هذه السيّدة التي خرجت لتغطّي حدثاً وتعود بقصة، صارت هي الحدث، وصارت هي القصة. هذه السيدة التي لا أعرفها، لكن وجهها وضحكتها وبسمتها صارت اليوم أقرب من أقربائي، تعيد بموتها كل الآلام وكل الذين قُتلوا من قبل من أجل قضية.
أمرٌ غريب يحدث للثقافة المصرية، وهو أنّه لا يحدث شيء. يبدو أنّ الثقافة المصرية باتت عاجزة تماماً عن تقديم أيّ جديد، وأصبح الأمر المسموح بالحديث فيه هو نجيب محفوظ، وأين سيستقرّ، ومع أي ناشر ستصدر طبعات جديدة من كتبه...
كانت الرؤوس مشرئبة، والأعناق تحاول أن ترتفع أكثر من طاقتها، شخصت الأبصار حينما سمعت النبرة الغليظة والتعليمات، وارتجت الحناجر من الغضب، صرخ الرجال، وبكى الأطفال، ازداد الهلع في قلبي، ورددت كما ردد الآخرون: - روحونا.. روحونا.
وقع خطاب الدعاة الجدد، منذ بداية الألفية، على هوى النظام المصري تماماً، فالانصراف عن مسائل السياسة يتيح نسيان مسؤولية الدولة تجاه شبابها، فلا ضير من ترك المجال واسعاً لعمرو خالد وأمثاله يلقن الشباب مواعظ عن الصبر والاعتماد على الذات.
كن يردّدن نفس الكلمات، يردّدنها منذ سنوات، منذ نفيهن إلى هذه الدار، كأنها صارت أناشيد، أضفن لها مؤخرًا عبارة "جفاف الماء" حينما تناهى إلى سمعهن ما يحدث في المدينة من جفاف. حينما أزورهن كل سنة، أجدهن لا يزلن يمضغنها...
مضى يبحث، بعدما ظفر بالمنديل المبتل بدموع الصغير، عن باكٍ آخر. مرّ على شحاذ يبكي، وتمعّن في دموعه، ثم تجاهله وواصل البحث. دخل إحدى دور العبادة، لمح رجلاً يجلس، ويواري بكاءه. جلس أمامه، وأعطاه منديلاً جديداً، وقال: اسكب دموعك هنا.