كان المتنبي يحيل كلَّ من يراجعه في مسألة لغويّة أو في تفسير شيء من شعره إلى ابن جنِّي. قد تُحمَلُ فتواه هذه على محمل الطُرفةِ أو التبجيل، غير أنَّ التأمّل فيها لا يلبث أن يضيء العلاقة الغامضة بين "المكتوب" و"المقول".
فُتح لنا ودعينا إلى غرفة الشيخ فخلعنا نعالنا ودخلنا على رجل نحيل، ثاقب النظرات حادّها، متربّع أرضًا أمام منضدة من خشب ووراءه، ومن حواليه، رفوف معدنية امتلأت بكتبٍ عليها سيماء الاستعمال الجادّ المثابر.