تعاني دول غرب آسيا من غياب الاحتراف الكروي الحقيقي، الذي تطبقه نظيراتها في شرق القارة، وتشهد الساحرة المستديرة فيها تراجعاً مستمراً، انعكس بدوره على المنتخبات الوطنية، وابتعاد كشافي الأندية العالمية عن الحضور لمتابعة اللاعبين، الذين يواصلون حلمهم بخوض تجربة احترافية تضعهم في مصاف كبار نجوم اللعبة من أقرانهم العرب، على غرار المصري محمد صلاح، والجزائري رياض محرز وغيرهما.
وساهم الاحتراف الحقيقي بتطوير الكرة في شرق آسيا، وبات تأثيره ينعكس إيجاباً على مستوى اللاعبين، على عكس ما يحدث في غرب القارة بدول مثل سورية، والأردن، وفلسطين، ولبنان، والعراق، والكويت، التي تشهد غياباً شبه تام عن تحقيق هذا الأمر، وبخاصة أنها تُعاني بشكل كبير على مستوى الإدارة البعيدة عن التخصص.
وتكمن عقبة تطبيق الاحتراف في هذه الدول في أن أغلب الأندية فيها ملك للحكومات، ولا تطبق فيها معايير عالمية، لذلك وعلى سبيل المثال، لم تتمكن فرق غرب آسيا من نيل لقب بطولة دوري الأبطال على مدى خمسين عاماً إلا في 10 مناسبات، حققته تسعة فرق من دول الخليج العربي، وآخر من إيران، لتبقى أندية شرق القارة مسيطرة على اللقب.
ورغم القوانين الجديدة للبطولات الآسيوية على مستوى الأندية، إلا أنّ الفرق في غرب القارة تواصل المعاناة في المسابقات، بل وتتعرض لخسائر ثقيلة للغاية في المراحل المتقدمة منها، وبخاصة في المواجهات النهائية التي تجمع بين الشرق والغرب.
وتعود أسباب تراجع الكرة في غرب آسيا، إلى غياب التنظيم والخطط الاستراتيجية قصيرة وطويلة المدى في الاتحادات المحلية للعبة، بالإضافة إلى ضعف البطولات والمسابقات المحلية، وغياب منظومة الاحتراف الفني والإداري والفكر الاحترافي للاعب العربي، الذي لا يجد تشجيعاً على الاحتراف الخارجي، وخاصة في أوروبا.
ويعاني اللاعب العربي أيضاً من غياب البيئة المحلية للإبداع، والفوارق الكبيرة بين الدوريات العربية ونظيرتها في الشرق، بالإضافة إلى عدم اهتمام السلطات المحلية بالساحرة المستديرة، مع عدم وجود استقرار فني وإداري، جعل منتخبات غرب آسيا تفتقد إلى الطموح، الذي يتمثل أقصاه في القدرة على الوجود في بطولات كأس العالم، أو تصفياتها، من دون التفكير ببلوغ أدوار متقدمة أو المنافسة على اللقب العالمي.
ورأى أسطورة منتخب الكويت السابق جاسم يعقوب، في حديث لشبكة "بي إن سبورتس" القطرية، أن سبب تراجع الكرة في غرب آسيا "يعود إلى غياب معنى الاحتراف الحقيقي، الذي لم يطبق نهائياً، وهذا له تأثيراته الكبيرة على الأندية، وهو ما ينطبق ويؤثر بالتالي على المنتخبات، ولا نجد اللاعب العربي يلتزم بالأمور الخاصة به من نوم ونوعية الغذاء، وكل هذه الأشياء أصبحت من أساسيات تكوين فريق قوي ومتكامل العناصر".
وأضاف: "من الواضح أن المستقبل ليس في صالح الكرة العربية في ظل التطورات الكبيرة المحيطة بنا من منتخبات بدأت بالفعل في تطوير نفسها بشكل لافت للنظر، ومنها فيتنام وتايلاند والهند وماليزيا، وهي دول لديها كثافة سكانية كبيرة وتعمل بشكل منظم".
أما المدرب الأردني جمال محمود، الذي قاد منتخب فلسطين للتأهل لكأس الأمم الآسيوية في نسختها الماضية في أستراليا، فقال في أحد تصريحاته الصحافية، قبل انطلاق منافسات المسابقة القارية التي توج فيها منتخب قطر في الإمارات: "نحن نمتلك المواهب، لكن لا نملك صناعة الاحتراف، بسبب سوء التخطيط وسوء التنظيم، لذلك هناك فجوة كبيرة بين الشرق والغرب".
وأوضح: "اللاعب في منطقة بلاد الشام موهوب بالفطرة، لكننا لا نعيش أي نوع من أنواع الاحتراف، وللأسف، المعنى الحقيقي للاحتراف لدينا بعيد كل البعد عن التطبيق، سواء من الناحية الثقافية أو من ناحية الأمور المالية، لذلك فلاعبنا من الممكن أن يعمل في ثلاث جهات مختلفة بعيداً عن كرة القدم، وقد تكون هذه الأمور أقل في دول الخليج العربي، كونه يعيش حياة أشبه باللاعب المحترف، لكن في بلاد الشام هناك معاناة كبيرة بسبب الظروف المالية".
ومع ذلك توجد فرصة لتطوير اللعبة في دول غرب آسيا، ومن ذلك وضع خططٍ واستراتيجيات حديثة للتطوير، وخلق دوريات محلية قوية، مع إقامة نظام احتراف حقيقي في المجالين الفني والإداري، وزيادة عدد المباريات بالمسابقات المحلية، مع ضمان استقرار الاتحادات الوطنية في المنطقة.
وبعد القيام بهذه الخطوات، يتم العمل على خلق كوادر إدارية محترفة، وبيئة ملائمة للاعب العربي، مع الاهتمام بالمواهب المتميزة، وإتاحة الفرصة أمامهم للاحتراف في الخارج، وبخاصة في أوروبا، فضلاً عن ضرورة ملاقاة ذلك باهتمام من قبل السلطات المحلية، التي يجب أن توفر الدعم اللازم للرياضة الشعبية الأولى لدى الجماهير، وتأهيل وتطوير قدرات المدربين المحللين، لتضمن بعدها توافد الشركات التجارية الكبرى التي ترعى اللعبة.