تحدثت رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، وداد بوشماوي، لـ"العربي الجديد"، عن دور المرأة العربية في عالم الأعمال، كاشفة عن الخطوات المطلوبة لتتجاوز تونس الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
وهذا نص المقابلة:
وهذا نص المقابلة:
* هل وصولك كأول سيدة عربية إلى رئاسة تجمع لأصحاب الشركات العربية كان نتيجة للثورة التونسية أو لثقة المستثمرين بمسارك المهني؟
تعوّدنا في تونس أن تكون المرأة في مناصب هامة سواء السياسية أو الاقتصادية والثقافية. ويجب الإشارة هنا، إلى أن وصولي إلى منصب رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية، جاء عن طريق الاقتراع، والأكيد أن هذا التكليف والثقة التي عبّر عنها المستثمرون في تونس، شرف لي ولجميع النساء التونسيات والأفريقيات والعربيات، واللاتي ساهمن كثيراً في بناء المجتمع، ونجحن في اقتحام عالم المال والأعمال، بل وإبراز تجارب ناجحة في قيادة الشركات.
والأكيد أن المنصب مسؤولية كبيرة، وليس تشريفاً، نظراً للمهام والتوقعات التي يتطلع إليها الشارع التونسي من القطاع الخاص، وكذلك للفاعلين فيه. وأتمنى أن أكون على قدر المسؤولية، وأؤكد لكم أن انتخابي جاء على قناعة بالكفاءة وليس بسبب الجنس، لأن ما أدافع وندافع عنه، هو وصول أصحاب الخبرات والكفاءات إلى مراكز قيادية في مختلف القطاعات.
وتملك المرأة التونسية المؤهلات التي تمكّنها من احتلال مراكز عديدة في هذا الإطار.
لكن مع كل هذا التفاؤل الذي عبّرت عنه، ما زلنا نلمس غياب حضور المرأة في العديد من المناصب، ليس بالنسبة لتونس وحدها، بل بالنسبة لكل الدول العربية، ونتطلع لأن تكون مثل هذه الخطوات تحفيزاً وتشجيعاً لباقي القطاعات في تونس وباقي الدول العربية كذلك، من أجل منح المرأة الفرصة التي تستحقها.
* هل استطعتِ فرض نفسك داخل الاتحاد؟ وما هي أهم الملفات التي اشتغلت عليها؟
أول مهمة وضعتها كمحور أساسي للعمل، هي إعداد خطة للتقارب مع "الاتحاد العام التونسي للشغل". وأشدد على أن هذه الخطوة التي قطعت أشواطاً طويلة، تعدّ الأولى من نوعها في تاريخ تونس، بين نقابة تمثل المجتمع بمختلف شرائحه العمالية وبين أرباب العمل والشركات. وفتحنا نقاشات واسعة بهذا الخصوص، تهم قطاع الأعمال في تونس والمشكلات التي يعرفها. ثم بعد ذلك، قدنا القطاع الخاص داخل الحوار الوطني، الذي أخرج تونس من الأزمة السياسية التي كان يعرفها حتى وقت قريب، وكنا أحد ركائز الحوار الوطني، وأعتقد أن مساهمتنا كان لها صدى طيباً داخل مختلف الأوساط.
وبطبيعة الحال عملنا على حل مجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تهم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية، ومن بينها الاعتناء بالمؤسسة الاقتصادية التونسية وإيصال صوتها ومقترحاتها، وقد ساهمنا في النقاش وفي إخراج مجموعة من القوانين بالشراكة مع المؤسسات الحكومية.
* ولكن، ألا توجد إجراءات ملموسة ساهم الاتحاد في إقرارها لصالح تونس؟
الآن نحن بصدد الاشتغال على مجموعة من الاقتراحات وتقديمها للحكومة، ومن بينها قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، وإخراج قانون الاستثمار والمنافسة بقصد تأهيل القطاعات. وأهم ما قدمناه بهذا الصدد، الدفع بإجراءات لتعزيز السوق التونسية، عبر البحث عن سبل تزويد السوق بالمواد الاستهلاكية بما فيه صالح البلاد، وكذا تقنين وضبط الأسعار.
* الاقتصاد التونسي يعيش حالة ركود والدين العام في ارتفاع مع تراجع فرص التشغيل وتدهور القدرة الشرائية للمواطن بنسبة 40% منذ سنة 2011. هل تملكون أي حلول لهذه الأزمات خارج إطار الاقتراحات والبيانات؟
تاريخياً، كل البلدان التي عاشت ثورة تمر بفترات عصيبة بعدها، وأول من يتضرر من هذه الأوضاع الاقتصاد بدرجة أولى. لكن مقارنةً مع مجموعة من البلدان الأخرى التي شهدت الوضع نفسه أخيراً، يمكن القول إن تونس استطاعت إلى حد ما تجاوز مرحلة الخطر.
ونحن نعترف أن الظرف الاقتصادي صعب جداً، خاصة أن الشباب متعطش لملامسة التغيير الذي نادى به، ومتعطش للحصول على فرص عمل، ونعلم أن هذه الشريحة هي من أججت الثورة بشعار "خبز حرية وعدالة اجتماعية". وصحيح يجب أن نفي بتعهداتنا تجاه مطالب الشارع التونسي كقطاع خاص، لكن ما أخّرنا جميعاً في تحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية قوية، هو انشغال جميع الأطراف بضمان الاستقرار السياسي، وتنظيم انتخابات تونسية شفافة ونزيهة، تفرز مؤسسات دستورية قادرة على قيادة البلاد، وهذا ما حدث في آخر استحقاقات عاشتها تونس.
ولا يجب أن نغفل كذلك الظروف الأمنية التي عرفتها تونس طيلة الفترة الأخيرة، وشغلت بدورها الحكومات التي تعاقبت على البلد منذ الثورة.
الآن نرى أنه حان الوقت للانكباب بجدية على المجال الاقتصادي، والعمل للتصديق على القوانين التي ذكرتها، مع متابعة تطبيقها لتشجيع المبادرة الخاصة، والبحث عن فرص للشباب العاطل من العمل، ونحن مستعدون للمساهمة في التمويل والتكوين.
* بعيداً عن اقتراحات القوانين، ما مدى مساهمتكم في توفير فرص الشغل في تونس كقطاع خاص؟
أول جهة تشغيلية في تونس هي القطاع الخاص، نحن نوفر مليونين و100 ألف وظيفة، بل نقارب عدد 3 ملايين وظيفة. والقطاع الخاص في تونس هو المصدر الأول للتوظيف، والمستثمر الأول في تونس كذلك.
ويجب أن أشير إلى أن القطاع الخاص التونسي صمد وبقي يستثمر منذ الثورة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك نعترف أن الاستثمار لا يفي بالحاجة. والسبب الطلب الكبير على الشغل، وارتفاع عدد العاطلين من العمل سنوياً، مع الإشارة إلى عدم قدرة القطاع العام على استيعاب هذه الأعداد. والحل الوحيد في نظرنا هو استمرار القطاع الخاص في البحث عن فرص استثمارية جديدة، وكذلك التسويق لتونس خارجياً من أجل جذب مستثمرين أجانب، مع العمل على تشجيع المشاريع الشبابية الخاصة.
* نعود إلى المرأة التونسية، هل من ضمن أجنداتكم تأهيل وجودها في مجال البزنس وعدم حصرها في تأسيس وإدارة مشاريع صغيرة؟
بصفة عامة المرأة موجودة في مجال الصناعات التقليدية، والمهن الصغرى، لكن أوكد أن الفترة الأخيرة شهدت اقتحام المرأة التونسية لمجال الاستثمار في قطاع التكنولوجيا والخدمات، ونحن كاتحاد تونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية نشجع على ذلك.
ويجب أن نأخذ بالاعتبار أن 66% من مجموع الطلاب داخل الجامعات هن فتيات. يعني أن هناك قفزة نوعية لإقبال المرأة التونسية على التكوين، وبلوغ مراتب جد متقدمة أكاديمياً وعلمياً. وهذا الوضع سوف يمكّنها في المستقبل من ولوج مجالات استثمارية كانت في السابق حكراً على الرجال، ومنها استثمارات مهمة في التقنيات والعلوم.
* على ذكر الجامعة والمعاهد، هل تلبي حاجات الشركات الخاصة من حيث الكفاءات؟
كنا طلبنا بمراجعة منظومة التعليم في تونس كي تستجيب لحاجات الخريجين أولاً، وتكون مناسبة لهم في مرحلة البحث عن فرص الشغل. ونشهد اليوم خطوات نحو هذا الخيار، بدءاً من التعليم الابتدائي ووصولاً إلى التعليم العالي والتكوين المهني.
ومنظومة التكوين الحالية أفرزت قرابة 220 ألف عاطل من العمل يحملون شهادات جامعية، لذلك من الضروري مراجعة المنظومة التعليمية بشكل كامل لكي تلبي حاجات السوق. طموحنا أن يجد كل متخرج من الجامعات والمعاهد فرص إدماج في سوق الشغل، لذلك يجب تنسيق الأدوار بين مختلف القطاعات، والتنسيق في البرامج التكوينية بين القطاعين العام والخاص، مع التركيز بالأساس على تغيير منظومة التكوين المهني التي توفر الأطر والكفاءات التي تحتاجها المؤسسات الخاصة، وأؤكد أنه من هنا إلى آخر السنة الحالية سوف تطرح تونس سياسات تعليمية جديدة.
* ما هي الاختصاصات المطلوبة في السوق التونسية خلال الفترة الراهنة؟
تحتاج الشركات في تونس لخريجين في المهن المتوسطة، أي مجال النسيج، والأحذية والجلود، ومجال البناء، وتدبير الشركات. تونس في حاجة إلى اختصاصات تقنية، تمتلك فيها اليد العاملة مهارة جيدة.
وأؤكد أن هناك طلباً كبيراً على مهارات تقنية تونسية، لكن تجد المؤسسات والشركات الخاصة مشكلات كبيرة فيها.
ونقترح أن توفر الحكومة التونسية بهذا الصدد، تكوينات في مجالات مختلفة للخريجين، وذلك من أجل ملاءمة كفاءاتهم ومؤهلاتهم مع سوق الشغل التي يمكن أن توفر مناصب عمل لأعداد كبيرة من الخريجين.
* أنت من النساء العربيات اللاتي خضن تجربة الاستثمار الدولي، وتعملين في مجالات عدة، بداية بالتنقيب عن النفط ووصولاً إلى قطاع الخدمات والزراعة. برأيك هل يمكن القول إن المرأة العربية أصبحت قادرة على المنافسة عملياً في المال والأعمال؟
بطبيعة الحال يمكن للمرأة العربية أن تسير وتؤسس وتنجح في الاستثمارات الدولية. وكل شخص، سواء امرأة أو رجل، له الشجاعة والدراية الكافية، مع الاشتغال على تطوير مؤهلاته ومعارفه وتوفر الموارد الكافية لديه، يمكنه أن يستثمر وتتجاوز مشاريعه حدود وطنه.
ونحن في تونس، كما هو معروف، سوق صغيرة، لذلك ندعو ونشجع كافة المؤسسات، سواء التي تسيّرها المرأة أو الرجل، على الاستثمار خارج الحدود، كي تسوّق لصورة تونس بشكل جيد، وتلعب دور السفير الاقتصادي من أجل استقطاب المشاريع للبلاد.
* هل تثقون كقطاع خاص بقدرة الحكومة التونسية الحالية على معالجة المشاكل الاقتصادية؟
الشرط الوحيد لنجاح الحكومة التونسية الحالية على مختلف الأصعدة، هو تظافر جهود جميع الفاعلين في الدولة بشكل عام. والحكومة لوحدها لن تستطيع النجاح وتجاوز التحديات التي تواجه البلاد. نمر بفترة عصيبة، ونحن في حاجة مستمرة للجلوس إلى طاولة الحوار، والعمل كيد واحدة.
ورثة بن علي في الاقتصاد التونسي
يعيش الاقتصاد التونسي أسوأ أيامه منذ ثلاث سنوات. وتوضح الأرقام الرسمية أن نسبة النمو التي سجلها الاقتصاد لم تتجاوز 1.7% خلال الربع الأول من السنة الحالية، في الوقت الذي سجل خلال الفترة نفسها من السنة الماضية نسبة نمو قدّرت بـ2.4%. هذا وتتوقع الحكومة التونسية أن تقفل العام الحالي بنسبة نمو تلامس 3%، وهي النسبة التي تتوقع تقارير مجموعة البنك الدولي أن تتجاوزها تونس مع نهاية العام 2015.
ويعتبر القطاع الخاص في تونس أحد أهم ركائز الاقتصاد التونسي، وطوق النجاة الذي تعوّل عليه مختلف شرائح المجتمع. ووصفته رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية، وداد بوشماوي، بالمشغل والمستثمر والمصدر الأول للعمالة. لكن يبقى القطاع الخاص، حسب آراء مجموعة من الخبراء التونسيين التي استقتها "العربي الجديد"، رهينة تراكم "الريع واحتكار الأقلية التي ورثتها تونس من عهد الهارب زين العابدين بن علي".
وكانت دراسة أعدتها "مجموعة البنك الدولي"، قد كشفت أن "صناعة القطاع الخاص" في تونس، خضعت لعقود لتحكّم الأسرة الحاكمة، بل رصدت أن 220 شركة تملكها الأخيرة، كانت تستحوذ على 20% من أرباح القطاع الخاص ككل في تونس، وفي المقابل لا تشغل سوى 1% من اليد العاملة في البلاد.
بطاقة
تعتبر وداد بوشماوي أول سيدة أعمال عربية ترأس تجمعاً لأصحاب الشركات الخاصة. تمتلك أسهماً في شركات عالمية. حازت على عدة جوائز عالمية في مجال البزنس، من بينها جائزة "أفضل إنجازات النساء العربيات". وأبرزها جائزة "شراكة دوفيل" التابعة لمجموعة الدول الثماني الكبرى (G8).
تعوّدنا في تونس أن تكون المرأة في مناصب هامة سواء السياسية أو الاقتصادية والثقافية. ويجب الإشارة هنا، إلى أن وصولي إلى منصب رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية، جاء عن طريق الاقتراع، والأكيد أن هذا التكليف والثقة التي عبّر عنها المستثمرون في تونس، شرف لي ولجميع النساء التونسيات والأفريقيات والعربيات، واللاتي ساهمن كثيراً في بناء المجتمع، ونجحن في اقتحام عالم المال والأعمال، بل وإبراز تجارب ناجحة في قيادة الشركات.
والأكيد أن المنصب مسؤولية كبيرة، وليس تشريفاً، نظراً للمهام والتوقعات التي يتطلع إليها الشارع التونسي من القطاع الخاص، وكذلك للفاعلين فيه. وأتمنى أن أكون على قدر المسؤولية، وأؤكد لكم أن انتخابي جاء على قناعة بالكفاءة وليس بسبب الجنس، لأن ما أدافع وندافع عنه، هو وصول أصحاب الخبرات والكفاءات إلى مراكز قيادية في مختلف القطاعات.
وتملك المرأة التونسية المؤهلات التي تمكّنها من احتلال مراكز عديدة في هذا الإطار.
لكن مع كل هذا التفاؤل الذي عبّرت عنه، ما زلنا نلمس غياب حضور المرأة في العديد من المناصب، ليس بالنسبة لتونس وحدها، بل بالنسبة لكل الدول العربية، ونتطلع لأن تكون مثل هذه الخطوات تحفيزاً وتشجيعاً لباقي القطاعات في تونس وباقي الدول العربية كذلك، من أجل منح المرأة الفرصة التي تستحقها.
* هل استطعتِ فرض نفسك داخل الاتحاد؟ وما هي أهم الملفات التي اشتغلت عليها؟
أول مهمة وضعتها كمحور أساسي للعمل، هي إعداد خطة للتقارب مع "الاتحاد العام التونسي للشغل". وأشدد على أن هذه الخطوة التي قطعت أشواطاً طويلة، تعدّ الأولى من نوعها في تاريخ تونس، بين نقابة تمثل المجتمع بمختلف شرائحه العمالية وبين أرباب العمل والشركات. وفتحنا نقاشات واسعة بهذا الخصوص، تهم قطاع الأعمال في تونس والمشكلات التي يعرفها. ثم بعد ذلك، قدنا القطاع الخاص داخل الحوار الوطني، الذي أخرج تونس من الأزمة السياسية التي كان يعرفها حتى وقت قريب، وكنا أحد ركائز الحوار الوطني، وأعتقد أن مساهمتنا كان لها صدى طيباً داخل مختلف الأوساط.
وبطبيعة الحال عملنا على حل مجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تهم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية، ومن بينها الاعتناء بالمؤسسة الاقتصادية التونسية وإيصال صوتها ومقترحاتها، وقد ساهمنا في النقاش وفي إخراج مجموعة من القوانين بالشراكة مع المؤسسات الحكومية.
* ولكن، ألا توجد إجراءات ملموسة ساهم الاتحاد في إقرارها لصالح تونس؟
الآن نحن بصدد الاشتغال على مجموعة من الاقتراحات وتقديمها للحكومة، ومن بينها قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، وإخراج قانون الاستثمار والمنافسة بقصد تأهيل القطاعات. وأهم ما قدمناه بهذا الصدد، الدفع بإجراءات لتعزيز السوق التونسية، عبر البحث عن سبل تزويد السوق بالمواد الاستهلاكية بما فيه صالح البلاد، وكذا تقنين وضبط الأسعار.
* الاقتصاد التونسي يعيش حالة ركود والدين العام في ارتفاع مع تراجع فرص التشغيل وتدهور القدرة الشرائية للمواطن بنسبة 40% منذ سنة 2011. هل تملكون أي حلول لهذه الأزمات خارج إطار الاقتراحات والبيانات؟
تاريخياً، كل البلدان التي عاشت ثورة تمر بفترات عصيبة بعدها، وأول من يتضرر من هذه الأوضاع الاقتصاد بدرجة أولى. لكن مقارنةً مع مجموعة من البلدان الأخرى التي شهدت الوضع نفسه أخيراً، يمكن القول إن تونس استطاعت إلى حد ما تجاوز مرحلة الخطر.
ونحن نعترف أن الظرف الاقتصادي صعب جداً، خاصة أن الشباب متعطش لملامسة التغيير الذي نادى به، ومتعطش للحصول على فرص عمل، ونعلم أن هذه الشريحة هي من أججت الثورة بشعار "خبز حرية وعدالة اجتماعية". وصحيح يجب أن نفي بتعهداتنا تجاه مطالب الشارع التونسي كقطاع خاص، لكن ما أخّرنا جميعاً في تحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية قوية، هو انشغال جميع الأطراف بضمان الاستقرار السياسي، وتنظيم انتخابات تونسية شفافة ونزيهة، تفرز مؤسسات دستورية قادرة على قيادة البلاد، وهذا ما حدث في آخر استحقاقات عاشتها تونس.
ولا يجب أن نغفل كذلك الظروف الأمنية التي عرفتها تونس طيلة الفترة الأخيرة، وشغلت بدورها الحكومات التي تعاقبت على البلد منذ الثورة.
الآن نرى أنه حان الوقت للانكباب بجدية على المجال الاقتصادي، والعمل للتصديق على القوانين التي ذكرتها، مع متابعة تطبيقها لتشجيع المبادرة الخاصة، والبحث عن فرص للشباب العاطل من العمل، ونحن مستعدون للمساهمة في التمويل والتكوين.
* بعيداً عن اقتراحات القوانين، ما مدى مساهمتكم في توفير فرص الشغل في تونس كقطاع خاص؟
أول جهة تشغيلية في تونس هي القطاع الخاص، نحن نوفر مليونين و100 ألف وظيفة، بل نقارب عدد 3 ملايين وظيفة. والقطاع الخاص في تونس هو المصدر الأول للتوظيف، والمستثمر الأول في تونس كذلك.
ويجب أن أشير إلى أن القطاع الخاص التونسي صمد وبقي يستثمر منذ الثورة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك نعترف أن الاستثمار لا يفي بالحاجة. والسبب الطلب الكبير على الشغل، وارتفاع عدد العاطلين من العمل سنوياً، مع الإشارة إلى عدم قدرة القطاع العام على استيعاب هذه الأعداد. والحل الوحيد في نظرنا هو استمرار القطاع الخاص في البحث عن فرص استثمارية جديدة، وكذلك التسويق لتونس خارجياً من أجل جذب مستثمرين أجانب، مع العمل على تشجيع المشاريع الشبابية الخاصة.
* نعود إلى المرأة التونسية، هل من ضمن أجنداتكم تأهيل وجودها في مجال البزنس وعدم حصرها في تأسيس وإدارة مشاريع صغيرة؟
بصفة عامة المرأة موجودة في مجال الصناعات التقليدية، والمهن الصغرى، لكن أوكد أن الفترة الأخيرة شهدت اقتحام المرأة التونسية لمجال الاستثمار في قطاع التكنولوجيا والخدمات، ونحن كاتحاد تونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية نشجع على ذلك.
ويجب أن نأخذ بالاعتبار أن 66% من مجموع الطلاب داخل الجامعات هن فتيات. يعني أن هناك قفزة نوعية لإقبال المرأة التونسية على التكوين، وبلوغ مراتب جد متقدمة أكاديمياً وعلمياً. وهذا الوضع سوف يمكّنها في المستقبل من ولوج مجالات استثمارية كانت في السابق حكراً على الرجال، ومنها استثمارات مهمة في التقنيات والعلوم.
* على ذكر الجامعة والمعاهد، هل تلبي حاجات الشركات الخاصة من حيث الكفاءات؟
كنا طلبنا بمراجعة منظومة التعليم في تونس كي تستجيب لحاجات الخريجين أولاً، وتكون مناسبة لهم في مرحلة البحث عن فرص الشغل. ونشهد اليوم خطوات نحو هذا الخيار، بدءاً من التعليم الابتدائي ووصولاً إلى التعليم العالي والتكوين المهني.
ومنظومة التكوين الحالية أفرزت قرابة 220 ألف عاطل من العمل يحملون شهادات جامعية، لذلك من الضروري مراجعة المنظومة التعليمية بشكل كامل لكي تلبي حاجات السوق. طموحنا أن يجد كل متخرج من الجامعات والمعاهد فرص إدماج في سوق الشغل، لذلك يجب تنسيق الأدوار بين مختلف القطاعات، والتنسيق في البرامج التكوينية بين القطاعين العام والخاص، مع التركيز بالأساس على تغيير منظومة التكوين المهني التي توفر الأطر والكفاءات التي تحتاجها المؤسسات الخاصة، وأؤكد أنه من هنا إلى آخر السنة الحالية سوف تطرح تونس سياسات تعليمية جديدة.
* ما هي الاختصاصات المطلوبة في السوق التونسية خلال الفترة الراهنة؟
تحتاج الشركات في تونس لخريجين في المهن المتوسطة، أي مجال النسيج، والأحذية والجلود، ومجال البناء، وتدبير الشركات. تونس في حاجة إلى اختصاصات تقنية، تمتلك فيها اليد العاملة مهارة جيدة.
وأؤكد أن هناك طلباً كبيراً على مهارات تقنية تونسية، لكن تجد المؤسسات والشركات الخاصة مشكلات كبيرة فيها.
ونقترح أن توفر الحكومة التونسية بهذا الصدد، تكوينات في مجالات مختلفة للخريجين، وذلك من أجل ملاءمة كفاءاتهم ومؤهلاتهم مع سوق الشغل التي يمكن أن توفر مناصب عمل لأعداد كبيرة من الخريجين.
* أنت من النساء العربيات اللاتي خضن تجربة الاستثمار الدولي، وتعملين في مجالات عدة، بداية بالتنقيب عن النفط ووصولاً إلى قطاع الخدمات والزراعة. برأيك هل يمكن القول إن المرأة العربية أصبحت قادرة على المنافسة عملياً في المال والأعمال؟
بطبيعة الحال يمكن للمرأة العربية أن تسير وتؤسس وتنجح في الاستثمارات الدولية. وكل شخص، سواء امرأة أو رجل، له الشجاعة والدراية الكافية، مع الاشتغال على تطوير مؤهلاته ومعارفه وتوفر الموارد الكافية لديه، يمكنه أن يستثمر وتتجاوز مشاريعه حدود وطنه.
ونحن في تونس، كما هو معروف، سوق صغيرة، لذلك ندعو ونشجع كافة المؤسسات، سواء التي تسيّرها المرأة أو الرجل، على الاستثمار خارج الحدود، كي تسوّق لصورة تونس بشكل جيد، وتلعب دور السفير الاقتصادي من أجل استقطاب المشاريع للبلاد.
* هل تثقون كقطاع خاص بقدرة الحكومة التونسية الحالية على معالجة المشاكل الاقتصادية؟
الشرط الوحيد لنجاح الحكومة التونسية الحالية على مختلف الأصعدة، هو تظافر جهود جميع الفاعلين في الدولة بشكل عام. والحكومة لوحدها لن تستطيع النجاح وتجاوز التحديات التي تواجه البلاد. نمر بفترة عصيبة، ونحن في حاجة مستمرة للجلوس إلى طاولة الحوار، والعمل كيد واحدة.
ورثة بن علي في الاقتصاد التونسي
يعيش الاقتصاد التونسي أسوأ أيامه منذ ثلاث سنوات. وتوضح الأرقام الرسمية أن نسبة النمو التي سجلها الاقتصاد لم تتجاوز 1.7% خلال الربع الأول من السنة الحالية، في الوقت الذي سجل خلال الفترة نفسها من السنة الماضية نسبة نمو قدّرت بـ2.4%. هذا وتتوقع الحكومة التونسية أن تقفل العام الحالي بنسبة نمو تلامس 3%، وهي النسبة التي تتوقع تقارير مجموعة البنك الدولي أن تتجاوزها تونس مع نهاية العام 2015.
ويعتبر القطاع الخاص في تونس أحد أهم ركائز الاقتصاد التونسي، وطوق النجاة الذي تعوّل عليه مختلف شرائح المجتمع. ووصفته رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية، وداد بوشماوي، بالمشغل والمستثمر والمصدر الأول للعمالة. لكن يبقى القطاع الخاص، حسب آراء مجموعة من الخبراء التونسيين التي استقتها "العربي الجديد"، رهينة تراكم "الريع واحتكار الأقلية التي ورثتها تونس من عهد الهارب زين العابدين بن علي".
وكانت دراسة أعدتها "مجموعة البنك الدولي"، قد كشفت أن "صناعة القطاع الخاص" في تونس، خضعت لعقود لتحكّم الأسرة الحاكمة، بل رصدت أن 220 شركة تملكها الأخيرة، كانت تستحوذ على 20% من أرباح القطاع الخاص ككل في تونس، وفي المقابل لا تشغل سوى 1% من اليد العاملة في البلاد.
بطاقة
تعتبر وداد بوشماوي أول سيدة أعمال عربية ترأس تجمعاً لأصحاب الشركات الخاصة. تمتلك أسهماً في شركات عالمية. حازت على عدة جوائز عالمية في مجال البزنس، من بينها جائزة "أفضل إنجازات النساء العربيات". وأبرزها جائزة "شراكة دوفيل" التابعة لمجموعة الدول الثماني الكبرى (G8).