أخذني الطفل الصغير إلى فلسطين. لوح سعيداً للعصافير والفلاحين والزيتون وأشار إلى جدار مكتوب عليه: هذه أرضي/ أوقفني عند ضوئها الحزين وحرر لي برتقالة من جدار قديم.
أردتُ أن أحدّثك عمّا حدث في الطفولة؛ عن صورة جنديّ فلسطينيّ مقنّع بالكوفية وبيده بندقية؛ يحمي الطفولة والشجرة والسماء. أردتُ أن أحدّثك عن منزلٍ ضاع في الأيام.
سأرسم الطفل ضاحكًا على جدران مدينة النخيل؛ وسأكتبُ: الربابةُ حقٌّ، والأنهرُ حقٌ./ ويجب أن يبقى طريقُ الحبِّ مُستنيرًا. يجب أن يكون للأطفال نصيبٌ في لغتهم الأم؛ ونصيبٌ في دفاعهم عن الحقِّ؛ وسأكتب: اللغةُ حقٌّ.
محنيَ الظهر يحمل خريطةً جغرافيةً ولغزَ الأرض وفي قلبه جفافُ الروح. من الوهن واليأس يستمدّ طاقته في فتح طرق جديدة للأغنية والعقل. من الوهن واليأس عندما يتغيّب وعندما يحضر تكون أيامٌ تتحول إلى جملةٍ حينًا وحينًا إلى كلمةٍ معناها بريدُ الزمن.
اضطراباتُ الحُمّى. حُفَرٌ وأخاديد. تستمعُ الأوراقُ إلى النوم والإرادة، وهناك من يفتش عن آثار تحت الأرض. ■ يشعُر على جلده بالطَّرق ونقوش الخواتم والطّرد البريدي. ■ يشعر بمصانع الكحول ودار المجانين. ذهبَ عقلُه عندما نظر إلى وردة كالدّهان.
يمر القطار؛ ويشطر الليل نصفين. يأتي ساعي البريد ويبكي على الرسائل التي فقدها عندما التقى بحبيبته الجميلة. أفتح الباب لجميع السعاة على الأرض، وفي غرفتي متّسعٌ لرسائل ضائعة تبكي مثل العجائز في المقابر العربية.
أُقارن نفسي بحبّة القمح؛ نقطة الحياة والمَمات. أُقارن نفسي بالميزان وبالسماء بين الكفّتين. أُقارن نفسي بالسفن ترسو على ضفاف كارون وألوّح لها عندما تغادر وتسبقني الطيور؛ أُقارن نفسي بمرساةٍ صدئةٍ شهدت حروباً وتحوّلاتٍ ولا تزال نابتةً على ضفاف كارون.
يحاول أن يسيطر على نفسه ويتمكن من شدِّها. يتساقط معدنٌ وتنقل الأنهرُ فستانًا حيك بالكيمياء والشجر/ منحنيًا يذهبُ إلى جسرٍ من الظاهر والفضة. عالَمٌ يموت وتصطدم عوالم ببعضها. سلسلة من مرايا يعبث بها طفلٌ يذهبُ منحنيًا إلى جسرٍ من الظاهر والفضة.
في غروبٍ ممطرٍ ألقت امرأةٌ بنفسها من فوق الجسر؛ لقد وصلتُ متأخّرًا كمَن يصل إلى قاربٍ يسير في اتّجاهِ حادس. تُمطر السماء من شدّة الشراب، والجسرُ عالٍ؛ وكان قائد القارب يعوم في اتّجاه الجسد الطافح والسماء تمطر من شدّة الشراب.