كل سوري خاسر، فوجع الحنين يقابله وجع العيش غير الكريم في سورية، وكل سوري خاسر. ولا أحد يبالي بحل الأزمة السورية، لأن حلها للأسف لم يعد بأيدي السوريين. إلى متى سيتحمل السوريون عذاب الروح، وقد تجاوز صبرهم صبر أيوب؟
لا أحد في الداخل يدافع عن قضية المعتقلين، عن شبّانٍ آمنوا بأحلامهم. كان مصير الشبّان الذين آمنوا بالحرية وبإمكانية تحقيقها السجن والتعذيب والموت تحت التعذيب، وقمّة الرفاهية أن تسلم الأجهزة الأمنية جثثهم إلى أهاليهم.
بمعرفتك متوسط دخل المواطن السوري الموظف في الدولة (بين 30 ألف ليرة سورية و40 ألفا)، تدرك استحالة أن يتمكّن هؤلاء (وهم الأغلبية) من إلحاق أولادهم بالاختصاص الجامعي الذي يرغبون.
من يتأمل وجوه أطفال سورية النازحين المُروعين من هول الإجرام يرى ما لا يُرى، يرى أبعد من الواقع المُخزي الوحشي، يرى طفولةً منطويةً على ذاتها، مختبئة في دهاليز الروح العميقة، تقتات على ذكرياتٍ رائعةٍ، قُصفت بومضة عين.
ينقسم الشعب السوري بين مُروّع من الأمن وهو الأكثرية، ولا يجرؤ أن يكتب أكثر من "الله يرحمه" على القتيل في فرع المخابرات. والقسم الآخر مبتلى بأنه لم يستطع أن يهرّب أولاده خارج سورية، فحملوا البندقية رغماً عنهم.
ألف خسارة وخيبة أن تجد من يدعون الوطنية وحب سورية هربوا منها، وهرّبوا أولادهم، واكتفوا أن يكون دورهم التصفيق والتهليل لموت أبناء الآخرين وشبابهم. يا للعار والخزي. فبركة أفكار كهذه أخطر بملايين المرات من فبركة فيلم أو لقطة تلفزيونية.
مهزلة الإعلام السوري أنه لا يبالي بأبسط قواعد علم النفس، ويتعامل مع طفل شهد ذبح أمه، ومر بتجربة خطف سنواتٍ، كما يتعامل مع تلميذ في المرحلة الابتدائية، يطلب إليه أن يكتب موضوع تعبير يصف الربيع.
تبدأ حلقة فساد التعليم المُروعة في سورية من مبدأ التلقين في المدرسة، والذي يتخذ شكله الأعظم في الشهادة الثانوية، ويستمر في الجامعة، والنتيجة إنتاج أجيال لا تعرف التفكير، ولا البحث العلمي، ولا اتخاذ قرارات، فكيف ستبني هذه الأجيال الأوطان؟
من يقرأ الأدب الياباني، لا يجد كلمة الله، ويعرف أنه ليس لدى اليابانيين الوصايا العشر، والانتحار عندهم ليس قتلاً للنفس، ولا خطيئة، بل قرارا حرا، لكن هذا الأدب يعرفك بمنظومة أخلاقية عالية جداً تحكم العلاقات بين اليابانيين.
الكراهية الزائفة فرضها النظام والدول الكبرى الظالمة على السوري، فهو أساساً إنسان يُحب الحياة، لكننا نحب الحياة إذا مااستطعنا إليها سبيلاً. وللأسف، سبل السعادة مقطوعة في سورية، ولم تبقَ إلا مشاعر الأسى والقهر والإحساس بانعدام القيمة، وكره الآخر كرهاً مزيفا.