ينبغي على المثقّف أن ينخرط في المواجهة من المسافة صِفر، أسوة بالمقاتل الفلسطيني الذي واجه دبّابة إسرائيلية في غزّة بقدمين حافيتين، وأطاح بها من المسافة صِفر.
مُتابعة الأخبار مُهمّة في مثل هذه الأوقات، لكنّ المتابعة بحاجة إلى تنظيم، من أجل التعامل مع الصدمة والقدرة على التفكير والإنتاج. حالتنا القُرفصائية، نحن "أسرى الأخبار العاجلة"، تتناقض مع مشروع التحرُّر الذي نتلهّف إليه في الأخبار.
في عام 1994، يحمل خليل طفله الخامس حديث الولادة، يُكبّر في أُذنه. وهُنا كنتُ أتعرّف إلى ملامح الشخص الذي سيكون لي في ما بعد الدليل في رحلتنا الكبيرة، وسأحمل اسم سائد. كان أوّل صوتٍ أسمعُه بعد الطبيب الذي انتشلني من قدمي وهو يُريني الحياة بالمقلوب.
في النقاشات، هناك، بعيداً عن النّار ودخنة المولوتوف في الشارع، نتبدّى ككائنات من خيوطٍ وأقمشة ودخان سجائر، بيد أنّ الواقع من سلكٍ شائك ورصاص. نحن بحاجة إلى المثقّف الرُّمح، نموذج يمشي بين الناس، يتخلّص من حدبة ظهره.
إنجازات فردية واهتراء مؤسساتي، وخروج من عامي الوباء. هكذا يمكن تلخيص المشهد الثقافي في فلسطين المحتلة خلال عام؛ مشهد لم يرتقِ مثقّفوه إلى مستوى التحركات الشعبية المقاومة. مع العام الجديد، يعود المثقّفون للوقوف أمام اختبار القدرة على المواجهة.
بعيداً عن العيون والصور/ ووحيداً/ ظهرتَ يا علي بين الأشجار/ بثوبك المعطّر بالتراب/ بعيداً عن الوظيفة/ وقريباً من قلب البلاد/ سقيتَ الأرضَ ومضيت يا علي حرب/ وجهاً وقلباً في مواجهة القَتَلة.
مع انقضاء 2021 وبداية العام الجديد، لا يزال المثقّفون الفلسطينيون أمام أسئلة مفتوحة حول طبيعة دورهم في الهَمّ الجماعيّ، وجدوى أدواتهم الثقافية وأولوياتها. ولكنّ المختلف هذه المرّة أنّ تلك الأسئلة تأتي مترافقةً بشعور المقتدِر على المواجهة.