المعارضة السورية المحسوبة على تركيا، بدلاً أن تراجع تجربتها، تحمّل الكرد مسؤولية الخسارات الكبيرة التي تعرّضت لها الفصائل المسلحة، بالقول إنهم عقدوا تفاهمات مع النظام، أو سمحوا له باستخدام المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وأنهم شاركوه في معارك ريفي إدلب وحلب.
الأميركي والروسي، والتركي والإيراني، وكل طرفٍ يسعى إلى تعزيز نفوذه في منطقة شرق الفرات في سورية، وبناء تحالفاتٍ متداخلة، وإقامة مراكز عسكرية وأمنية، وتشكيل جماعاتٍ مسلحة، حيث تحوّل السباق على استمالة القبائل العربية إلى حربٍ محمومةٍ بين هذه الأطراف.
قد يحمل الانطلاق من البعد القومي فقط، لحل القضية الكردية، نتائج سلبية قاتلة، لجهة التخندق خلف الأيديولوجيا القومية الضيقة، والاحتراب بين الهويات المكونة للدولة، فقضايا الدول لم تعد تحلّ بمثل هذه النظريات الضيقة، وإنما من خلال تأسيس دولة عصرية.
كلما حذّرت تركيا من التصعيد في إدلب، ردّت موسكو بأن تركيا لم تفِ بالتزاماتها. وكلما قالت تركيا إن قسد لم تنسحب من كامل المناطق حسب اتفاق سوتشي، عقب عملية "نبع السلام"، ردّت موسكو بأن المقاتلين الكرد نفذوا الانسحاب الكامل.
كيف سيؤثر تشكيل الرئيس السابق لحزب العدالة والتنمية التركي، داود أوغلو، حزبا جديدا على "العدالة والتنمية" وزعيمه الرئيس أردوغان؟ لعل الخطر الأساسي الذي يهدّد الحزب أن الجمهور الأساسي الذي سيذهب مع حزب أوغلو الجديد هو جمهور "العدالة والتنمية" نفسه.
لوّحت روسيا سابقاً باستخدام الورقة الكردية في وجه تركيا، لكنها الآن في أفضل علاقات مع الأخيرة، وترجّح المصالح المتزايدة بين الجانبين مزيداً من التفهم الروسي للمطالب التركية، كما أنها تتهرّب من مطالب الكرد، كعقاب لهم على تحالفهم مع واشنطن.
تفيد خطوة موسكو إقامة قاعدة لها في مدينة القامشلي شرق سورية بقناعاتها بأن التطورات الميدانية في سورية وتوازن القوى والمسارات السياسية، هي تغيرات لصالح استراتيجيتها، ولعلها استفادت في ذلك كله من التخبط الأميركي.
أنتج التقارب التركي - الروسي سلسلة تفاهمات بشأن الأزمة السورية. وعلى وقْعها، حرص كل طرفٍ على تفهّم الآخر. وهكذا انتقلت روسيا من سياسة رفض الدور التركي في سورية إلى تفهّمه، وبل تفهم المخاوف التركية بخصوص الوضع في شمال شرق سورية.
خيار أن تواجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع تركيا إذا استأنفت الأخيرة عمليتها العسكرية في شمال سورية خاسر، في غياب الحماية الأميركية من سلاح الطيران. والذهاب إلى النظام، من دون اعتراف الأخير بالحقوق السياسية للكرد، بمثابة نهاية للتطلعات السياسية.
واشنطن التي تحس بصعوبة الموقف في شرق الفرات في سورية، لحسابات لها علاقة بالحليفين، التركي والكردي، مع ترجيح أولوية العلاقة مع تركيا، تدرك أنه لا مناص من عمليةٍ تركيةٍ، بعد أن أوصل أردوغان الأمور إلى نقطةٍ لا رجعة عنها.