العنف البيروقراطي الذي يواجهه غالبية السكان في شتى نواحي حياتهم، والتغيّر المربك عمرانيًا ومجاليًا لـ نواكشوط أدّيا إلى تسطيحٍ كليّ لعلاقة السكان معها، فأصبحوا لا يشعرون بانتماءٍ مدنيّ عميق لها، يوفّر بعض المقاومة أو العزاء إزاء الواقع القاسي المحيط بهم.
كلُ جسدٍ تقريبًا، يحملُ توقيعًا ثقافيًا بارزًا يتجلّى في سماته وأنماط حركته وآليات تكيّفه وتأديته المهّام المنوطة به. والزواج من الأجنبيات، خصوصًا في حالة الشباب العربيّ، يبدو ساحة لا بأس بها لعرض تلك التوقيعات الثقافية أو لبروزها.
واضحٌ أنّ مشكلة الصحافة في موريتانيا ليست عرضيّة. وواضحٌ أيضًا أن حلّها يجب ألا يكون هو الآخر عرضيًا. فلا مشكلتها تنحصرُ فقط في غياب البنية التحتية الأساسية، أو في غياب حقوق العمال، أو في فوضوية ولا معيارية العمل الصحافي.
لعلّ السمة الأكثر عمومية في الصحافة الموريتانية الحالية هي طبيعتها الإخبارية السريعة. لهذا فهي، في كل صيغها المكتوبة والمسموعة والمرئية، تكتظ بالأخبار من شتى الأنواع والأنماط، لدرجة تجعل ذهن المشاهد/ القارئ/ المستمع مقولبًا ومشوشًا.
الحديث عن الصحافة في موريتانيا لا يحيل لواقع مؤسسيّ وثقافيّ ومدنيّ يتجسّد وفقًا لقوانين ومعايير محددة متجددة، وإنمّا يحيل إلى واقع غير مؤسسيّ وفوضوي مُصاب بارتباك شديد في تجسيد نفسه داخل ما يُعتبر فضاءً عموميًا.
في كثيرٍ من الأحيان، تتحوّل هذه الأعمال إلى إعلاناتٍ تلفزيونية فقيرة، بسبب صيَغ النصح والأمر التي تسودها فيها من كل جهة، فطريقة تناولها للمشاكل الاجتماعية والثقافية القائمة تتخذّ من فكرة الالتزام الفنيّ ذريعةً لها، لتتحوّل إلى عرض أسري وأخلاقوي.
منذ عام 1985 بدت "الكزرة" على وشك أن تصبح ممارسة تقليدية ضمن مدينة نواكشوط، فلم تقتصر فقط على ضواحي البلاد، وإنما شملت أيضًا الساحات العامة في المدينة نفسها. ولأوّل مرةً كاد الجميع يمارسون "الكزرة"، أي الامتلاك غير القانوني للأرض.
التصوّرات الشعبية في موريتانيا عن هذه الظاهرة الطبيعيّة لا تخلو من العجائبيّة التي تنسبُ لمجالها الجغرافيّ بعض المزايا الخارقة على صعيد الحياة المرتبطة بمتطلّبات الحياة القرويّة، ومع ذلك، فهي ربما لا تستطيعُ مجاراة الانبهار العلميّ الحديث إزاء الظاهرة
لطالما كانت ملكية الأرض في موريتانيا مرتبطة بصراعاتٍ حادّة يسحق فيها طرفٌ ما طرفًا آخرَ، فالقبائل الموريتانية المتعدّدة ما زالت محتفظة بملكيتها العرفية للأراضي، وتعملُ على ذلك الأساس وكأنها في حالةٍ من اللّامبالاة إزاء أيّ واقعةٍ حديثة كالدولة.
كان هؤلاء اللصوص يتميّزون بعددٍ من السّمات التي تُحدّدهم، لا تقتصر على لباسهم أو تسريحاتهم الغريبة حينها بالنسبة لغالبية السكان، وإنمّا تشملُ أيضًا طريقة الكلام، حيث كان السباب العامي الحادّ مُرفقًا بكلماتٍ فرنسيّة ركيكة هو ما يعتمدونه مع الضحايا.