الشعر أرشيف لفلسطين متخيّلة، ويخلق منصّة للتفكير وإعادة التخيّل الجمعيّ لتجاربنا معها. ليس ثمّة واقع ماديّ لفلسطين يستطيع أن يستبدل المكان الأسطوريّ الذي قد ضاع. إنّ بكائيات الحنين لفلسطين، للزمان والمكان الضائعين، قد أصبحت نوعاً من "الفولكلور".
كان عليّ من أجل أن أتخيّل فلسطين بشكلها الحالي (حيث للاحتلال مساحته المعمارية الاستيطانيّة) أن "أمرّن" نفسي على النظر إلى الأشياء بشكل مختلف. فكنت لا أرى أسماء الشوارع المعبرنة التي تحمل أسماء قتلة صهاينة. ولا أرى المستوطنات الجاثمة على التلال.
ثمّة مكان ملموس يقدّم معادلًا للذكريات والحنين والأحلام الفلسطينيّة- أي لخيالاتنا. إنّ أفكارنا عن الحقيقي والمتخيّل ليست سوى أشكال من سوء الفهم. ولهذا فإنّ دور الحنين هو أكثر بكثير من مشكلة تحتاج حلًا.
ارتبط لغز غزة دائماً في ذهني بأبي الذي لم أعرفه أبداً في الحقيقة. كانت رمزاً للمجهول، ذلك المكان القصيّ الذي عاش فيه طفولته بعد تدمير قريته "بربرة" التي تُسمى الآن "آشكيلون"، على يد "إسرائيل" في 1948.
ليسوا كثراً مَن تتاح لهم فرصة مقابلتها هذه الأيام. ربما لأنه بات من الصعب عليها أن تسافر، أو أنها نادراً ما تتواصل مع أحد "أونلاين". الصدفة وحدها قادتني إلى شقتها الباريسية، حيث جلسنا في غرفة مشمسة ودار حديث من القلب.