الخوف يصحو أيضًا/ يمشي معك إلى الحمام/ يغسل وجهه/ أسنانه/ يُملِّس شعره../ ثم يخرج ليراقب القهوة تفور/ يجلس على الكرسي/ يتصفح الجريدة/ يطلّ من النافذة/ الخوف هنا/ ظله على الجدار/ أقدامه تظهر من تحت الستائر/ يتحرك/ يمشي/ يظهر أمامك عاريًا/ جسده شفاف...
نحن متنا في طفولتنا/ أنا حضرت عارياً/وضعوني في ملاءة بيضاء/وودعوني وداعاً خفيفاً/ لا أذكر الأشياء واللغة/وصورة البيت ذابت/ ملحاً على حجر مبلّل/ لكني أشعر بالدفء/ ربما كان بيتنا دافئاً/ أمي تلفُّ يديها حول النار/وتهمس لها/ والنار تخرج من طفولتها/زهرةً حمراء.
لم نكن مغرمين، كُنَّا حزانى..ولهذا قضينا كل هذه المساءات سويًا. وبالدم الذي يتخثر في عروقنا من اليأس، كنا نجلس فوق الأرض العارية، ونبدأ بالكتابة
وعرفنا كيف تخرج كل هذه الوحدة من العظام، وكيف نهرع في الليل إلى الأسرة باكين.
مثل العالم كنتَ أنت، كنت بيديك هاتين، وبيدي العالم. تخبئ في قلوبهن الحزن، تخبئ، عامدًا أو غير عامد، في لمعة عيونهن الانطفاء الممكن. رأيناك وأنت تشهد انكسار الغصن، رأيناك وأنت تكسره، ورأيناك تجر ندمًا ثقيلًا وتقول: ليته لم يكن.
وقالوا: عجّل موتك، نريد العودة إلى بيوتنا. قلتُ: سأهبط الآن/ لكن شخصًا ما/ كان يحرق قشًا في البعيد/ جاء، وحدّق في عينيّ.. جاء، وكنت حيًا. جاء، ولم ينتظرني حتى أموت.. لكن شخصًا/ كان يحرق قشًا في البعيد.. جاء، وسرق ثيابي.
عندما كنت في المهد/ كنت أتذكّرني، حينما كنتُ دمية ثلجية/ أبكي الصقيع، في الخارج. لكن أمي/ جعلتني صندوقاً خشبياً/ وأخذت تكدّس الأحزان/ في قلبي. والعربات في الخارج/ أيها الهواء الأخير/ والعشب الأخضر/ الذي سأفتقد/ جاءت لحمل جثّتي.
نشكرك على المنافي الخضراء، ولكن، نريد بلادنا اليابسة وخبزنا اليابس نريد بلادنا ولو كانت يابسة. نشكرك على الشبع، ولكننا نريد جوعنا القديم وخبزنا اليابس. لو أن نومك كان أثقل قليلًا كي لا تصحو عند الفجر ونحن نيام، نربي حلمنا الوحيد.
طبعًا أنا لست وصية على أحد، إذ لكلٍ طقوسه وأطباقه المفضلة. لكن لا أستطيع أن أتقبل شاعرًا يكتب شعرًا وهو يستمع للموسيقى، أتخيله يفعل ذلك وهو يمضغ العلكة وينظر لساعته كل حين ليعرف الوقت الذي تبقى له كي يسلّم قصيدته.
جرّب -قبل أن تتباهى بذلك- أن يأتيك الشعر في مكان عام، أن تغصّ في قصيدة، وأنت تعبر شارعًا أو تمرّ وسط حشد، أو تشرب كأسًا، برفقة أصدقاء الحياة اليومية، الذين لا يأبهون بالشعر. جرّب، أن تحاول يائسًا أن تبرّر لِمَ.
طبعاً غير الاستلقاء وتأمُّل السقف طوال اليوم لأن هذا شيء أبرع فيه. أذكر مرة أن أمي أحضرت والدي وأخي الصغير ليتطلعا معي لسقف غرفتي وأخذت تسألهم باستغراب إلام أنظر وإن كان يوجد في السقف شيء لا تستطيع رؤيته.