لم يسبق وأن أحدث قانون مالية في الجزائر الجدل الذي أحدثه قانون المالية لموازنة 2016، الذي جاء بإجراءات تقشفية لم تعهدها البلاد، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. ولعل أبرز المواد التي أثارت حفيظة المعارضة، هما المادتان 71 و66. فالأولى تفرض زيادات على أسعار البنزين والمحروقات، والثانية تتعلق بفتح رأسمال الشركات العمومية أمام القطاع الخاص، مع احتفاظ هذه المؤسسات بنسبة 35% من رأس مالها، وإمكانية بيعها للشركات الخاصة بعد خمسة أعوام من فتح رأسمالها لهم.
فالمادة الـ 66 من قانون المالية 2016 أعادت إلى الأذهان سنوات التسعينيات وإجراءات الخصخصة. وعرفت الفترة الممتدة من 1994 إلى 1998 تسريح أكثر من 318 ألف عامل من المؤسسات العمومية ذات الطابع الاقتصادي، وهو ما يمثل نحو 41% آنذاك من العدد الإجمالي لعمال هذه المؤسسات حسب إحصائيات المعهد الوطني للعمل.
ومما زاد حدة هاجس الخوف من شبح الخصخصة وتسريح العمال، هو كون قانون المالية لم يوضح ما هي المؤسسات المعنية بإجراء الخصخصة ولا توقيت ولا أسباب الخصخصة، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام التكهنات باحتمال شمول القانون المؤسسات الاقتصادية الوطنية الاستراتيجية كمؤسسة سوناطراك عملاق المحروقات بالبلاد، أو سونالغاز وكذا الخطوط الجوية الجزائرية. الأمر الذي أزعج التنظيمات النقابية بشكل كبير، بعدما عَدَلَت الدولة عن سياسة الخصخصة، سنة 2000، وتم تجميد نشاط المجلس الوطني للخوصصة، ثم تحولها بعد ذلك في سنة 2009 إلى إعادة تأميم المؤسسات الاقتصادية المخصخصة.
ويرى الخبير الاقتصادي، أحمين شفير، في حديث لـ "العربي الجديد" أنه ما يعاب على الحكومة، الآن، هو انعدام الحصيلة لمسار الخصخصة الذي تم من قبل، وهذا لا يمت بصلة للعمل العلمي الجاد والموضوعي، داعياً إلى وقفة لتقييم العملية التي بدأت في 1995 قبل أن تتوقف سنة 2000، لتستخلف بقانون الاستثمار المتضمن قانون الخصخصة الذي رفضه الاتحاد العام للعمال الجزائريين حينها شكلاً ومضموناً، كونه كان حاملاً لمشروع خصخصة كلية لكل المؤسسات الاقتصادية الوطنية دون استثناء، بما فيها المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية الكبرى مثل سوناطراك وسونالغاز.
سيادة الدولة
ويلفت الدكتور شفير إلى أن هذا التوجه غير مقبول إطلاقاً حفاظاً على سيادة الدولة، إذ من اللازم على الدولة في هذه الحالة تطبيق حق الشفعة وحفاظها على سهم واحد فقط على الأقل، وهو السهم السيادي يمكنها استعماله في حال اتخاذ صاحب المؤسسة الجديد قراراً يمس سيادة الدولة. ويشرح أن تجميد نشاط المجلس الوطني للخصخصة، جعل المؤسسات المخصخصة تفشل في تحقيق الهدف الذي خصخصت لأجله، وهو توفير مداخيل مالية للدولة.
ويتساءل الدكتور شفير عن سبب ربط الخصخصة كحل للأزمة الاقتصادية، نافياً أن تكون كذلك، خصوصاً وأن العملية لا تتعدى كونها تغيير طبيعة الملكية من عمومية إلى خاصة، مشيراً إلى أن الدراسات والتجربة تؤكد أن هذا التغيير ليس هو الحل، بل الحل يكمن في طريقة التسيير وليس في طبيعة الملكية، وفي تحسين ظروف الأعمال كلها وإضفاء نوع من الشفافية في العملية الاقتصادية ووضع مسيّرين أكفاء.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول، في حديث لـ "العربي الجديد" إنه وخلال ترأسه المجلس الوطني للخصخصة من 1996 إلى 2000، لم يتمكن هو وفريقه من فعل أي شيء في مجال الخصخصة، حيث انهمكوا في دراسة القضية وجمع المعطيات اللازمة لتنفيذ خصخصة ناجعة، لكن وزير الاستثمار الجديد آنذاك قرر بصفة فجائية وقف العملية. مضيفاً أن هذه العملية سبقتها عمليات خصخصة بعض المؤسسات العمومية، حيث تم بيعها لعمالها في إطار تسيير جماعي لمؤسستهم وتحمل نتائج تسييرهم، وهي عملية نجحت على مستوى بعض المؤسسات وفشلت في أخرى.
وبخصوص الوضع الحالي الذي تمر به البلاد من سياسة تقشف في ظل تراجع أسعار النفط وما نتج عنه من أزمة مالية، يؤكد الدكتور مبتول، أنه لا بد من توجه الحكومة إلى الخصخصة، مقترحاً أن يشجع القطاع الخاص بقوة، وأن تترك المؤسسات العمومية تموت لوحدها تمهيداً لخصخصتها فيما بعد، لافتاً إلى ضرورة أن ترافق عملية الخصخصة جلب خبرات وكفاءات أجنبية في التسيير. ويعلل ذلك بكون رأس المال وحده لا يخلق الثروة وإنما ما يخلقها هو العمل والكفاءة، مضيفاً أنه ليس ضد القطاع العام، لكنه مع قطاع عام يتماشى مع المنافسة العالمية. ويدعو مبتول إلى استقلالية القرار الاقتصادي لمسير المؤسسة العمومية بعيداً عن أي توجيه سياسي.
اقرأ أيضاً:هل تعود الجزائر إلى الاستدانة الخارجية؟
فالمادة الـ 66 من قانون المالية 2016 أعادت إلى الأذهان سنوات التسعينيات وإجراءات الخصخصة. وعرفت الفترة الممتدة من 1994 إلى 1998 تسريح أكثر من 318 ألف عامل من المؤسسات العمومية ذات الطابع الاقتصادي، وهو ما يمثل نحو 41% آنذاك من العدد الإجمالي لعمال هذه المؤسسات حسب إحصائيات المعهد الوطني للعمل.
ومما زاد حدة هاجس الخوف من شبح الخصخصة وتسريح العمال، هو كون قانون المالية لم يوضح ما هي المؤسسات المعنية بإجراء الخصخصة ولا توقيت ولا أسباب الخصخصة، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام التكهنات باحتمال شمول القانون المؤسسات الاقتصادية الوطنية الاستراتيجية كمؤسسة سوناطراك عملاق المحروقات بالبلاد، أو سونالغاز وكذا الخطوط الجوية الجزائرية. الأمر الذي أزعج التنظيمات النقابية بشكل كبير، بعدما عَدَلَت الدولة عن سياسة الخصخصة، سنة 2000، وتم تجميد نشاط المجلس الوطني للخوصصة، ثم تحولها بعد ذلك في سنة 2009 إلى إعادة تأميم المؤسسات الاقتصادية المخصخصة.
ويرى الخبير الاقتصادي، أحمين شفير، في حديث لـ "العربي الجديد" أنه ما يعاب على الحكومة، الآن، هو انعدام الحصيلة لمسار الخصخصة الذي تم من قبل، وهذا لا يمت بصلة للعمل العلمي الجاد والموضوعي، داعياً إلى وقفة لتقييم العملية التي بدأت في 1995 قبل أن تتوقف سنة 2000، لتستخلف بقانون الاستثمار المتضمن قانون الخصخصة الذي رفضه الاتحاد العام للعمال الجزائريين حينها شكلاً ومضموناً، كونه كان حاملاً لمشروع خصخصة كلية لكل المؤسسات الاقتصادية الوطنية دون استثناء، بما فيها المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية الكبرى مثل سوناطراك وسونالغاز.
سيادة الدولة
ويلفت الدكتور شفير إلى أن هذا التوجه غير مقبول إطلاقاً حفاظاً على سيادة الدولة، إذ من اللازم على الدولة في هذه الحالة تطبيق حق الشفعة وحفاظها على سهم واحد فقط على الأقل، وهو السهم السيادي يمكنها استعماله في حال اتخاذ صاحب المؤسسة الجديد قراراً يمس سيادة الدولة. ويشرح أن تجميد نشاط المجلس الوطني للخصخصة، جعل المؤسسات المخصخصة تفشل في تحقيق الهدف الذي خصخصت لأجله، وهو توفير مداخيل مالية للدولة.
ويتساءل الدكتور شفير عن سبب ربط الخصخصة كحل للأزمة الاقتصادية، نافياً أن تكون كذلك، خصوصاً وأن العملية لا تتعدى كونها تغيير طبيعة الملكية من عمومية إلى خاصة، مشيراً إلى أن الدراسات والتجربة تؤكد أن هذا التغيير ليس هو الحل، بل الحل يكمن في طريقة التسيير وليس في طبيعة الملكية، وفي تحسين ظروف الأعمال كلها وإضفاء نوع من الشفافية في العملية الاقتصادية ووضع مسيّرين أكفاء.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول، في حديث لـ "العربي الجديد" إنه وخلال ترأسه المجلس الوطني للخصخصة من 1996 إلى 2000، لم يتمكن هو وفريقه من فعل أي شيء في مجال الخصخصة، حيث انهمكوا في دراسة القضية وجمع المعطيات اللازمة لتنفيذ خصخصة ناجعة، لكن وزير الاستثمار الجديد آنذاك قرر بصفة فجائية وقف العملية. مضيفاً أن هذه العملية سبقتها عمليات خصخصة بعض المؤسسات العمومية، حيث تم بيعها لعمالها في إطار تسيير جماعي لمؤسستهم وتحمل نتائج تسييرهم، وهي عملية نجحت على مستوى بعض المؤسسات وفشلت في أخرى.
وبخصوص الوضع الحالي الذي تمر به البلاد من سياسة تقشف في ظل تراجع أسعار النفط وما نتج عنه من أزمة مالية، يؤكد الدكتور مبتول، أنه لا بد من توجه الحكومة إلى الخصخصة، مقترحاً أن يشجع القطاع الخاص بقوة، وأن تترك المؤسسات العمومية تموت لوحدها تمهيداً لخصخصتها فيما بعد، لافتاً إلى ضرورة أن ترافق عملية الخصخصة جلب خبرات وكفاءات أجنبية في التسيير. ويعلل ذلك بكون رأس المال وحده لا يخلق الثروة وإنما ما يخلقها هو العمل والكفاءة، مضيفاً أنه ليس ضد القطاع العام، لكنه مع قطاع عام يتماشى مع المنافسة العالمية. ويدعو مبتول إلى استقلالية القرار الاقتصادي لمسير المؤسسة العمومية بعيداً عن أي توجيه سياسي.
اقرأ أيضاً:هل تعود الجزائر إلى الاستدانة الخارجية؟