سيسجل التاريخ في صفحاته أن "فزعة" الجزائر، حكومة وشعبا، لتقديم يد العون للأشقاء في ليبيا المكلومة بالإعصار، وبقاء فرقها المختصة للإنقاذ والإغاثة، صامدة هناك بعد قرابة الأسبوعين من الكارثة، هي من أكثر النقاط المشرقة في تاريخ العلاقات العربية الحديثة.
إذا كانت مآخذ المغرب ضد الجزائر تتركز أساساً على موقفها الداعم البوليساريو واستقلال الصحراء، فإن مسبّبات نقطة اللاعودة التي وصلت إليها علاقات الجزائر بالمغرب قبل الزلزال قد تعزّزت اليوم بعده بشكل كبير، بسبب إضافي شكّل بحق جداراً فاصلاً آخر.
جهود الوساطة التي تحاول دول عربية، خليجية تحديدا، وحتى أوروبية، القيام بها على استحياء بين المغرب والجزائر، تصطدم، منذ إعلان الجزائر في 4 أغسطس الماضي، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، بفيتو جزائري صلب.
أدرك الشعب الجزائري المفجوع في أبنائه الذين ماتوا حرقا بفعل الطبيعة، أو المفجوع في ابنه الذي مات غدرا بفعل أعداء الطبيعة والحياة، أن الأعداء يتربّصون في المنعرج القريب للانقضاض على وطنهم الذي سوف يبقى جميلا بنقاوة الإنسان فيه، موحدا بعقيدته وتاريخه.
استجدّت، أخيرا، أخطر أزمة في تاريخ المغرب والجزائر منذ حرب الرمال عام 1963، لذا يحتاج الأمر إلى عقول رزينة لتجاوز حسابات الأنظمة المرتبطة وظيفيا بقوى دولية متصارعة، لتفادي الهاوية التي تتصاعد منها ألسنة اللهب الأسود وتدفع إليها أيادٍ خبيثة ومجرمة.
تصف وزارة الدفاع الجزائرية المتمرد الليبي، خليفة حفتر، من دون ذكر اسمه، بأنه "من الأطراف المريضة، المتعطّشة للسلطة"، ومن "المعتوهين والمتهورين"، وتحذره في تهديدٍ شديد اللهجة برد على استفزازاته التي أعقبت إعلان مليشياته غلق الحدود بين الجزائر وليبيا.
الأيام الأربعون المقبلة حاسمة وملتهبة في الجزائر، فالنقاش على أشده حول مشروع الدستور الجديد الذي تم طرحه على البرلمان بغرفتيه، وتم تمريره بـ"الإجماع"، في ظل مقاطعة أبرز أحزاب المعارضة له، وفي ظل الرفض الشعبي الواسع والعارم لهذا المشروع.
إذا كان العالم قد تابع الهجمة الشرسة التي تعرّضت لها تركيا وقيادتها السياسية، بعد قرار استعادة آيا صوفيا مسجدا، فإن ما لا يعرفه كثيرون أن فكرة بناء مسجد الجزائر الأعظم بتلك المواصفات العابرة للحدود قد أشعلت ضده حروبا طاحنة، قادتها فرنسا وكنيستها.
عندما يؤكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، وجود تنسيق يومي مع تركيا بشأن الملف الليبي، فهذا يعني أن الجزائر ترفض أن تلعب القاهرة لعبتها الخطرة وحدها، الأمر الذي يستلزم معه ردود فعل بمستوى حجم هذه اللعبة الخطرة، من أبرزها خروج الجزائر من عزلتها.
سباق محموم، من أجل السيطرة على منابع الطاقة في المنطقة، حقول النفط في الصحراء، وحقول الغاز في عرض المتوسط، والخطوط الحمراء التي تتخللها أضواء خضراء وأخرى برتقالية، تذهب بعيدا فوق كثبان رمال ليبيا، لنكون أمام اللعبة الاستعمارية القديمة ذاتها.