أموتُ في الشتاء لأن لي روح شجرة/ تتظاهر بالحياة في مكان بعيد/ على القبر/
تضع أعشاباً مقطوفة بيدين صغيرتين / طفلة ترتدي فستاناً عليه صور حبّات الفراولة/ ثم تمسح حذاءها الجديد/ من طين اليوم الماطر وتسأل أمّها ما الموت؟
أبٌ يضمّد جرحاً طفيفاً في الإصبع/ أمٌ تنتظر عند باب المدرسة/ حبيبةٌ بعصفورين صغيرين مُضيئَين/ عربات زراعية معطّلة في حقول القمحِ/ عجلاتها السوداء المثقوبة متهدّلة على التراب/ أبنيةٌ مهجورة إلّا من ظلال الأرواح/ شجرة النارنج بعطرها الزيتي في بيت الجد.
أرى باعة الموسيقى والأفلام المسروقة والقلائد/ يتنقلون بين عربات القطار/ غير آبهين بالموت تحت العجلات الحديدية غير خائفين من الشرطة والضريبة/ أرى عرّافات يقرأن الراحات والوجوه/ ويخبرن الجميع بآتٍ يعرفه الجميع/ في متاهة من مرايا اسمها النهايات الرتيبة.
تحت قنطرة الجسر/ خبزٌ/ ريشٌ/ وذرق حمام/ سرخس الرطوبة على القرميد/ وصندوقا قمامةٍ فائضان. تحت قنطرة الجسر/ يقطر المطر من الحواف/ يرتفع صوت كعب المرأة العابرة/ يبول ولدٌ مسرعٌ/ ورجل أنيقٌ يمرّ متحدثاً على هاتفه
دون أن ينتبه لكل هذا.
في الطريق إليكِ أتلمّس هواءً رمادياً. غربان في كل مكان، غربان أنيقة، تسنّ مناقيرها بالأحجار الناتئة، حيث صدى حدّادين يقرعون بمطارقهم النارَ، يأتي من قلاع خلت من الأباطرة ومن الضحايا. هذا كل ما يبقى، عشبٌ مهملٌ، يعشّش في شقوق القرميد.
نريد أماكن مهملة/ لا شيء يلمع فيها للقراصنة/ أماكن خاوية من الكنوز/ ننمو بسلامٍ فيها مثل نباتاتِ الحمقاء/ نريد أماكن من صلصال/ نشكّلها كما تشتهي أحلامنا عنها/ نحن خزّافو الزمان الطيبون/ وضحايا ناره الدائمون.
الآن، شريداً، ليس بالإمكان نسيانكِ، لا لشيءٍ سوى لأن المطر الهاطل، على زجاج الوحدة، لا يمكن أن يصيرَ مملاً/ الآن، وأنت خارج من أناقة القصائد،
اللغة سهلة المنال، كأنها لوحة من طباشير، تُمحى وتُكتب، تُكتب وتُمحى.
ما لا يُروى، يصير نباتاتٍ في حديقة البيت، ثياباً منسوجةً بإبر الأناة، أباريقَ فخّارية، بأعناق مائلة في الزوايا، وأسرّة خاليةً، مرتبةً لضوء النهار. ما يُروى، يصيرُ بشراً، حائرين، متوجسين، في شساعة الكلام.
لا أسماءَ/ هم هكذا/ السابلةُ الرائحون في الطرقات/ الجالسون على المقاهي/ في حميم الثرثرة/ الأمهات يدفعن عربات أطفالهن. والغادون مع اللهاث/ قبل أن تبرق/ إن سُجّوا كصفائح الخردة/ كبقايا الآلات في المعارك.
يقولون إن المهجع الخارجي كان كافتيريا للضبّاط والمحققين في الفرع، ولكن لكثرة المعتقلين حوّلوه الى سجن على عجل. لا غرابة، لقد حوّلوا كل شيء الى سجن في تلك البلاد، المدرسة والبيت والشارع والسينما والمقهى والحديقة.. وماذا أيضاً! الناس!