بدايةً، سُربت في الشهر الفائت وثائق تكشف عمليات "اللوبي" التي تنتهجها السعودية في الولايات المتحدة الأميركية، مستغلةً أكبر المؤسسات الرياضية هناك. وأشارت هذه الوثائق إلى وضع السعودية استراتيجية شرسة، لاستخدام الرياضة كغطاء على العمل السياسي.
ووفقاً للوثائق التي تحدثت عنها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، فإن السعودية عقدت اجتماعات مع مسؤولين في الاتحادات الرياضية المختلفة: الاتحاد الأميركي لكرة القدم، اتحاد كرة السلة، اتحاد رياضة البيسبول، بالإضافة إلى مسؤولين من المصارعة الحُرة واللجنة الأولمبية في لوس أنجلس.
وتعود استراتيجية اهتمام السعودية بالشأن الرياضي إلى شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016، عندما طلب محمد بن سلمان من الهيئة العامة للرياضة (المسؤولة عن تطوير الرياضة في السعودية)، إعداد خطة تمويل خاصة لتطوير الرياضة وتعزيز دورها في البلاد.
ومن أهداف الخطة خصخصة الأندية السعودية لتعزيز المشاركة، التسويق لأحداث رياضية جديدة، إضافة نحو 40 ألف وظيفة في السوق كجزء من مشروع "رؤية 2030".
ورغم أن السعودية دولة إسلامية تُعارض التأثير الغربي على مختلف الأصعدة الاجتماعية، الثقافية والرياضية، إلا أن هذه الخطة من شأنها أن تُغير الكثير من الأمور في السعودية وتفتح الأبواب على تطور كبير بعيداً عن كل القيود الاجتماعية التي كانت مفروضة.
ومنذ أن أصبح محمد بن سلمان في الحُكم، احتضنت السعودية أحداثاً رياضية غير مسبوقة، مثل سباق الأبطال في الدراجات، شراكة كبيرة مع المصارعة الحُرة "WWE" بهدف إعداد عروض متعددة على مدار العام، احتضان بطولات للملاكمة، كما وضمنت مباراة كبيرة وتاريخية في شهر كانون الأول/ديسمبر القادم بين الملاكمين أنطوني جوشوا وآندي رويز.
لماذا هذا التغيير المفاجئ؟
في ظل الانفتاح المفاجئ للسعودية على العالم رياضياً، هناك الكثير من التساؤلات حول الأهداف غير المُعلنة والخفية وراء الاستراتيجية الجديدة. وعليه، فإن اهتمام السعودية بالرياضة بشكل مفاجئ يُعتبر استراتيجية مدروسة لتضليل الرأي العام عبر محاولة التغطية على تصرفات السعودية السيئة في قضايا حقوق الإنسان وحربها ضد اليمن من خلال قتلها الآلاف من المدنيين العُزّل، وكذلك تركها نحو 14 مليون شخص تحت تهديد المجاعة.
كما أن هذا الاهتمام المفاجئ بالشؤون الرياضية من السعودية جاء مباشرةً بعد جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، التي ضج بها العالم ووُجهت أصابع الاتهام فيها نحو السعودية مباشرةً.
وفي هذا الإطار، كشفت الوثاق أن الهيئة العليا للرياضة السعودية عقدت اتفاقاً مع مجموعة "شيرشيل ريبلي" لتمثيلها في أميركا وتوسيع الشراكات الرياضية هناك. وهناك تعمل مع الأميرة ريما بن بندر آل سعود، ابنة السفير السعودي بواشنطن السابق الأمير بندر، وهي أول سيدة تشغل منصب رئيسة الاتحاد السعودي للرياضات الجماهيرية.
ويتمحور عمل الأميرة بندر حول المساعدة في ترتيب اجتماعات مع عدة شركات في أميركا على صعيد "الأحداث الترفيهية"، وذلك بهدف خلق علاقات استثمارية بغية إنشاء مشاريع ترفيهية في المستقبل. واللافت أن توظيف ريما بن بندر في هذا المنصب يحاول التغطية على الانتقادات حول قضية حقوق المرأة المنقوصة في السعودية.
وكشفت الوثائق أن السعودية تدفع نحو 22 ألف دولار أميركي شهرياً لهذه الشركة، مقابل عملها في السوق الأميركي، حيثُ عقدت ريما اجتماعات مع ممثلين عن الرياضة في الولايات المتحدة مثل كوبي براينت بهدف تطوير كرة السلة في السعودية. ومع صوفي غولدشميدت، الرئيس التنفيذي لدوري التزلج على الماء لتطوير هذه الرياضة في السعودية أيضاً.
وتُضاف إلى ذلك اجتماعات مع شركة "ثينك ويل" لتطوير مجمعات تجارية رياضية في السعودية، و"بينغ" و"تويتش" لتطوير الرياضة الإلكترونية في السعودية، مع مسؤولين عن الهوكي لتطوير أرضية لممارسة اللعبة هناك، ومع مسؤولي ملعب "ماديسون سكوير" لتطوير المنشآت الرياضية وغيرها الكثير.
وبعد عرض كل هذه المعلومات، لم يظهر أي رد فعل جدي من الأشخاص أو المؤسسات الرياضية المذكورة في الوثائق، خصوصاً أن مسؤولاً من اتحاد كرة السلة الأميركي رد على هذه القضية بتصريح طبيعي قال فيه: "ممثلو الـ "NBA" يلتقون دائماً مسؤولين من اتحادات دول العالم لتطوير اللعبة".