رغم أنها ليست بالمرة الأولى التي تُطرح فيها فكرة رحيل ليونيل ميسي عن برشلونة، إلا أنها المرة الأولى التي تصادف تلك الفكرة صدى واسعا ويظهر من هم على قناعة على إمكانية حدوث هذا الأمر، بل ويصير البوح بهذا الأمر شيئاً غير مستهجن أو مدعاة للسخرية من صاحب هذا الرأي.
فلطالما ارتبط اسم ميسي ببرشلونة وإمكانية استمراره في الفريق الكتالوني حتى موعد الاعتزال، فهو الجهة التي تلقفته في الوقت الذي لفظه فيه الجميع في بلاده، وحتى من بعض الأندية التي عُرض عليها في أوروبا، وكان برشلونة هو النادي الذي آمن بقدراته، رغم عدم وضوح إمكانية تغلبه على مرض نقص النمو الذي عانى منه في طفولته وبداية مراهقته.
كما أن وقت تطور وعنفوان ميسي تزامن لحسن حظه مع أفضل فترات برشلونة في تاريخه، بداية من المدير الفني فرانك ريكارد، ومروراً بالوصول للقمة مع بيب جوارديولا، وقت أن كان يسعى الجميع للانضمام للفريق الذي يسعى الكل لهزمه، فما بالكم بمن يدين لذلك النادي بفضل كبير عليه؟
ميسي كان قادراً كذلك على التعامل مع كافة المتغيرات التي تطراً على النادي الكتالوني، سواء في بداياته مع ريكارد ولعبه كجناح ثم تحوله كنجم للفريق، مع رحيل رونالدينيو متزامناً مع وصول جوارديولا، قبل أن يتحول لمركز المهاجم المزور لتنفجر قدراته وصولاً بتحوله لأحد اللاعبين القدامى في البلاوجرانا، وأحد لاعبي لاماسيا القلائل هذا العام في التشكيل الأساسي.
ما غير تماماً من النظرة تجاه فكرة مغادرة ميسي لبرشلونة هو تصريحات اللاعب نفسه؛ والتي لا يمكن اعتبارها مجرد تصريحات تتحدث عن رغبة في العودة للأرجنتين يوماً ما دون النظر إلى الانتقال من برشلونة لنادٍ أوروبي، رغم عدم قوله لهذا الأمر صراحة فالبعض رأى أن التصريح تم تحميله أكثر مما ينبغي، لكن الواقع يقول إنها المرة الأولى التي لم يؤكد فيها ميسي إمكانية اعتزاله في برشلونة، وأنه ربما يعتزل في الأرجنتين .. هذا إن أخذنا التصريح بصورته المجردة الضحلة تماماً دون الخوض في أغواره.
لكن أغوار التصريح تقول إن ميسي الآن شاهد بويول وفالديس يغادران الفريق، وينحسر دور تشافي ويتراجع مستوى إنييستا، وهو أيضاً في طريقه لفقدان دوره الجوهري مع هذا الاستمرار في المستوى المتراجع، كما أن باقي الفريق الذهبي إما غادر كأبيدال ودافيد فيا أو في طريقه للمغادرة كداني ألفيش، أو لم يعد أهلاً من الأساس للاستمرار في برشلونة كجيرارد بيكيه.
تصريح ميسي يحتمل 4 احتمالات لا خامس لها
1- إما أنه فعلاً غير رأيه وفقط يريد الاعتزال في الأرجنتين، لكنه لا ينوي اللعب لنادٍ أوروبي آخر.
2- أو أنه فقد الحافز ويلمّح فعلاً إلى إمكانية تغيير الأجواء والبحث عن مغامرة جديدة، فها هو يرى الفريق الذهبي قد شارف على الانتهاء كما أسلفنا، كما أنه دخل في مشاكل من قبل مع إدارة برشلونة الحالية، حاله كحال أكثر من عضو في المنظومة السابقة كيوهان كرويف وبيب جوارديولا.
3- أو أنه كان يصرح بطريقة حكيمة -لا تعير تأويلات الصحافة اهتماماً- زائدة عن الحد بالتأكيد على أنه لا يعرف المستقبل وأين سيكون.
4- أو أنه يريد تجديد تعاقده ورفع راتبه! وذلك عن طريق الضغط على إدارة البرسا بالتلميح لإمكانية الرحيل، وأن مسألة الاستمرار في برشلونة لا تعتمد فقط على حب النادي، بل إنه يجب أن يتم إرضاؤه مالياً.
وإن اختزلنا النتائج لنتيجتين وهما الرحيل أو البقاء، فإن الرحيل قد يكون مرجحاً في حالة رغبة ليونيل ميسي في خوض مغامرة جديدة، بعدما فاز بكل شيء ولأكثر من مرة مع برشلونة ولعل في تجربة اللعب في الدوري الإنجليزي مثار جذب له، كونه تحدياً حقيقياً للرد على من يشككون في إمكانية نجاحه في هذا الدور، كما أن الرحيل سيكون مرجحاً أيضاً في حال ما إذا كان ميسي غير قادر على التعامل مع إدارة برشلونة الحالية؛ والتي لا تحظى بثقة المشجعين الكتالونيين بشكل عام.
أما البقاء فقد يكون مرجحاً لرغبة ميسي في تثبيت نفسه كأسطورة داخل النادي الكتالوني، وكذلك قد يكون مرجحاً في حالة خشية ميسي من فقدانه لكثير من إمكانياته في تجربة جديدة تماماً عليه، مع اختلاف الأجواء وأسلوب اللعب كما حدث مع كثير من النجوم الذين خسروا الكثير بتركهم للأندية التي يتألقون فيها، والأمثلة كثيرة كأندريه شيفتشنكو الذي ما زال نادماً على خطوة الرحيل إلى تشيلسي، وخسارته لإمكانية صنع المزيد مع ميلان أو كمايكل أوين الذي كان ليكون نجماً أسطورياً في حالة استمراره مع ليفربول، أو على الأقل الانتظار لفرصة أفضل من فكرة اللعب لريال مدريد في وقت تواجد رونالدو وراؤول.
وفي حالة ترجيح فكرة الرحيل –غير المرجحة حتى الآن كون البقاء هو الاختيار الأكثر واقعية- فإنه ليس من السهل أن تجد نادياً يستطيع دفع مبلغ مقابل انتقال لاعب ذهبي كميسي؛ لذلك قد تنحصر الاختيارات على فرق كمانشستر سيتي، تشيلسي، باريس سان جيرمان وبايرن ميونخ.
لكن حتى كل هذه الأندية –تم ضم النادي البافاري لوجود جوارديولا- قد تعاني لضم لاعب بسعر ميسي؛ فقيود اللعب المالي النظيف باتت تجعل كل ناد يفكر ألف مرة قبل القيام بأي خطوة، من شأنها تعكير ميزانه المالي، لكن عندما يأتي الحديث عن انتقال ميسي، فالحسابات الاقتصادية قد يتم ليّها لضم الساحر الأرجنتيني بأي ثمن، فليس في كل يوم يمكنك ضم ليو.