وصنع حماية مضاعفة لوسطه أثناء الحيازة، وسيطر الريال تماما على مجريات اللعب في الشوط الثاني، بسبب قدرات الثنائي كروس ومودريتش، لتلعب الخبرة دورا رئيسيا في إنهاء المباراة مبكرا. وارتكب ساري هفوة مؤثرة بعد عودة أظهرته للعمق، واعتماده على الجناحين كاليخون وإنسيني في مراقبة مارسيلو وكاربخال على الطرفين، وفق ما أكده أيضا الخبراء عبر مدونة "شبيلفيرلا" الألمانية، ليجبر ثنائي الوسط على مقابلة حامل الكرة من دفاع الريال أو ارتكازه.
وأدت هذه التغييرات إلى خلق فراغات كبيرة في وبين الخطوط، بين هامسيك وإنسيني يسارا، وزيلينسكي وكاييخون يمينا، ليحصل مودريتش وكروس على الحرية الكاملة، وعلى الكرات في مناطق خطيرة دون رقابة. صحيح أن ساري نجح في تقليل خطورة ظهيري الريال، لكنه فتح الطريق أمام تعملق خط وسط منافسه، ليصنع مودريتش فرصاً بالجملة، ويتقدم كروس دون خوف، لدرجة أنه سجل هدفا بكل سهولة دون رقابة.
يمثل وسط الريال نقطة قوته الأولى أوروبيا، ويستطيع معه الوصول بعيدا في دوري الأبطال، لأن الفريق لا يسجل فقط عن طريق مهاجميه، بل يفوز كثيرا بسبب قوة لاعبي الارتكاز في الصناعة والتهديف، وبالتالي يستطيع المواصلة على هذا النسق في مباريات الذهاب والإياب، لأنه قادر دائما على هز الشباك، سواء على أرضه أو بعيدا عنها.
الجانب الآخر
وعلى الرغم من أن نابولي قدم مباراة ضعيفة مقارنة بأدائه المميز هذا الموسم بالدوري، إلا أن هذا الأمر كان متوقعا، لأن الأجواء في دوري الأبطال أصعب، ومنافس بحجم الريال أكثر خبرة وتكيفاً مع الأوضاع، لذلك هو الأقرب للصعود إلى الدور المقبل، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة عودة ساري إلى قواعده الأصلية، بالرهان على لعبة التحولات ونقل الكرة بسرعة من جانب إلى جانب.
في البرنابيو، افتقد الطليان إلى السرعة المعهودة، وكانت التحركات ضعيفة في الشق الهجومي، ليكتفي اللاعبون بالتمرير فقط في نصف ملعبهم، ما جعلهم أضعف هجوميا وأثر على الأداء النهائي دفاعيا، من خلال العودة المبالغ فيها للخلف، وإجبار الأجنحة على القيام بدور الظهيرين، ما جعل الأمر مستحيلا أمام لاعبي الوسط، في التغطية على مساحة كبيرة داخل منتصف الملعب.
من الصعب تحديد بطل هذه النسخة من الآن، لكن الريال يملك حظوظا قوية للاحتفاظ باللقب، نظرا لكم النجوم داخل تشكيلة هذا الفريق، ووجود بدائل قوية قادرة على تغيير وقلب المجريات في لحظات الحسم، إلا إذا كان لبقية المنافسين رأي مغاير، بكل تأكيد الجولات المقبلة ستحسم أسئلة عديدة حول هوية بطل أوروبا لهذا الموسم.